“الترسيم” ليس حدوداً: صعود الحزب ونهاية النظام وسقوط السنّة

منير الربيع

هل يكرّس ترسيم الحدود البحرية واقعاً سياسياً جديداً في لبنان برعاية دولية؟ لا بد من طرح السؤال، لخوض نقاش وفق مسار أبعد من التفاصيل التقنية للاتفاق، وحتى أبعد من تداعياته السياسية.

من حيث المضمون، فإن الاتفاق أدخل لبنان في مجال مواكبة التطبيع الذي تسير باتجاهه المنطقة، لكن بشكل غير علني وعلى وقع أصوات ممانعة. يضمن الاتفاق أمن إسرائيل واستقرارها، فيما يضمن دور حزب الله وسلاحه راهناً ومستقبلاً، طالما أنه لن يكون سلاحاً كاسراً للتوازن. حتماً هناك أثمان تحتاج إلى وقت لتبيانها. وهل يكون ثمن تفعيل الهدنة وتوفير الاستقرار غض النظر الدولي عن القرار 1559 ومندرجاته؟ هذا سؤال مطروح على المستوى الاستراتيجي ومستوى التعاطي الدولي مع لبنان، خصوصاً أنه لا يمكن إبعاد إيران عن مسارات الترسيم.

حدود إسرئيل وحدود سوريا

يصوّر حزب الله ترسيم الحدود بأنه أحد انتصاراته وبفضل سلاحه. وهذا يعني أن الحزب هو من يريد قطف الثمار. طوال 11 سنة كان الحزب هو من يؤخر هذا الاتفاق. ذهب لبنان إليه بفعل أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة، وانهيار مالي، أصيب به جميع اللبنانيين، فيما الحزب كان وحيداً يعلن صموده وقدرته على توزيع المساعدات. فحصّن بيئته من الناحية المعنوية، بنتيجة إشباع الذات في “المواقف البطولية”، فيما هو ممسك بأكثر منطقتين استراتيجيتين في لبنان، الحدود مع اسرائيل والحدود مع سوريا. وبالتالي، أي تسوية في لبنان أو المنطقة لا بد أن تمر عبره. كان الحزب قد أمسك بهذا الملف بالتعاون مع الرئيس نبيه برّي. وحتى بعد إحالته إلى رئيس الجمهورية، بقي الحزب مسيطراً ومقرراً. في فترات سابقة، حاول رؤساء الحكومة المتعاقبين استعادة الملف والتفاوض بشأنه ولكن جوبهوا بالممانعة. يعطي ذلك مؤشراً على ضعف الأداء أو التأثير السياسي السنّي في المعادلات الاستراتيجية والوطنية. وهذه مسألة لا بد من الخوض في نقاشات عديدة حولها.

انتهاء فعالية النظام

النقاش المفتوح بشكل دائم لبنانياً حول الوضع السياسي للسنّة، هو بفعل الوضع الحالي القائم في بنية النظام اللبناني. وهو ما يدفع إلى تساؤلات عديدة. ففي ظل انهيار تام لمؤسسات الدولة، وعلى وقع الأزمة الاقتصادية الكبرى وانعدام الخيارات الأساسية اقتصادياً، أي كلام عن عدم وجود تأثير للسنّة في النظام ينطوي على تصغير حجم الأزمة، إذا أردنا المباشرة بورشة إصلاح كبيرة جداً. لأنها أزمة نظام وانتهاء فعالية وصلاحية هذا النظام، الذي بني على الزبائنية السياسية وتوزيع المساعدات والأموال على طبقات اجتماعية مختلفة.

فالأزمة أجبرت لبنان على الانتقال من نظام مالي واقتصادي منظم ورسمي، إلى اقتصاد السوق السوداء.

ينعدم لدى السنّة في هذه المرحلة أي مؤسسات اجتماعية وتربوية وصحية، قادرة على تأمين المساعدات للجمهور السنّي، كما هو الحال بالنسبة إلى البيئات الأخرى. وبالتالي، فإن شبكة الحماية الاجتماعية التي توفرها الطوائف الأخرى لبيئتها منعدمة لدى السنّة، وذلك لأسباب عديدة، أولها غياب المرجعية السياسية، وثانيها غياب قدرات المرجعية الدينية، أما ثالثها فهو غياب الاهتمام العربي أو الخليجي في هذا الشأن.

الضعف الاقتصادي

السنّة، اقتصادياً، يتمثلون في لبنان بمؤسسات استثمارية وتجارية صغيرة ومتوسطة الحجم في غالبيتها، ومبنية على التجارة التي تعتمد على تسهيلات مصرفية. حالياً، تعاني هذه المؤسسات بسبب عدم وجود قطاع مصرفي، ثم بسبب هيمنة الاقتصاد الموازي أو ما يسمى بالسوق السوداء نتيجة التحول الكبير الذي طال بنية الاقتصاد اللبناني. وهذه السوق تعتمد بشكل أساسي على الأمور النقدية، ما أدى إلى إضعاف المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي يمتلكها تجار الطائفة السنية.

هذا الضعف في الدور الاقتصادي، نتيجة التغير البنيوي في النظام الاقتصادي، بالإضافة إلى ترك السنّة لمصيرهم، وغياب أي نوع من أنواع الخدمات، يعطي صورة عن عدم فعالية السنّة في النظام وفي السياسة. وهذا صحيح ظاهرياً وضمنياً، إلا أن أحد أهم مسبباته انعدام القدرة على تقديم الخدمات التي تبقي البيئة في حالة حمائية، وقادرة على التفكير في السياسة والشأن العام، بدلاً من التفرغ للبحث عن قوت العيش.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى