عملية ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان سابقة في هذا البلد. وكان الرئيس اللبناني ميشال عون أعلن، الأربعاء الماضي (12 أكتوبر/ تشرين الأول)، أن خطة الترحيل سوف تبدأ نهاية الأسبوع الجاري. ووفقاً لخطة الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، سيُرحّل 15 ألف شخص شهريا، وذلك من جملة أكثر من مليون لاجئ، بينهم زهاء 400 ألف عامل، و880 ألفاً مسجّلين في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وقياسا إلى عدد السكان، يعدّ حجم اللجوء السوري إلى هذا البلد الأكبر. وقد أفادت تقارير إعلامية بأن تنفيذ الخطة سوف يجرى بمعزل عن هذه المفوضية الأممية التي ترعى أوضاع اللاجئين في العالم. ويلقى هذا القرار قبولاً عاما من القوى السياسية والاجتماعية، مع استثناءات قليلة تمثلها منظمات مجتمع مدني وجمعيات خيرية ومنابر إعلامية. ويعكس هذا القبول لقرار الترحيل الجماعي مدى عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد، إضافة إلى الحساسية الطائفية، وذلك لكون معظم اللاجئين السوريين في لبنان مسلمين ينتمون إلى الأكثرية السنية.
ولطالما ارتفعت أصوات ساسة لبنانيين، وبالذات من التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، ضد وجود اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، ولم تلبث قوى سياسية واجتماعية أخرى أن انضمّت إلى الأصوات الداعية إلى ترحيل هؤلاء إلى موطنهم، وهو ما حفّز السلطات على المضي في هذه الخطة التي تلقى اعتراضا من الهيئات والمنظمات الحقوقية، كما لم تؤيد أية دولة هذه الخطة غير المسبوقة، وإن وضعت دول أخرى سدودا وحواجز أمام تدفق اللاجئين الهاربين من ويلات الصراع في بلادهم، والذين فقدوا ممتلكاتهم ومصادر رزقهم، كما هو حال اليونان ودول أوروبية أخرى.
وفي واقع الحال، سارع لبنان إلى اعتبار وجود هؤلاء اللاجئين مرفوضاً، وبذل جهداً أقلّ في دعوة المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في التعامل مع مسألة اللجوء، وما ترتبه من أعباء. وكان هذا وما زال حقّا للبنان، غير أن هذا البلد اختار منذ البداية خيار الترحيل ورفض إطلاق تسمية اللاجئين على اللائذين بأرضه، وجرى تصنيفهم نازحين، بل جرى التعامل معهم كمقيمين بصورة غير مشروعة أو متسللين. وفي المجمل، تعامل لبنان مع مأساة هؤلاء على أنها من قبيل الهجرة غير الشرعية. وأكثر من ذلك، بدا لبنان الرسمي في العهد الحالي وكأنه فوجئ بمسألة اللجوء إليه، وكأن لبنان لا يجاور سورية، أو أن الأوضاع في موطن اللاجئين على ما يُرام. ومع ذلك، نأت المفوضية السامية للاجئين عن الاعتبارات السياسية، وتعاملت معهم بصفة اللجوء.
لا يُماري أحد في سوء الوضع الاقتصادي اللبناني، الذي تدهور في السنوات القليلة الماضية، ولامس حدود الكارثة إن لم يتجاوز هذه الحدود، غير أن آراء اللبنانيين ومواقف الدول المعنية بالوضع اللبناني، مثل فرنسا، ذهبت وتذهب إلى أن أسباب الأزمة داخلية، وتتعلق بالأداء الحكومي وسوء التصرّف بالمال العام، والمحاصصة بين زعماء الطوائف، وقلة قليلة فقط هي التي قالت إن لجوء سوريين إلى لبنان هو سبب الأزمة المستعصية، غير أن سوء الوضع والضيق الذي يكابده اللبنانيون يجعلان كثرةً منهم لا يعبأون بترحيل لاجئين يقبعون تحت الخيام، ويعتاشون على إعانات خارجية من الأمم المتحدة ومن دول قليلة، إضافة إلى تحويلات أبنائهم وذويهم في الخارج، وما يجنيه بعض اللاجئين من عملهم في بعض القطاعات الخدمية، رغم منع تشغيلهم، إلا أن الحاجة وخطر الفاقة يدفعهم إلى العمل، كما أن بعض أرباب العمل لا يمانعون تشغيل نسبة ضئيلة من هؤلاء، وبأجور أدنى من التي يحصل عليها اللبنانيون الملتحقون بأعمال مشابهة.
وإذ تستند السلطات اللبنانية، في خطتها هذه، إلى عدم توقيعها على اتفاقية اللجوء الدولية لسنة 1951، إلا أن وجود لبنان في الأمم المتحدة وفي هيئاتها ووكالاتها، يلزم هذا البلد باحترام ميثاق المنظمة الدولية وشرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات المتعلقة بنتائج الصراعات والحروب. علما أن لبنان، ورغم سعي بعض القيادات فيه، مثل الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، إلى النأي بالنفس عن الصراع في سورية، إلا أن طرفا لبنانيا، وهو حزب الله، قد انغمس، وما زال، في ذلك الصراع بصورة مباشرة، وعلى هيئة تدخّل مسلح، وهو ما أدّى إلى موجات لجوء السوريين، بما في ذلك إلى لبنان. وبينما ما زالت قوات من ذلك الحزب تنتشر على الأراضي السورية، فإنه يُطلب من اللاجئين فقط العودة إلى بلادهم، رغم تحذيرات المنظمات الحقوقية من نتائج تلك العودة القسرية، ومن غير أن تطلب الحكومة اللبنانية من حزب الله سحب عناصره وإعادتهم الى لبنان.
وبينما يسعى لبنان، في هذه الآونة، إلى استجلاب دعم دولي لإنقاذه من الكارثة الاقتصادية التي تحيق به، وله ملء الحق في ذلك، لكون المتضرّرين هم من سواد اللبنانيين، فإن ذلك يقضي بأن يحافظ على صورته بلدا يراعي المفاهيم والالتزامات الأساسية للقانون الإنساني الدولي. وله خلال ذلك أن يطلب ويواصل الطلب بتغطية النفقات التي تترتب عليه بإيواء اللاجئين السوريين على أراضيه. وهؤلاء قذفت بهم كارثة بلادهم إلى البلد المجاور وإلى بلدان مجاورة وأخرى بعيدة. ولم ينزحوا بإرادتهم. ويقيناً، فإن شيئا في لبنان على صعيد أزماته المستفحلة والمتراكبة لن يتغيّر، ولن يتحسّن بمجرد دفع اللاجئين المنكوبين وراء الحدود، غير أن صورة هذا البلد سوف تتأثر سلباً إلى حد بعيد، وسوف يبدو بلدا طاردا للاجئين، بعد سنوات من التضييق الشديد عليهم، بما في ذلك إحراق تجمّعات خيامهم غير مرّة، وشن الحملات المريرة عليهم، وحرمانهم من التمتع بأية فسحةٍ من الأمان الشخصي والغذائي والدوائي، علاوة على ما لذلك من انعكاسات على الروابط مع شرائح عريضة من المجتمع السوري، وهو أقرب المجتمعات إلى لبنان وشعبه.
المصدر: العربي الجديد