على مدى نحو 8 أيام، امتلأت الشوارع في عشرات المدن الإيرانية بالمتظاهرين، خاصة من فئة الشباب، الذين يرددوا شعارات ضد النظام والمؤسسة التي تحكم البلاد منذ عقود.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يحتج فيها الشعب الإيراني على سلطته الحاكمة، وقد تنتهي الاحتجاجات إلى سيطرة النظام عليها مثلما حدث من قبل، إلا أن ثمة ما يميز الاحتجاجات هذه المرة، وفق نيويورك تايمز ومحللين تحدث معهم موقع الحرة.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أنه وسط “تزايد القمع والاقتصاد المريض والمستقبل القاتم”، كان موت شابة هو كل ما يتطلبه الأمر للاحتجاج.
وتقول إن الاحتجاجات الحالية هي التعبير الأقوى لمشاعر الغضب من النظام الحاكم منذ أكثر من عقد.
وردد المتظاهرون الإيرانيون في عشرات المدن هتافات “المرأة والحياة والحرية” و “الموت للديكتاتور”، وأعلنوا رفضهم الحكم الديني “باستهداف أحد رموز الجمهورية الإسلامية الأساسية والمثيرة للانقسام، المرشد الأعلى المريض، علي خامنئي”.
امتدت الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران إلى أكثر من 15 مدينة جديدة يوم الجمعة ليرتفع عدد المدن التي تشهد مظاهرات غاضبة على وفاة مهسا أميني لأكثر من 80 مدينة في أنحاء البلاد، على الرغم من تصعيد السلطات لحملة القمع التي قتل فيها عشرات الأشخاص واعتقل نشطاء وصحفيين بارزين.
ويقول شهود عيان إن المظاهرات، التي امتدت إلى حوالي 80 مدينة على الأقل، هي “الأكثر قوة وخطورة وجرأة وأكثر حدة بكثير من الاضطرابات السابقة”.
وتظهر مقاطع تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي المتظاهرين يضرمون النيران في مركبات الأمن وعلى أفرادها.
وتم تداول العديد من المقاطع لنساء يمزقن الحجاب حتى في المدن الدينية، مثل قم ومشهد، بل ورقصت شابات دون أغطية الرأس أمام شرطة مكافحة الشغب.
وفاة أميني أثارت غضبا في أنحاء إيران بشأن قضايا من بينها تقييد الحريات الشخصية
وقتل 41 شخصا، على الأقل، واعتقل المئات خلال الاحتجاجات الجارية على وفاة الشابة، مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى الشرطة، وفق حصيلة جديدة أعلنتها وسائل إعلام رسمية.
وتنفي السلطات ضلوعها في وفاة أميني ونددت بالمتظاهرين الذين ينزلون إلى الشارع كل مساء منذ 16 سبتمبر للتعبير عن غضبهم، وتصفهم بأنهم “مثيرو شغب” و”معادون للثورة”.
وتوفيت الشابة الكردية بعدما بقيت 3 أيام في غيبوبة إثر توقيفها في العاصمة، طهران، بزعم أن “لباسها غير محتشم”.
وتقول نيويورك تايمز إن الاحتجاجات السابقة، سواء ضد الانتخابات المزورة في عام 2009، وسوء الإدارة الاقتصادية في عام 2017، وارتفاع أسعار الوقود في عام 2019، قمعتها قوات الأمن الإيرانية “بلا رحمة”، وهذه المرة قد لا تكون مختلفة.
ومع ذلك، فإنه للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية، “وحدت الانتفاضة الحالية الإيرانيين الأغنياء الذين يعيشون في شقق شاهقة في شمال طهران، وأبناء الطبقة العاملة والأكراد والتراك والأقليات العرقية الأخرى”.
علي نوري زاده، مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن، قال لموقع الحرة إن التظاهرات السابقة منذ عام 2009 وما تلاها كانت “مطلبية”، في حين أن التظاهرات هذه المرة “مدنية سياسية، ضد نظام ولاية الفقيه، وضد ابن ولي الفقيه، مصطفى خامنئي، الذي يسعى لوراثة كرسي والده”.
ويقول إنه يصعب على النظام التفريق بين المتظاهرين الذين خرجوا من فئات مختلفة، كما أن العديد من رجال الأمن والحرس الثوري، هربوا وبعضهم التحم بالمتظاهرين.
وفي الوقت الحالي، يشعر النظام “بالخوف من أنه إذا مارس قمعا أكثر، سيضر بنفسه أكثر، فهو أمام أزمة حقيقية، لأنه لا يواجه فقط مطالب الشعب، ولكن أيضا تغير مواقف العديد ممن هم داخل حلقة الحكم الذين باتوا يعارضون سياسة خامنئي”.
“ليس لديهم ما يخسرونه”
وتقول نيويورك تايمز إن “التنوع الهائل للمتظاهرين يعكس اتساع نطاق مظالم الإيرانيين، من اقتصاد مريض وفساد إلى القمع السياسي والقيود الاجتماعية”.
وقال شادي صدر، محامي حقوق الإنسان البارز للصحيفة: “الغضب لم يقتصر على موت أميني، لكن لم يكن من المفترض أن يتم القبض عليها في المقام الأول”.
وأضاف: “لأنهم ليس لديهم ما يخسرونه فهم (الشعب الإيراني) يقفون ويقولون: كفى. أنا على استعداد للموت لكي أحظى بحياة تستحق أن أعيشها”.
وتقول الصحيفة إنه قد اتضح العام الماضي مدى تقلص الحريات السياسية للإيرانيين، عندما استبعدت قيادة البلاد جميع المرشحين تقريبا للانتخابات الرئاسية، باستثناء المرشح المفضل (إبراهيم رئيسي) للمرشد الأعلى.
وبذلك تمت “إهانة ما كان في السابق منتدى للإيرانيين لمناقشة القضايا السياسية واختيار ممثليهم، حتى لو كان المرشحون دائما مختارين مسبقا من داخل الجهاز الحاكم”.
ويعارض رئيسي العودة إلى الاتفاق النووي، الذي وضع قيودا على تطوير إيران برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات والانفتاح الاقتصادي.
وبسبب انتخابه، إلى جانب الاقتصاد المتدهور، شعر الإيرانيون الذين يتوقون إلى فرص أفضل والمزيد من الحريات الاجتماعية وعلاقات أوثق مع بقية العالم بحالة من “اليأس”.
وقال علي فايز، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية للصحيفة: “السبب الذي يجعل جيل الشباب يخوضون هذا النوع من المخاطرة أنهم يشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه، وليس لديهم أمل في المستقبل”.
“برميل بارود”
وأضاف أنه من خلال استمرار عرقلة الإصلاحات، خلقت قيادة الدولة “وضعا لم يعد يعتقد فيه الناس أن النظام قابل للإصلاح. أعتقد أن الناس كان من الممكن أن يقبلوا بتحمل نسخة أكثر اعتدالا من الجمهورية الإسلامية، لكنهم رسخوا للتو مواقفهم وخلقوا هذا الوضع. لقد تحولت إيران إلى برميل بارود”.
حسن منيمنة، مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، قال لموقع الحرة إن المسألة تتعلق بالقمع المستمر والكبح لطموح الشباب الإيراني مما أدى إلى الحادثة التي سببت هذا الانفجار.
ويقول إن الشباب الإيراني، الذي يعاني من القمع، رأى بلاده التي يفترض أنها ثرية، بهذا الشكل المتردي مما جعله يعتقد أن النظام قد “فشل”، وعبر عن كبته بهذه الطريقة غير المنظمة.
ويرى أن الاحتجاجات “أكبر من كونها انتفاضة” لأنها تعبير عن حالة مستمرة لم يتمكن النظام من السيطرة عليها على مدار الأعوام الماضية “ونشهد بشكل مستمر العودة” إليها، وهذا التعبير العنيف.
ويقول إن “الاحتجاجات خرجت بشكل غير منظم ولا توجد حركة مقاومة، فقط شباب يعبر عن حقه في التمتع بالحريات السياسية والاقتصادية والقدرة على التحرك في مجتمعه دون قيود”.
ويقول المحلل السياسي: “نحن أمام ردة فعل طبيعية التعبير عنها يأتي عادة في صورة ترديد شعارات مثل “الموت للمرشد. الموت للطاغية”.
ويعدد علي نوري زاده أسباب خروج الشباب الإيراني بهذا الشكل، من أهمها البطالة، فالشاب الذي يدرس أربع وخمس سنوات في الجامعة يغادرها، ولا يجد مستقبلا أمامه.
والشباب أيضا يشعر بالامتعاض من الفساد، ومن مظاهره حصول أقارب المسؤولين على الثراء الفاحش في حين يعاني معظم الناس.
كما أن هناك غضبا من تدخل النظام في شؤون الدول الأخرى، ويتساءل: “لماذا يدفع خامنئي ثمن مغامرات حسن نصرالله؟ لماذا يدفع من أجل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الحشد الشعبي” والحوثيين مئات الملايين من الدولارات من أموال الشعب؟
كما أن غطاء الرأس هو قضية أيضا مثيرة للجدل في إيران بشكل خاص، وفق الصحيفة والمحلل الإيراني نورى زاده المقيم في لندن.
ويتوجب على النساء في إيران تغطية شعرهن وجسمهن بلباس يتجاوز الركبتين في الفضاء العام، وعدم ارتداء السراويل الضيقة أو الجينز الممزق، من بين أزياء أخرى. وأظهرت صور انتشرت على نطاق واسع إيرانيات يشعلن النيران في حجابهن خلال الاحتجاجات.
ويقول نوري زاده إن مسألة الحجاب الإجباري كانت أحد أسباب خروج الشباب، الذين يشعرون بالغضب من تدخل النظام في الحياة الخاصة، فالشاب الذي يجلس مع صديقته، يكون عرضة إلى تعرض شرطة الأخلاق لهما بضربه واعتقال الفتاة.
وتقول الصحيفة الأميركية إنه أثناء فترة رئاسة الإصلاحي، حسن روحاني، تراخت “شرطة الأخلاق” في كثير من الأحيان في تطبيق القوانين الصارمة ضد النساء، لاسيما في ما يتعلق بلباسها.
وأدى ذلك إلى زيادة ظهور شعر النساء، حتى في المدن المحافظة، وسُمح للرجال والنساء غير المتزوجين بالاختلاط في بعض الأماكن العامة، وانتشرت الموسيقى الغربية المعاصرة في المقاهي ذات الطراز الغربي في منطقة شمال طهران الراقية.
لكن القيادة المحافظة في البلاد، بعد وصولها إلى السلطة، رأت أن هذا الوضع يمثل تهديدا للأسس الدينية للجمهورية.
ودعا رئيسي، في يوليو الماضي، إلى تطبيق قوانين اللباس المحافظ “بالكامل”، وقال إن “أعداء إيران والإسلام” يستهدفون “الأسس والقيم الدينية للمجتمع”.
وخلال الصيف، شددت شرطة الأخلاق تطبيق معايير ارتداء غطاء الرأس، وتم إغلاق 3 مقاهي وسط قم بسبب وجود نساء لا يغطين رؤوسهن.
وفي فيديو انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الإيرانية، في يوليو، ألقت أم بجسدها أمام سيارة تابعة للشرطة بعدما أوقفت ابنتها لانتهاكها قواعد ارتداء غطاء الرأس، وصرخت: “ابنتي مريضة، أتوسل إليكم ألا تأخذوها”.
وكان رد الفعل على وفاة أميني قويا لدرجة أن الإيرانيين المحافظين دينيا تحدثوا بصوت عال إلى جانب الليبراليين على حد سواء.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت النساء اللواتي يرتدين الحجاب باختيارهن حملات ضد التطبيق الصارم للقوانين. وقال زعيم ديني بارز إن شرطة الأخلاق تدفع الشابات بعيدا عن الدين بهذا السلوك الصارم.
وحتى وسائل الإعلام الحكومية اعترفت بهذا الأمر، وبثت ما لا يقل عن ثلاث مناظرات تضمنت أصواتا إصلاحية، وهو أمر نادر الحدوث.
وفي حين أن رئيسي وعد بإجراء تحقيق في وفاة أميني، “كان رد السلطات على الاحتجاجات مماثلا لما حدث في الانتفاضات السابقة: الرصاص والغاز المسيل للدموع والاعتقالات والدماء”، وفق تعبير نيويورك تايمز.
ووجه الرئيس الإيراني، الأحد، سلطات إنفاذ القانون إلى”التعامل بحزم مع المخلين بالأمن العام واستقرار البلاد”، في حين شدد رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي، على “ضرورة التعامل بلا أي تساهل” مع المحرضين على “أعمال الشغب”، وفق فرانس برس.
ويقول المحلل فايز إنه “في مرحلة ما، سيكون من المستحيل على السلطات الحاكمة السيطرة على هذه الحركات، ولكن اعتبارًا من الآن، لابد أن يستخدم النظام قبضته الحديدية ويحاول كبح هذه الحركة في مهدها”.
ويعتقد المحلل نوري زاده أنه “رغم كل ما لدى النظام من وسائل القمع، هناك إرادة شعبية تتجاوز النظام، وهذه بداية سقوط النظام، لأنه لأول مرة يخرج هذا العدد الكبير من المدن المنتفضة”.
لكن منيمنة يرى أن المعركة “غير متوازنة: هناك شباب غير منظم، من جميع الأعمار، في مقابل دولة قمعية تستفيد من كل تجربة قمع لتطوير أساليب القمع والكبت والرد، في حين أن العالم مشغول بأماكن أخرى ولا يتدخل بإصدار المواقف الواضحة التي تؤكد حق الشعب الإيراني في أن يرفع رأسه”.
ويقول إنه سواء استمرت الاحتجاجات لأيام أو أسابيع أو توقفت، لا يبدو أن العالم مستعد لتحقيق بعض التوازن، “مما يجعل من يؤيدون النظام الإيراني، مثل روسيا والصين أكثر قدرة على التعبير عن مواقفهم، في مقابل ما يحصلون عليه من النظام في طهران”.
ورغم ذلك، يرى المحلل الإيراني المقيم في المنفى، نوري زاده، أنه حتى لو نجح النظام في إخماد التظاهرات، ستخرج تظاهرات جديدة وسيظل يطالب بإسقاط النظام.
المصدر: الحرة. نت