الهوية الوطنية السورية.. والعلاقة بين مكوناتها

ميسون محمد 

تحرص الشعوب كافة على السعي من أجل الحفاظ على تميزها وتفردها سواء من ناحية القومية أو الثقافية أو الاجتماعية، الأمر الذي يدفعها إلى التمسك بهويتها الوطنية الخاصة بها التي تعبر عن الصورة الأولية والفعلية لثقافة أفرادها وعقيدتهم وحضارتهم وتاريخهم.

وبالتالي فان كل شيء مشترك بين أفراد مجموعة يمكن أن يشكل مدخلاً من مداخل تكوين الهوية الوطنية وكلما زادت العوامل المشتركة بين أفراد المجموعة كلما انعكس ذلك في تقوية الهوية الوطنية.

الهوية الوطنية تعتبر قاعدة تأسيسية لبناء فكرة الدولة المعاصرة من حيث مساهمتها في تكوين المجتمعات المحلية ومن ثم تصنيع الشكل الخارجي للدولة إزاء الدول الأخرى على المستويين الإقليمي والدولي.

إن الهوية الوطنية تشكل الدستور غير المكتوب للدولة، فهي كائن حي يعيش ويكبر ويتطور في نفوس أبناء الوطن ويطبقون مبادئها ويحافظون عليها انطلاقاً من كونها الجزء الأهم في التكوين المعرفي والوجداني والنفسي للأفراد وكلما زاد الاهتمام بهذا الجزء فإن هذا الكائن الحي ينمو ويتطور وكلما تم إهماله كن مصيره الضعف.

الهوية الوطنية ليست هوية ثابتة بمرور الزمن فهي تتغير مع تغيّر التكوينات الاجتماعية ومدى قدرتها على مراكمة المشتركات الموحدة، وبالتالي تخلق الإحساس بانتماء مشترك واحد لكل التكوينات المختلفة في الجسم الوطني.

وهنا يمكن القول إن اللغة عامل حاسم، في تكوين الهوية الوطنية وهذا يحدث في بلدان تكون فيها اللغة الفاعلة والمميزة للهوية هي لغة المكون الأكبر كما في سوريا، ففيها يشكل العرب بكل دياناتهم وطوائفهم العنصر القومي الأكبر إلا أن ذلك لا يعني إلغاء لغات أخرى في البلاد، وإنما منحها المساحة اللازمة للتعبير عن ثقافة هذا المكون أو ذاك، فهناك مكون كردي سوري وآخر آشوري سوري وأرمني سوري… إلخ، هذه المكونات يجب أن يحفظ لها العقد الاجتماعي حقها في انتاج ثقافتها التي سترفد بدون شك الثقافة الوطنية السورية الشاملة.

إلا أن البشر بطبيعتهم يجمعهم العامل الاقتصادي، فالهدف الأسمى للنمو الاقتصادي هو الحفاظ على الهوية الوطنية للدولة وترسيخ مقولة أن كل فرد لديه من الطاقات والجهود التي تجعله ناجحاً في حياته لو أفسح له في المجال، والاستفادة من الفرص المتاحة بشكل عادل ومتساو على مبدأ تساوي الناس في الفرص المتاحة بشكل عادل يجمع في نفوسهم الوحدة الوطنية ضمن مجتمع واحد ذي هوية واحدة.

لكن العامل السياسي هو العامل الأهم، لأنه يعبّر عن طبيعة العقد الاجتماعي القائم، فليس هناك عقد اجتماعي حقيقي اجتمعت المكونات السورية المختلفة بتكوينها الفكري والاقتصادي والاجتماعي وأقرته، بل كان ذلك العقد الاجتماعي عقداً فرضته القوّة العسكرية والدولة الأمنية بما يحقق لها دوام هيمنتها على السلطة والاقتصاد الوطني دون اهتمام بالمكونات الوطنية.

إذاً يمكننا القول إن الهوية الوطنية لا يمكن أن تتكون وتترسخ في ظلّ نظام لا يعترف بحقوق المكونات الوطنية، بل هو بنية فوقية منعزلة عن مصالح المكونات الوطنية.

لهذا لا يمكن الحديث عن هوية سورية جامعة في ظل ما فعلته السلطة من شرذمة للفئات والمكونات والقوى السياسية، على طريقة خلق صراعات جانبية لقوى ما قبل وطنية (القبلية والعشائرية والطائفية والدينية والمناطقية)، فحين تسود هذه القيم ما قبل الوطنية ستتراجع الهوية الوطنية وتتلاشى، وهذا لا يخدم تنمية البلاد ووحدتها وحريات مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل يحيلها إلى قوى تتنافس على تدمير أي إمكانية لنمو الوطنية السورية الواحدة، التي تجتمع في مربع تفاهماتها ومصالحها المشتركة بوطن واحد.

المصدر: نينار برس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى