مقدمة
قراءة أيّ حدَثٍ على أنه سبَبٌ هي قراءةٌ متسرِّعة وغير صائِبة؛ فالسبب ليس حدَثًا، والحدث عند قراءته، بمعزل عن العلاقات والمقدمات السابقة له والتي أدّت إليه، يُصبح إشكالًا معرفيًا، ولا يمكن البناء عليه، لأن الكشف عن العلاقات والمقدّمات لأيّ حدث هو جوهر الإنتاج المعرفي، خصوصًا عند قراءتنا للمجتمعات وتاريخها.
بهذا المعنى، تغدو عملية الإنتاج المعرفي مهتمّة، بشكل أساسي، بكشف المخفيّ من العلاقات، وآليّات تشابكها، وتفاعلها، وصولًا إلى الحدث، وعندئذ تتكشف صلة الحدث بجذوره، فتصبح قراءته أكثر وضوحًا، لا بل يمكن عندها التنبؤ بأحداث أخرى قد تقع، وهذا التنبؤ ليس قائمًا على تصوّرات غيبية أو تنجيمية، إنه باختصار مبنيّ على منطق علميّ، يُحلّل المقدمات وجوهرها، والقوى ومساراتها وحواملها، كأي جملة فيزيائية، ثم يبني رؤيته على ترابط وتفاعل هذه المقدمات، والقوى واتجاه حركتها.
كما في مختلف العلوم، في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها، هناك في الواقع الاجتماعي، وفي حركته العامة أيضًا، قوانين وعلاقات تفسّر ظواهره وأحداثه، ولها منطقها، ولها تمظهراتها التي لا يمكن تجنبها، وفي حال تجاهلها، أو القراءة بعيدًا عنها، تصبح الأحداث سببًا، وتصبح السياسة تنجيمًا، وضربًا من ضروب قراءة الكف، أو قراءة فنجان القهوة.
لا يمكن للتاريخ أن يُقرأ بدلالة الدين، إذ لا يسمح الدين للتاريخ أن يكون علمًا، فهو يراه كما يرى الظواهر الاجتماعية، وحتى العلمية، على أنها عملية خلق غيبي، فكل ظواهر التاريخ، وكل تحولات المجتمع، مقدّرٌ لها أن تكون كما صارت، وفي هذا نقل للتاريخ الذي هو علم أساسي في السياسة، من حقل العلوم إلى حقل الفقه والتفسير.
كما لا يمكن للتاريخ أن يقرأ بدلالة الدين، لا يمكن أيضًا للسياسة أن تُقرأ إلا بفكر علمي، وأن تُقاس عليه، وأن تُكشف علاقاتها وسيرورتها به، ولا يمكن أيضًا أن تضع مبادئها وأسسها في مجتمع ما، إلا بمنهجية علمية، تحلل الواقع الذي تشتغل عليه من داخله، وليس باللجوء إلى القياس فقط، أو إلى مبدأ خارجي، وعليه فإن أي فكر سياسي أو تاريخي لا يمتلك أدواته المعرفية، والنظرية المنتَجة معرفيًا من واقعه، يغدو فكرًا أقرب إلى الفكر الغيبي، أو التنبؤي.
في التجربة العيانية للمعارضة السورية
إذا كانت العصبيّة هي القوة المحركة للتاريخ في المجتمعات القبلية، كما يقول ابن خلدون، فإنها -عند ابن خلدون أيضًا- لا تنشأ من رابط الدّم فقط، وإنما تركز على فكرة السلالة الحاكمة؛ ولكي تستمر هذه الأخيرة، تحتاج إلى صفات خاصّة، أهمّها الطابع الشمولي لهيبتها وسلطانها، بحيث تكون دعوتها شاملة لكل الفئات والطوائف المشمولة بحكمها. وإذا كانت رؤية ابن خلدون للعصبية تبدو وكأنها تنحصر في أنماط حكم خاصة، أو علاقات اجتماعية كانت سائدة في زمنه، فإنها تغيرت في معظم أدواتها وأنماطها، ويمكننا أن نجد من يستبعد الكثير منها في نقاش الدولة الحديثة، وخصوصًا في ما يتعلق بطرق الوصول إلى السلطة، فإن “العصبية” تبقى بتجلياتها الجديدة قوة محركة فاعلة في التاريخ، ولا سيّما في المجتمعات التي لم تتكرّس المواطنة فيها كعلاقة أساسية بين الفرد والدولة، والتي لا تزال تعتبر قرابة الدم، أو العشيرة، أو الدين، من العوامل الفاعلة في السياسة، وتصنفها كهوية عُليا، وبالتالي فإنها تكتسب وجهًا آخر، لا يقتصر على الانتماء، بل يصبح صيغة أساسية من صيغ الحماية والأمن ،وعلى الرغم من هذا الحضور، فمن الضروري أن نفهم العصبية اليوم، ليس بصيغة ابن خلدون، بل بصيغتها التي أعيد إنتاجها، وفق منظومات ثقافية وفكرية واقتصادية جديدة، أصبحت بصيغها الجديدة قوة فاعلة في إنتاج السلطة في هذه المجتمعات، وفي العلاقة بالفضاء العام، الذي تحتاج إليه السياسة في أي مجتمع.
كان من المهم أن تعيَ النخب الثقافية والسياسية تحولات أو تجليات “العصبية”، وتبدلاتها في المجتمع السوري، خصوصًا في فترة حكم عائلة الأسد التي امتدت لنصف قرن، وكان من المنطقي أيضًا أن تبحث هذه النخب عن علاقات القوى الجديدة التي أفرزتها عقود حكم هذه العائلة، لكن رد “العصبية”، بلا تدقيق أو تمحيص، إلى أنماطها التقليدية المعروفة فقط (عائلات، طوائف، إثنيات، قوميات)، وعدم التبصّر في تحولاتها الجديدة الناتجة عن تشابك العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، واختراقها للعصبيات التقليدية، تسبّب في حجب الضوء عن مدى اختراق هذه العصبيات، وعن جملة علاقات تشكّلت في المجتمع السوري خلال حكم عائلة الأسد، وبرز دورها واضحًا، خلال السنوات العشر الماضية بشكل كبير.
تُخترق “العصبية” التي قصدها “ابن خلدون” في المجتمعات الحديثة، بعوامل متعددة، أهمها العاملان الاقتصادي، والسياسي، ويأخذ العامل السياسي أشكالًا متعددة، سواء في صيغة علاقة الفرد/ الدولة، ومدى ترسخ “المواطنة” في هذه العلاقة، أو في القانون والدستور.. إلخ، لكنّ الأحزاب تبقى أهمّ اختبار لهذا الاختراق، لكونها صيغة حديثة، إن جاز التعبير، لعصبية جديدة تهدم الصيغ السابقة للعصبية، وتقوم على أنقاضها، ولما كانت الأحزاب في سورية غير موجودة أو هي، بتعبير ملطّف، مشلولة أو عاجزة عن الفعل، فقد كان استحضار العصبيات التقليدية في الصراع أمرًا مؤكّدًا، وخاصة عند اعتبار الدولة منهارة، أو في طريقها إلى الانهيار، لكن استبعاد العامل الاقتصادي، ومدى اختراقه لهذه العصبيات، تسبّب في حجب الرؤيا عن حقائق عدة، كان فهمها ضروريًا، لتفسير ما يجري على الأرض السورية.
من أهمّ تجليّات الذهاب إلى قراءة “العصبية” في المجتمع السوري قراءةً تقليدية تُغفل تطورها ومتغيراتها، الذهابُ بلا روّية ولا تبصر، لاستحضار مفاهيم ومحددات للصراع غير صحيحة؛ فإرجاع الصراع منذ البداية، إلى العصبية الطائفية، كان فكرةَ النظام لتشتيت القوى المناهضة له، وردّها إلى عصبيات تمنع تلاقيها، وقد اشتغل “النظام” على هذه الفكرة بتخطيط ممنهج، وبممارسات عرفها السوريون جيدًا، لكنه وبمهارة أيضًا لعب في المعلن أو الظاهر دور من يقف ضدها، لأنه بوقوفه ضدها إنما كان يستثمر فيها على أفضل وجه، سواء لجهة الاحتفاظ بخيوط ارتباطه مع كل العصبيات التي فجرها هو داخل المجتمع، أو لجهة تقديم نفسه للخارج، بوصفه المالك الحصري للشرعية التي تعلو على العصبيات التقليدية، وبوصفه المدافع عن الدولة.
إذًا، لم يكن إرجاع الصراع إلى وجهه الطائفي صحيحًا، ولم يكن واقعًا على الأرض، لكن تواطؤ المعارضة مع هذا الإرجاع، وتكريسه في مستور خطابها وممارستها على أنه وجه أساسي للصراع في سورية، وليس مجرد وجه محتمل من أوجه هذا الصراع، تسبّب في تغييب الجوهر الحقيقي للصراع، بوصفه صراعًا له أوجهه السياسية والاقتصادية والحقوقية بين سلطة طغيان وشعب، وتسبّب أيضًا في تفتيت الكتلة الكبيرة التي كان معظمها يتقاطع برؤيته لطبيعة هذه السلطة، على أنها سلطة طغيان وفساد، ويرى ضرورة تغييرها.
في تجلٍّ آخر للقراءة الخاطئة للمعارضة السورية، والتي لا تزال تقرأ حتى اللحظة، بدلالة الحدث لا بدلالة أسبابه، يمكننا أن نتوقف عند إغفال هذه المعارضة لأهمية المتغيرات التي شملت البنية الاقتصادية للمجتمع السوري، خلال عقود حكم عائلة الأسد، وكيف تبدّلت بشكل عميق طبيعة الاقتصاد السوري وأوجه نشاطه، ولم تلحظ هذه القراءة ما هي الفعاليات الاقتصادية الجديدة، وأين تتركز، وأين تم تشبيك رأس المال الطفيلي والخدمي في غالبه في العصبيات السورية، ومدى اختراقه لها على أنواعها، وهذا ما نلمسه في الخطاب الذي توجهت فيه المعارضة إلى القوى الاقتصادية، إذ غلب على هذا الخطاب الطابع القيمي، والمناشدات الأخلاقية، والتذكير بالعصبيّة التقليدية التي ظنت المعارضة أنها ستُحرج رأس المال فتدفعه للالتحاق بها، ولم تنتبه إلى أن معظم الرأسمال السوري أصبح مرتبطًا إلى حد كبير بالدولة والسلطة من جهة، وبطغمة العائلة من جهة أخرى، وأن الرأسمال إنما يخاطب بلغة الاقتصاد والمصالح، لا بلغة “الفزعة” أو المضافات والمجالس.
في خطاب المعارضة حول مواقف الطوائف، أو الفعاليات الاقتصادية، يظهر بوضوح عمق ما أشرنا إليه في مقدمة هذا المقال، وأقصد قراءة الحدث على أنه سبب، فقد تسبّب غياب حقيقة ارتباط الرأسمال السوري بالنظام وأذرعه، وعدم قراءة الأسباب الحقيقية للموقف المتردد لبعض التصنيفات (الطوائف أو غيرها) السورية، في إنتاج خطاب اتهامي تخويني منفعل، كرّس قطيعة بين هذه التصنيفات والثورة أولًا، وأغلق الباب أمام احتمال تغيير هذه التصنيفات لموقفها، في حال تمكّنت من الإفلات من معيقات هذا التغيير، لكن لغة الاتهام والتجريم والتخوين جعلت هذه التصنيفات محشورة داخل خيار قد لا يمثّل معظمها، ولا يلبي حاجاتها، ولا مصالحها.
في مقلبٍ آخر، كان خطاب المعارضة السورية، ومنهجية تعاطيها مع عسكرة الثورة، ومع مخاطر تشوه الثورة وانحرافها بفعل استحواذ السلاح على القرار فيها، ارتجاليًّا وخاطئًا، وغير مدروس، ويغلب عليه الانفعال وردة الفعل، وإن كان لهذا الخطاب ما يتحجّج به في بداية الثورة السورية، إلا أن ما يصدر اليوم منه، في تناول المعارك التي تنشب بين الفترة والأخرى، بين فصائل مسلّحة تسيطر على مناطق من سورية، ولا تخضع لسيطرة النظام، كان أكثر ارتجالية وانفعالًا، وكأن عشر سنوات من عمر الصراع الدموي في سورية، لم تعطِ المعارضة السورية أي درس من دروس التاريخ.
لا يمكن لكل السلاح الموجود في سورية اليوم، والذي يتوزع في كل مناطق البلاد، ويخضع لقيادات متعددة، أن يكون وطنيًا، ولا أن يعمل من أجل سورية، وفي مقدمتها الجيش السوري الذي يخضع لإدارة “النظام”، وقوات (قسد)، وكل الفصائل المسلحة الأخرى، على اختلاف تسمياتها وراياتها، وبالتالي فإن ما صدر من بيانات، وتحليلات، ونصائح حول ما يجب فعله من أجل وقف الاقتتال بين هذه الفصائل، من أجل نصرة سورية وشعبها، هو مجرد قراءة منفعلة، تتعامى عمدًا عن حقائق واضحة، تظهر في كل مفصل من مفاصل صراع هذه الفصائل على مناطق سيطرتها، أو على مكاسبها الاقتصادية.
بوضوح العبارة، لا تشكّل المصلحة الوطنية السورية أيّ مرجعية لأي فصيل مسلح على الأرض السورية اليوم، فالبندقية التي لا تتحكم فيها قيادة سياسية وطنية، تخضع لمعايير وطنية ولبرنامج وطني، لن تكون بندقية وطنية أبدًا، مهما غلّفت وجودها بشعارات وبيانات، ولا يمكن لبعض التبريرات أن تغطي هذه الحقيقة، فالسلاح لا يُقرأ أبدًا بدلالة أفكار حامله أو نيّاته، أو مكان ولادته، وإنما يُقرأ دائماً بدلالة مصالح مموّله، ودافع تكاليفه.
وفي تجلٍّ آخر بالغ الدلالة، يمكن التحدّث طويلًا عن نهج كارثي لا يمكن أن يوصل إلا إلى الكارثة، وهو المتعلق بتشكيل الأطر والقيادات السياسية التي تصدرت الواجهة السياسية للمعارضة، بدءًا من هيئة التنسيق والائتلاف الوطني، وصولًا إلى كل المنصات والتسميات الأخرى، وما نتج عنها من أطر سياسية، كالهيئة العليا للتفاوض أو اللجنة الدستورية، أو ما سمي بـ “مسار آستانة”، فما يشكل القاسم المشترك لكل هذه القيادات والواجهات أنها كلّها بلا أي شرعية، سواء شرعية الانتخابات، أو ما يمكن أن يسمى الشرعية الثورية، أو حتى شرعية البرامج والأهداف، بالحدّ الأدنى، ولو قبلنا جدلاً بصعوبة الحصول على الشرعية في الظرف الخاص الذي تمرّ به سورية، فإن الحد الأدنى من منهجية العمل السياسي الصائب كانت تفرض تشكيل مرجعية وطنية، يمكن لها أن تشكّل جهة رقابية على أداء هذه التشكيلات، إذ لم يحدث في أي عمل سياسي عبر التاريخ أنْ تذهب وفود إلى التفاوض بلا أي مرجعية، وبلا أي ضوابط ومحددات واضحة، سوى ما ترتئيه هي، وكأنه يكفي أن يصرّح الناطقون باسم هذه التشكيلات، لتصبح شرعيتهم محفوظة، هذه المنهجية في كل التشكيلات السياسية السورية ما تزال راسخة، تشكيلات تم اختيار أعضائها بموجب العلاقات والتبعيات والاستزلام، وليس بموجب الكفاءات والضوابط الوطنية، تشكيلات تعمل بدلالة مصالح أفرادها، أو دلالة تبعيتهم، ولا يهمّها أن يخرج الشعب السوري كلّه معلنًا رفضه لها.
أنتجت هذه التشكيلات السياسية خطابًا سياسيًا بالغ الرداءة والبؤس، وقادت العمل السياسي المعارض، كما لو أنه مضافة لشيخ عشيرة، تحكمها قواعد القرابة والأعراف والوجاهة، وليست قواعد العمل السياسي، التي تفترض بداهة أن يضعها ويديرها اختصاصيون أكفاء، قادرون على تحليل الواقع السياسي، وإدارة متغيراته بما يخدم المصالح الأساسية للشعب السوري.
أخيرًا، وفي المنهجية الخاطئة للقراءة السياسية للمعارضة السورية، لا بد من التحدث عن إغفال المعارضة السورية لأهمية الموقع الجيواستراتيجي لسورية، في مجمل قراءاتها السياسية، ولا يعني أبدًا ذكر ذلك، في بعض أدبيات هذه المعارضة، أنها قد بنت استراتيجيتها أو تكتيكاتها السياسية على هذه الأهمية، ليس هذا فحسب، بل إن هذه المعارضة لم تقرأ تأثير موقع سورية في سياسات الأطراف الدولية التي تدخلت في الصراع السوري، ومنذ البداية، كان واضحًا أن الخطاب المعارض يقيس الحدث السوري على أحداث أخرى، سواء في ليبيا أو تونس، ولا يُقيم اعتبارًا لخصوصية موقع سورية، سواء من حيث مجاورته للكيان الإسرائيلي، أو من حيث وجوده على الواجهة البحرية الغربية لقارة آسيا، والتي تطل على أوروبا وإفريقيا، مع ما يعنيه هذا اقتصاديًا وعسكريًا، وأيضًا بتجاهل تام للوجود الروسي التاريخي في سورية، وقوة المشروع الإيراني فيها، بعد عقود من العمل وضخ الأموال، وكأن الصراع في سورية، وفق خطاب المعارضة السورية، يمكن اختصاره بخلع شخص من موقع الرئاسة واستبداله بآخر.
قادت المنهجيّة الخاطئة للمعارضة السورية إلى سلسلة من الكوارث على الصعيد الوطني، يمكن ذكر قسم منها:
- هدر الإمكانات الكبيرة التي أتاحتها الثورة السورية، لأي قيادة سياسية تتولى تمثيلها.
- عدم الاستفادة من الفرص الكثيرة التي خلقتها ممارسات النظام الوحشية، سواء لجهة تحشيد السوريين حول طبيعة الطغمة التي تحكم سورية، أو لجهة تشكيل رأي عام عالمي.
- تفتيت البنية الاجتماعية الحاضنة لقيم الثورة.
- مساعدة النظام في موضعة الصراع الذي فجّرته الثورة، والذي هو في جوهره صراع بين شعب وطغيان، على الصدوع الطائفية والقومية والعشائرية في المجتمع السوري، أي ساهمت عبر خطابها غير المدروس، في تعزيز الاستقطابات غير الوطنية داخل النسيج الاجتماعي السوري.
- منع أبناء الثورة الحقيقيين من إدارة مؤسساتها، واستبعادهم من قيادتها، وها نحن، بعد أكثر من عقد من عمر الثورة، نلمس حجم الكارثة التي تسبّب بها خروج معظم الشباب السوري من دائرة الفعل.
- تكريس الإحساس بالعجز واللاجدوى لدى معظم السوريين.
- تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالمسألة السورية.
واليوم، أمام مشهد الخراب الذي يعصف بسورية، والمترافق بتعقيدات دولية بالغة الخطورة تدفع الملف السوري إلى خارج دائرة الاهتمام، تبدو الحاجة إلى إعادة صياغة مجمل رؤى وتعبيرات ومؤسسات المعارضة السورية ماسّة جدًا، ولا سيما أن متغيرات داخل المجتمع السوري، والذي لا يزال يعيش تحت سيطرة النظام، بدأت تفرض نفسها بقوة، وهناك إمكانات حقيقية لإعادة الصراع في سورية إلى حقله الأساسي، بعدما عرفت النسبة الساحقة من السوريين طبيعة السلطة في سورية. وأهمّ ما تحتاج إليه هذه الاستعادة لجوهر الصراع هو صوت وطني واضح وموثوق، يُعيد للسوريين ثقتهم بأنفسهم وبثورتهم، ويُنتج خطابًا سياسيًا يُعلي الهوية السورية فوق كلّ الهويات الصغرى، ويحمل بوعي ومسؤولية مهمة الدفاع عن المصالح الأساسية للشعب السوري.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة