يعد تشكيل ائتلاف «إدارة الدولة» الخطوة الأبرز التي سبقت إعلان تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة توافقية جديدة، أي وفق استمرار نهج تشكيل الحكومات العراقية منذ 2005 وحتى الآن، حيث الآلية المتبعة في تقاسم الوزارات والمناصب بين الكتل السياسية مع غياب واضح لدور المعارضة البرلمانية الحقيقية، وبالتالي فإن كل الفرقاء السياسيين تقريبا سيشاركون في حكومة محاصصة سياسية كما جرى في الحكومات السابقة، وسيبقى الكل يشتم المحاصصة وما أفرزته من تخادم وصفقات فساد وتحول الإدارات الحكومية إلى اقطاعيات للأحزاب السياسية، التي نهبت المال العام وحولته إلى لجانها الاقتصادية لتستمر عجلة الخراب دائرة في العراق.
من الرابح ومن الخاسر؟
بعد أن فاز الصدريون بالانتخابات البرلمانية وكانت كتلتهم الأكبر حسب نتائج انتخابات تشرين الأول/اكتوبر2021 سحب مقتدى الصدر نواب كتلته من البرلمان لإحراج الفرقاء السياسيين والدفع نحو انسداد سياسي لا مخرج منه، لكن قوى الإطار التنسيقي سارعت لملء الفراغ البرلماني الحاصل عن استقالة الصدريين بنواب كتلهم الخاسرة في الانتخابات، ليشكلوا الكتلة الأكبر، وليخوضوا جولات مفاوضات مع الفرقاء الكرد والسنة لتشكيل حكومة توافقية جديدة يرأسها محمد شياع السوداني. وكان عصا الرحى في جولات الحراك الأخير نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، الذي حلم بالحصول على ولاية جديدة، لكن فضيحة التسريبات الأخيرة قضت على هذا الحلم، فكان ترشيح السوداني بمثابة بديل جاهز سيمكن المالكي من إدارة الأمور من وراء ستارة السوداني، كما يرى منتقدوه.
يبدو ان المالكي سعى للتقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان حليفاً سابقاً للصدر، وهنا لعب مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورقته السياسية بحذاقة، واستثمر الأزمة الخانقة التي مرت بها العملية السياسية ليفرض شروطه على الإطار التنسيقي مقابل إخراج الوضع من حالة الانسداد السياسي التي استمرت طوال سنة كاملة. فطالب بكركوك، والتصويت على قانون النفط والغاز خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر، وزيادة حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، وخروج ميليشيات الحشد الشعبي من المناطق المتنازع عليها في سهل نينوى ومحافظتي ديالى وصلاح الدين، وبالتالي ستعود قوات البشمركة للسيطرة عليها، ووفقا لتصريحات قيادات كردية فإن كل تلك الشروط تمت موافقة قوى الإطار التنسيقي عليها.
اما تحالف السيادة، وهو أكبر تحالف سني الذي تكون من حليفي الصدر السابقين محمد الحلبوسي رئيس تحالف تقدم، وخميس الخنجر رئيس تحالف عزم، الذي أصبح رئيسه لاحقا مثنى السامرائي، فكانت لهم أيضا جولة تفاوض مع الإطار التنسيقي، بعد أن قدم الحلبوسي استقالته من رئاسة البرلمان، لكن تمت إعادته للرئاسة بدعم قوى الإطار التنسيقي، وتم التفاهم على حصص تحالف السيادة من المناصب والوزارات في حكومة السوداني، بالإضافة إلى وعود بسحب ميليشيات الحشد المسيطرة على المناطق الاستراتيجية في المحافظات السنية.
وأشارت بعض التسريبات إلى إن الكابينة الوزارية لحكومة السوداني، ستتكون من 22 – 24 وزارة، حصة السنة منها ست وزارات هي: الدفاع، والتخطيط، والتربية، والصناعة، والتجارة، والثقافة. وستكون حصة تحالف السيادة برئاسة محمد الحلبوسي أربع وزارات، وحصة تحالف عزم برئاسة مثنى السامرائي وزارتين. بينما ستكون حصة الأكراد أربع وزارات، ستذهب ثلاث منها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وهي: الخارجية، والعدل، والإسكان والإعمار، وواحدة للاتحاد الوطني هي وزارة البيئة، أما وزارة الهجرة والمهجرين فستذهب إلى المسيحيين.
قوى الإطار التنسيقي بدورها شهدت تنافساً داخلياً على تقاسم الوزارات وصل حد الخصومة والتهديد بين القوى المنضوية تحت مظلة هذا التحالف الهش، لكن التسريبات الأولية عن تقاسم الوزرات الشيعية رسمت خريطة لتوزيع وزارات الإطار التنسيقي الذي سيحصل على 12 وزارة، وسيتم توزيعها كالاتي: دولة القانون ستحصل على ثلاث وزارات هي: النفط، والتعليم العالي، والزراعة. وتحالف الفتح سيحصل على خمس وزارات هي: الداخلية، والكهرباء، والاتصالات، والنقل، والعمل والشؤون الاجتماعية وسيتم توزيع الوزارات بين القوى المنضوية في ائتلاف الفتح وهي: عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، ومنظمة بدر. أما تحالف المستقلين ضمن قوى الإطار فستكون حصتهم وزارتين هي: الشباب والرياضة، والموارد المائية.
كما أفادت بعض التسريبات أن هناك اتفاقاً مبدئياً داخل الإطار التنسيقي على أن تبقى مناصب التيار الصدري في موقعها، وأن يبقى منصب الأمين العام لمجلس الوزراء لحميد الغزي وكذلك وزارة الصحة تبقى بالوكالة بإدارة الوكيل هاني العقابي. وأن الكتل السياسية ستقدم ثلاثة مرشحين لكل حقيبة وزارية، ليختار منها الرئيس المكلف محمد شياع السوداني أحد الأسماء لمنصب الوزير.
من الخريطة أعلاه يبدو جليا إن أكبر الخاسرين اليوم هو التيار الصدري الذي أقصي عن المناصب بعد أن كان يمتلك الكتلة النيابية الأكبر ومن حقه تشكيل الحكومة. أما أكبر الرابحين فهم قوى وأحزاب الإطار التنسيقي التي بينت نتائج الانتخابات الأخيرة تراجعا حادا في أدائها السياسي، ورفضا واضحا من الشارع العراقي لرموزها. لكنها استطاعت أن تصمد بوجه تحدي التيار الصدري، وكسبت جولة تشكيل الحكومة بالرغم من التنازلات الكبيرة التي قدمتها لغرامئها من السنة والكرد.
تحديات محلية وإقليمية ودولية
يحاول البعض أن يلف ويدور ويناور على حقائق باتت واضحة كالشمس في العملية السياسية العراقية، ويقدم بعض المحللين معلومات متفائلة بخصوص حكومة محمد شياع السوداني لاعتبارات واهية، مثل كونه ليس من قيادات حزب الدعوة، وأنه من عراقيي الداخل وليس ممن قدموا من الخارج، وهو لا يحمل سوى الجنسية العراقية وليس مثل سابقيه في رئاسة الحكومات السابقة من مزدوجي الجنسية، وإنه ابن الطبقة الكادحة وبالتالي سيعمل لخدمتها.
من يقول هذا الرأي، يتناسى أو يغمض عينه عن كون محمد شياع السوداني ابن هذه العملية السياسية منذ يومها الأول عندما عينه الإسلاميون عام 2003 قائممقام العمارة ثمنا لنضال عائلته في حزب الدعوة الإسلامية، وتدرج بعدها ليصبح محافظ ميسان، ثم وزيرا لوزارة حقوق الإنسان عام 2010 في حكومة المالكي، ثم نائبا في البرلمان عام 2014 عن كتلة «دولة القانون» التي يرأسها نوري المالكي، قبل الإعلان عن انسحابه من الحزب في العام 2016 وتأسيسه حركة «تيار الفراتين». كما أنه لم يتسن له الترشح هذه المرة لرئاسة الحكومة إلا بدعم المالكي وأحزاب الخراب التي سيطرت على ساحة الفعل السياسي العراقي منذ عقدين.
إن التحديات التي ستواجه حكومة السوداني هي ذات التحديات التي واجهت الحكومات السابقة، فهل يستطيع السوداني أن يقدم خدمات الكهرباء والماء والصحة والنقل أفضل من سابقيه؟ وهل يستطيع إنقاذ الاقتصاد المتهاوي المرتبط بسعر النفط والذي سينهار مع أول هزة في أسعار البترول العالمية؟ وهل يستطيع السوداني محاربة الفساد، وتايكوناته تحيطه إحاطة السوار بالمعصم؟ وهل سيضبط الأمن ويسيطر على السلاح المنفلت؟ بالتأكيد هذه التحديات كبيرة، كما أن جماهير التيار الصدر ستكون واقفة له ولحكومته بالمرصاد، ومن المتوقع أن ينزل الصدريون عاجلا أم آجلا للشارع في تظاهرات واعتصامات ستشل عمل الحكومة، وربما تطيحها كما أطاحت جماهير تشرين حكومة عادل عبد المهدي قبل سنتين.
أما التحديات الإقليمية التي ستواجه حكومة السوداني، فما نزال نعاني من نفس الدوامة، ولطالما سيطر الولائيون على مفاصل حكومة السوداني، فإن التأثير الإيراني، وإنعكاس الأوراق التي تلعبها إيران إقليميا ستكون عامل توتر إقليمي بالنسبة لحكومة السوداني، ومع كل الترحيب «الدبلوماسي» الذي أعلنته دول المنطقة، بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص بخروج العراق من حالة الانسداد السياسي، إلا ان التوتر الإيراني الخليجي سيكون له الكلمة الفصل في وجهات التوترات الإقليمية وانعكاسها على العراق.
أما أمريكيا فيبدو إن الإطار التنسيقي حاول أن يلعب ورقة ما لكسب نقاط في هذه العلاقة، فقد كتب الإعلامي رافد جبوري موضحا هذه النقطة بقوله «إن تركيز الولايات المتحدة الأكبر، في مجال الأمن القومي في هذه المرحلة، هو على روسيا وحرب أوكرانيا». وجاء قرار أوبك بلس الأخير بخفض إنتاج البترول وكأنه ضربة للولايات المتحدة واصطفافا مع روسيا، ويقول جبوري في تحليله: «في تلك الظروف المزعجة بالنسبة لصانع القرار الأمريكي تقدم محمد شياع السوداني للحديث للصحيفة الأمريكية الكبرى (وول ستريت جورنال) قائلا إن العراق لن يتمكن من الالتزام بقرار أوبك بخفض الإنتاج وسيستمر برفع إنتاج النفط». وبما أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك بعد السعودية، يأتي تصريح السوداني غريبا إذ أن العراق كان حاضراً في اجتماع أوبك ووافق على القرار الذي يفرض عليه خفض 220 ألف برميل يوميا مما يصدر من إنتاجه. لكن من الواضح أن ذلك التصريح لعب دورا في إزالة أي عقبة أمام موافقة إدارة بايدن على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة برئاسة السوداني بالرغم من قرب قوى الإطار التنسيقي من طهران. فالولايات المتحدة تركز الآن على قضية الحرب الأوكرانية كأولوية كبرى. فهل يستطيع السوداني أن يطور هذا النجاح في علاقته مع الولايات المتحدة؟ أم سيفرض عليه شركاؤه في «محور المقاومة» أجندات محرجة لن يستطيع الوقوف بوجهها؟ هذا ما ستثبته الأيام المقبلة.
المصدر: القدس العربي