خلافات وتصدعات جادة يشهدها الاتحاد الأوربي بين الدول الأعضاء، فيما يخص سياسية التعامل مع دمشق، حيث بدأت بعض الدول الضغط باتجاه تغيير بعض السياسات بما يتمشى مع مصالح الحكومة السورية.
العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي عادة، ليست ملزمة للدول الأعضاء لذلك قد تقتنص بعض الدول الراغبة بعودة جزئية للعلاقات مع دمشق هذه النقطة، لخلق نوع من الدفء بينها وبين حكومة الأخيرة، ما يعكس مكاسب جديدة لصالح الحكومة السورية التي تعاني من حصار اقتصادي غربي منذ العام 2011.
كلا من حكومات اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا، وفقا لما نقلته “فورين بوليسي” استخدمت انطلاقا من مواقعها داخل الاتحاد ضغوطا على بعض خطوط السياسة، داعين إلى تغيير سياسات تتماشى بشكل مباشر مع مصالح الحكومة السورية. تلك الحكومات قامت بتشكيل مجموعات خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، تضم خبراء من أجل تبادل الأفكار المبتكرة التي من شأنها تجاوز عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد الحكومة السورية وفعل المزيد من أجلها.
الارتفاع الكبير في قوارب المهاجرين التي تحمل سوريين، قادمة من لبنان وتركيا وسوريا نحو إيطاليا واليونان وقبرص ومالطا، كانت حافزا لذلك التحول الذي تلعب المعارضة السورية المدعومة من قبل أنقرة دورا فيه أيضا، إضافة إلى التأثير المتزايد للسياسات الشعبوية والإسلاموفوبيا والسياسات الموالية للمسيحيين والأقليات، والتعاطف العام مع موقف روسيا من سوريا، على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، وفقا للمجلة.
تحريك المياه الراكدة
طوال مدة الصراع السوري والمشكلات المترتبة عن أزمة اللاجئين السوريين المتدفقين نحو أوروبا، مع غياب الحلول الجادة للمسألة السورية، ربما يكون وراء تحفز بعض الدول الأوروبية، استدارة جزئية باتجاه دمشق.
بعض الدول الأوربية ترى أن انقطاع علاقاتها مع حكومة دمشق ومن ثم توقف مصالحها معها قد طال أمدها، وأنه لا آفاق مستقبلية حقيقية وصولا إلى إنهاء المسألة السورية وحلحلتها، ومن ثم فإنه لابد من تحريك المياه الراكدة، وإنجاز إمكانية فتح الباب الموارب لعلاقة ما مع الحكومة السورية يمكن الاستفادة منها اقتصاديا أو جيوسياسيا وفقا لحديث الكاتب و المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو لـ”الحل نت”.
من الأسباب السياسية لمحاولات بعض الدول الأوربية إعادة العلاقة مع دمشق، بحسب سعدو هي الحالة الاقتصادية البائسة التي خلفتها جائحة “كورونا”، وكذلك ماحصل بعد اجتياح الروس لأوكرانيا منذ شباط/فبراير الفائت، والحرب الكبرى التي تركت آثارها الاقتصادية السيئة على مجمل أوضاع أوروبا، وخاصة تلك الدول التي يكون اقتصادها ضحلا وهشا، وغير قادر على تحمل تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا.
هناك حالة من التفكير خارج الصندوق لدى بعض دول أوروبا، ويعتقد سعدو أنها تتمحور حول إيجاد آلية جديدة للتعاطي مع الواقع السوري دون الوقوع تحت عقوبات قيصر أو ماشابهه لدى الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، لن يكون من السهل تجاوز العقوبات الغربية برمتها، لا من قبل الحكومة السورية ولا من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي، “لكن هناك استثناءات سبق وأن منحت في بعض الحالات من قبل الأميركان بما يخص شمال شرق سوريا، واحتمالات أن يكون التعاطي مع قوات سوريا الديمقراطية هو خارج إطار العقوبات الأميركية”، حسب تعبيره.
بداية الاستدارة
التبدلات في سياسة الاتحاد الأوروبي نحو دمشق، بدأت منتصف العام الحالي حيث قرر الاتحاد الأوروبي إزالة شركة “أجنحة الشام” السورية للطيران من قائمة عقوباته، والمدرجة منذ كانون الأول/ديسمبر 2021 على لائحة العقوبات الأوروبية.
في آب/أغسطس الماضي شهدت 3 محافظات سورية (حلب، حمص، حماة)، زيارة أجرتها بعثة أوروبية-أممية هي الأولى من نوعها منذ عام 2011، وذلك بهدف دعم الاتحاد الأوروبي للاستثمار في البنية التحتية للمياه الحيوية في حلب، ومن أجل أن “يعرف السوريون المزيد عن كل الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي في كل مكان من سوريا” وفقا لتصريحات صادرة عن القائمين بالبعثة.
طبيعة الخلاف الأوروبي حول التعامل مع الحكومة السورية ليس جديدا. الخلافات بدت واضحة للعلن منذ قرابة ثلاث سنوات، وبعض الدول الأوروبية افتتحت تمثيلا دبلوماسيا في دمشق مرة أخرى، بعد قطع العلاقات على خلفية الأحداث السورية منذ العام 2011، وفقا لحديث مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية كرم الشعار، لـ”الحل نت”.
الدول الأوروبية المتجهة نحو تحسين العلاقات مع دمشق، وليس بالضرورة الاعتراف الكامل، هي دول تعاني بالدرجة الأولى من مشكلات اللاجئين، وهي معظم الدول الجنوبية مثل اليونان، قبرص، وإيطاليا. لكن هل الاختلافات بين الدول الأوروبية ستؤدي إلى تغير كبير في السياسة العامة للاتحاد الأوروبي. يوضح الشعار، بأن هذا أمر مستبعد فلا تزال القوى الكبرى متمسكة بموقفها تجاه الحكومة السورية وعلى رأسها ألمانيا، فرنسا، هولند، وإسبانيا. وبالتالي، احتمالية انهيار سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحكومة السورية مستبعدة بشكل كبير نظرا لتمسك الدول الكبيرة بموقفها ضد دمشق.
الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حرة في سياساتها الخارجية وفقا للشعار، لأن سياسة الاتحاد العامة ليست بالضرورة ملزمة للدول الأعضاء بكل تفاصيلها. على سبيل المثال عندما يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات محددة على دمشق ومسؤولي الحكومة السورية، فإن الدول الأعضاء تبقى المسؤولة عن تطبيق هذه العقوبات من عدمه. إيطاليا استضافت علي مملوك مؤخرا في مؤتمر على أراضيها بالرغم من وجود مملوك على لائحة العقوبات الغربية.
تحقيق الحكومة السورية لمكاسب من خلال عمل بعض المجموعات الأوروبية التي شكلتها الدول الراغبة بتحسين علاقتها مع دمشق واضح جدا، في ظل مساعي الأخيرة للتطبيع وإعادة التعويم. لا سيما وأن العقوبات الأوروبية ليست ملزمة لدول الاتحاد الأوروبي، فكل دولة تقرر تطبيق أو عدم تطبيق هذه العقوبات بحسب سياستها الخارجية المستقلة.
أزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب السورية وانسداد أفق الحل السياسي بعد مضي أكثر من عقد على الصراع، جعلت الاستدارة الجزئية لبعض الدول الأوروبية أمرا شبه محتوم. لكن السياسة العامة للاتحاد الأوروبي الضاغطة لتطبيق الاتفاقات الدولية بشأن الصراع السوري لا تزال تحافظ على تماسكها. الدول الكبرى ليست بوارد التنازل لدمشق، بعكس الدول الأصغر والأكثر تضررا من الصراع. بينما يمكن للحكومة السورية انتهاز أجواء الخلاف الأوروبي، لتحقيق بعض المكاسب من خلال المجموعات التي انشأتها الدول الراغبة بتحسين العلاقات معها.
المصدر: الحل نت