يجتمع أهل «القمة العربية» في الجزائر، فيما «القاعدة» تبدو غائبة عن الساحة منذ بعض الوقت، بعدما نجحت في الإجهاز على الربيع العربي يداً بيد مع الأنظمة المجرمة.
أهل القمة منقسمون على أنفسهم، وغاب عدد منهم عن اجتماع الجزائر، إضافة إلى استمرار نبذ بشار الأسد على رغم جهود الحاكم الجزائري تبون لتمكينه من الحضور. لقد انطوى ذلك الزمن البعيد حين كانت اجتماعات القمة العربية تلاقي عادةً انتقادات نمطية من نوع «اتفق العرب على ألا يتفقوا» أو كلاماً عن «العجز العربي» أو التندر بتهريج معمر القذافي وخطاباته الحماسية و«أفكاره» العجيبة من نوع اختراع «إسراطين» حلاً للقضية الفلسطينية. فبعد انطلاق ثورات الربيع العربي بات هم أهل القمة محصوراً بوأدها والعودة إلى زمانها الجميل الذي يسوده ركود المقابر، ولا يظهر فيه في الميدان العام إلا أهل القمة المؤبدون الذين اختزلت فيهم الدول والمجتمعات العربية من غير أن يستند ذلك إلى أي إنجاز في إدارتهم لتلك الدول.
أما «أهل القاعدة» فالمقصود بهم الإسلام السياسي وفي الصدارة منه منظمة القاعدة وتفريعاتها السلفية الجهادية التي حققت إنجازات باهرة، مرة حين تسببت في تحويل بلداننا إلى هدف للغزو الأمريكي ـ الأطلسي، ومرة ثانية حين حولت ثورات الربيع العربي إلى حروب أهلية، مساهمةً في القضاء عليها وفي تحويل الدول التي نشطت فيها إلى دول فاشلة، وإن كان مشروعاً التساؤل عما إذا كانت دولاً ناجحة قبل ذلك. أما الشق الإخواني من الإسلام السياسي فلم يقل تخريباً عن شقيقه السلفي الجهادي، ففي حين ساهم إخوان مصر، بصورة غير مباشرة، في حدوث الردة السيسوية عن إنجازات ثورة 25 يناير، التحق إخوان سوريا بالأجندة التركية، وبعدما شقت حماس المناطق الفلسطينية لتحكم في غزة، عادت صاغرة إلى نظام الأسد الكيميائي ربما مكافأةً له على تدمير المخيمات الفلسطينية في دمشق واللاذقية وغيرها من المدن السورية.
من المحتمل أن دفاع معظم المشاركين في اجتماع الجزائر هو إعطاء دفعة معنوية لنظام تبون الذي لم يتعاف تماماً بعد من تداعيات ثورة الشعب في 2019. ما عدا ذلك لا يبدو أن هناك ما يجمع أهل القمة غير التأكد من عدم عودة الشعوب للثورة في أي بلد عربي، وهو ما لا يمكن التأكد من تحقيقه.
الشعوب العربية التي ثارت في 2010 ـ 2011، ثم في 2018 ـ 2019، على أوضاع لا يمكن الاستمرار في تحملها، وتلك التي اضطرت لكتم شوقها إلى الثورة نظراً للظروف القاهرة في كل بلد، ليس فقط أنها غير مهتمة بالقمة العربية المنعقدة في الجزائر، بل لعلها تتمنى أن يتفق أهل القمة على ألا يتفقوا. صحيح أن الصراعات بين أهل القمة أيضاً ترتد وبالاً عليها مثلها مثل الاتفاق بينهم على شعوبهم، لكن الخلافات قد تسمح على الأقل بكشف المستور بصورة متبادلة فيما بينهم، وبحروب إعلامية متبادلة تمنح على الأقل فرصة للشماتة بهم.
من باب الفضول حاولت أن أطلع على موقف نظام الأسد من انعقاد قمة الجزائر، فتصفحت صحفه اليومية. كانت المفاجأة الأولى أن موقع صحيفة «الثورة» محجوب في تركيا، ليس من قبل السلطات التركية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل من قبل الصحيفة السورية نفسها! (هذه أعجوبة حقاً لا مثيل لها في العالم) أما صحيفة «تشرين» فقد حجبت افتتاحية رئيس تحريرها فقط لغير المشتركين! لكن صفحتها الأولى قدمت «ملفاً» من عدة مقالات عن مؤتمر القمة، في حين غاب هذا الحدث تماماً عن صحيفة «البعث» الناطقة باسم حزب كان مجرد واجهة أيديولوجية لنظام حافظ الأسد، لينتهي دوره تماماً بعد اندلاع الثورة في سوريا. وبدلاً من ذلك كانت الصحيفة مهتمة بأهمية الانتخابات الحزبية قبيل انعقاد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الذي سيكون بمثابة مؤتمر مصغر حسب الصحيفة. أخيراً صحيفة «الوطن» المستقلة نظرياً عن أجهزة النظام لكنها أشد ولاءً من الصحف الرسمية، كانت الأكثر «مهنية» في تناولها للحدث، فركزت على ما تسرب من مسودة البيان الختامي للمؤتمر فيما يخص سوريا، فقالت إن البيان سيدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار وحل سياسي للأزمة مع رفض التدخلات الأجنبية.
في عودة إلى ملف «تشرين» عن القمة، يلاحظ غياب النبرة العدوانية المعهودة في الإعلام السوري تجاه دول عربية تعتبرها معادية، بل هناك تثمين لدور الجزائر في محاولتها للم شمل العرب كما ينص شعار المؤتمر، وتذكير بالانحيازات السياسية التقليدية للحكم التي تتطابق مع مواقف النظام السوري كما تقول إحدى المقالات التي حملت هذا العنوان اللافت: «سوريا الحاضر الحاضر!» في تحريف للتعبير النمطي الذي يتحدث في حالات مماثلة عن «الغائب الحاضر». فيزعم كاتب المقال أن سوريا التي «قررت بنفسها عدم الحضور» ستكون حاضرة «فعلاً وقولاً» من خلال القيادة الجزائرية!
في غضون ذلك كان وزير خارجية النظام فيصل المقداد يقوم بزيارة إلى طهران، وبشار الأسد يقلّد نائبته نجاح العطار «وسام أمية ذا الرصيعة» ويلقي كلمة بهذه المناسبة مملوءة كالعادة بالتحذلق والهراء. أما بشار الجعفري فقد قدم أوراق اعتماده لفلاديمير بوتين كسفير جديد للنظام في موسكو. هذه أخبار نشرتها الصحف المذكورة.
صحف النظام التي تغنت بإيجابيات «لم الشمل» بين أهل القمة كشفت، بغير قصد، أن وجهة النظام ليست نحو الجزائر غرباً، بل طهران (المقداد) وموسكو (الجعفري) شرقاً وشمالاً.
المصدر: القدس العربي