ما يزال التاريخ القريب والمعاصر يمثل في وعينا ووجداننا، نحن أبناء هذه الحقبة من الزمان والتاريخ، وليس فيه وضوحاً أشد من حقبة النصف الثاني من القرن العشرين الذي كانت تتميز فيه، بالنسبة للفضاء السياسي في العالم ولشعوبنا التي هي جزء منه، أفكار وخطابات التحرر الوطني والتحرر السياسي والإنساني عامة.
وتهاجم بل وتحاصر وتحارب الاستعمار بأشكاله المختلفة اينما كان على وجه الارض …وخاصة ذاك الاستعمار الامريكي الذي ذاعت ممارساته المتوحشة في فيتنام …وما تلاه بعدها في افغانستان ومن ثم اخيراً في العراق النازف وسوريتنا الحبيبة التي لا زلنا نعيش مقتلتها حتى اليوم.
وقد كان لسقوط الاتحاد السوفييتي وثبة تفاؤل انسانية لدى المجتمعات المتعددة علّ الذي حصل يقدم للبشرية حالة نظام عولمي يتميز بعناوين كانت تبدو براقة يتبناها العالم او المجتمعات الرأسمالية آنذاك حيث كانت تصدح فيه مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة والرخاء….
الا ان ما حدث لاحقا منذ صعود بريق النظام العولمي ومحاولة هيمنته على العالم مقدما نفسه كنظام سياسي اقتصادي يعد البشرية بما تحلم به دائماً، أي مزيداً من الحرية ومزيداً من الديمقراطية والعدالة والمساواة.
لم يتم تحققه او معايشته بل ان العالم وقع تحت وطأة ممارسات لا انسانية اخذت تتبدى وفي السنوات الاولى من هذا القرن خاصة أكثر بطشاً ووحشيةً واستغلالاً واضطهاداً كما هو حاصل اليوم في منطقتنا وفي افريقيا أيضاً حيث الجوع والاستغلال يضرب شعوبها في العمق، وفي سياق هذا المشهد يطل علينا ما هو اشد لفتا للانتباه والاستهجان وهو أن يتحول بعض مثقفي ونخب شعوب العالم المستهدف والمفقر والمستغل. أي عالم الشعوب والمجتمعات التي لم تكن كذلك الا لكونها نتاج الية عمل النظام الرأسمالي المعولم نفسه ومنها شعوبنا. أن يتحول هؤلاء إلى دعاة تبرير وتفسير لهذا النظام والمتمثل في زعيمته واشنطن وأن يطلبوا من شعبنا الذبيح أن يقلع عن ترداد اسطوانة المطالبة بحريته وكرامته وسيادته الغبية وان يتقن فن الواقعية السياسية التي لا يتقنها الا المختصين وحملة الشهادات التي يمنحها لهم وطن الليبرالية والحرية وحقوق الانسان المزيفة. وليتقدم صاغراً متوسلاً ان تمنحه شرف الانحناء والاستسلام لتمنع عنه سكين منطق العولمة الملبرل وتمنحه السلام والأمان لكي يستمر في حياته كأي كائن بيولوجي على وجه الارض.
وتبقى الحياة الانسانية المفعمة بالروح الانسانية هي من حق اباطرة العولمة والرأسمالية المتمركز في واشنطن.
هكذا اطل علينا اهلنا وابناؤنا السوريين عمالقة الواقعية السياسية…في واشنطن يوم ١٠/٢٩ في لقائهم التشاوري المعلن ليقولوا لنا: ان قمة الذكاء والمهارة وعمق الفهم السياسي ان نرفع راية الانبطاح والاستسلام؟؟ ادا أردنا ان نتحصل على السلام والامان….
لكن هؤلاء مهرة الواقعية السياسية أسقطوا من مخيلاتهم عن قصد أاو بدون إن دعاة ومحبي الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية الحقيقيون لا يمكن ان يقبلوا ودون اي مبررات ان يعيشوا حياتهم وحريتهم وحقوقهم على حساب الملايين من الجماجم والاجساد التي تحصدها آلتهم العسكرية الدموية الحديثة والتي يستمر عملها بفعل هدر الملايين من كم الدماء التي يسيلها هذا السلاح وأربابه.