انتفاضة الحجاب ودولة الولي الفقيه

صادق الطائي

اندلعت موجة جديدة من الاحتجاجات عمت أكثر من عشرين مدينة إيرانية بضمنها العاصمة طهران، ومدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة، موجة الاحتجاجات الأخيرة اندلعت نتيجة أسباب مختلفة عن سابقاتها من موجات أو انتفاضات الإيرانيين، فاحتجاجات حزيران/يونيو 2009 التي عرفت بالحركة الخضراء انطلقت على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية، وما شابها من شبهات تلاعب وتزوير. واحتجاجات كانون الأول/ديسمبر 2017 كان سببها الغلاء والبطالة، وزيادة الضرائب، وعدم نجاح الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي في تحقق ما تأمله الإيرانيون وتوقعوه من انفراج اقتصادي، حسب وعود حكومة روحاني، وكذلك الاحتجاجات الإيرانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 التي أشعلتها زيادة أسعار البنزين والوقود، التي بدأت في الأحواز وسرعان ما امتدت إلى العديد من المدن الإيرانية.

إذن موجات الاحتجاج الإيرانية السابقة كانت في الغالب يحركها غضب شعبي لأسباب اقتصادية ومطالب خدماتية ومعيشية، وحتى الحركة الخضراء، التي بدت وكأن محركها الأساس مطالب سياسية، إلا إن الحقيقة هي كون المحتجين كانوا يأملون في فوز الإصلاحيين تحقيق إصلاح حكومي اقتصادي وخدماتي في المقام الأول، وتوسيع هامش الحريات بالدرجة الثانية. أما الموجة الحالية فيمكن وصفها بأنها موجة مطالبة بالحريات الشخصية بامتياز، ووضع حد لقوانين الدولة الدينية المفروضة على إيران منذ أكثر من 40 عاما، إذ كان الشعار الرئيس للاحتجاجات الاخيرة وسم (#لا للحجاب الإجباري)، حيث تصدرت المتظاهرات المشهد في إيران بعدما أشعلت بعض النساء النار في أغطية رؤوسهن، خلال مظاهرات ضد فرض الحجاب، كما انتشرت فيديوات لنساء يقمن بقص شعورهن احتجاجا على قمع حرياتهن الشخصية. موت الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في حجز شرطة الإرشاد (الاخلاق) أشعل شرارة موجة الاحتجاج الحالية، ولا يعرف الكثير عن أميني، التي كانت فتاة عادية دخلت لتوها الجامعة، ولم تكن ناشطة أو ذات نشاط سياسي. المعلومات التي وفرتها المواقع الخبرية عن الفتاة أشارت إلى أنها: فتاة كردية – إيرانية، عمرها 22 عاما، ولدت في مدينة سقز شمال غربي إيران. وهناك معلومات تفيد بأنها كانت قد قبلت مؤخرا في جامعة أرومية وكانت على وشك أن تبدأ دراستها. وعن ملابسات حادث احتجازها ووفاتها نشرت خدمة بي بي سي فارسي المعلومات الآتية: في السادسة مساء من يوم الثلاثاء 13 ايلول/سبتمبر الجاري اعتقلت دورية شرطة الإرشاد (الأخلاق) مهسا أميني قرب محطة مترو «الشهيد حقاني» في طهران بحجة عدم التزامها بقواعد الثياب المفروضة على النساء، وكانت برفقة أخيها. وقد اتهم شهود عيان عناصر الدورية بضرب الشابة داخل سيارة شرطة. نقلت مهسا من مركز الاحتجاز التابع لدورية شرطة الإرشاد (الأخلاق) إلى مستشفى قصري في طهران، وفقا لما أفادت به شرطة طهران. بعد ثلاثة أيام ، في يوم الجمعة 16 سبتمبر/أيلول أعلن عن وفاتها، وقد أكدت السلطات الإيرانية وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها، وقالت مصادر رسمية في الشرطة الإيرانية إنها عانت من «قصور مفاجئ في القلب» أثناء انتظارها مع نساء أخريات في المركز حتى يتم «تهذيبها/تثقيفها» بخصوص قواعد الحجاب»، ونفت الشرطة تعرّض مهسا للضرب، ونشرت لقطات من كاميرات المراقبة تظهرها وهي تتحدث مع شرطية، ثم تمشي قليلا لتنهار بعدها على الأرض. وقال حسين رحيمي قائد شرطة طهران الكبرى، في مؤتمر صحافي؛ إنه «لم يكن هناك تقصير من جانب الشرطة وكل التصريحات حول سبب وفاة السيدة أميني محض أكاذيب». كما علق وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي على وفاة الفتاة بقوله: إن «مهسا كان لديها على ما يبدو مشكلات صحية سابقة، وقد أجريت لها عملية جراحية في الدماغ حين كانت في الخامسة من العمر»، لكن رواية عائلتها عن سبب الوفاة كانت مختلفة عن الرواية الرسمية، إذ علق والد الفتاة أمجد أميني على التصريحات الحكومية الرسمية قائلا إن «الفيديو مجتزأ»، وأشار إلى أن ابنته «نُقلت بصورة متأخرة إلى المستشفى». كما نفى كون ابنته كانت تعاني من مشاكل صحية وأكد أنها كانت «بصحة ممتازة». وعلى هامش أزمة وفاة مهسا أميني نشر معارضون إيرانيون على منصات التواصل الاجتماعي صورة لرسالة من رئيس هيئة مدينة بندر عباس الطبية جاء فيها، إن «النزيف من الأذن والكدمات تحت عينيها لا يتفقان مع أعراض نوبة قلبية»، ولم يتسن التحقق من مصداقية الرسالة من جهات محايدة.

سرعان ما أججت منصات التواصل الاجتماعي حركة احتجاجات انتشرت بسرعة كبيرة في وسط الشباب الجامعي، وقد شهدت جامعات العاصمة طهران حركة احتجاج شبابية مناهضة لقمع الحريات الشخصية، إذ «تم تنظيم تجمعات في جامعات طهران، وعلم وصنعت، وشهيد بهشتي». ورفع طلاب جامعة الخوارزمي في كرج، شمالي إيران، شعار: «سنوات من الجرائم.. الموت لولاية الفقيه» و»الموت لخامنئي».وكان للنساء دور واضح في الاحتجاجات، حيث خلعن واحرقن حجابهن في التجمعات الطلابية. وقد نقلت منصات التواصل الاجتماعي صورا وأفلاما عن متظاهرين كانوا يهتفون ضد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي تعرضت صورته وصور رموز النظام إلى التمزيق أو الحرق. وقد شهدت مدن طهران بالإضافة إلى العديد من مدن كردستان إيران مثل باوه، وبانه، ومهاباد، ورشت، وسننداج، حركة احتجاجات متزايدة. كان موضوع الحجاب وطبيعة وشكل الملابس النسائية موضوعا سجاليا، وأثار عددا من الأزمات في تاريخ إيران الحديث والمعاصر، إذ يتذكر الباحثون الخطوة التي أقدم عليها الشاه رضا بهلوي بإصداره قانونا في كانون الثاني/يناير 1936 منع فيه الإيرانيات من ارتداء الحجاب، وقد كانت هذه الخطوة سيرا على ما فعله كمال أتاتورك الذي كان رضا شاه متأثر به، وقد قلد رضا شاه حملة أتاتورك في تركيا العشرينيات في ما عرف حينذاك بحملة التحديث التي فرضها على المجتمع، ومنها التحول من نمط الملابس التقليدية إلى الملابس الأوروبية. وقد واجه رضا بهلوي حملة انتقادات ورفض من المؤسسة الدينية في إيران ومن بعض بنى المجتمع التقليدية التي كانت ترى في خلع حجاب النساء أمرا مخالفا للشرائع الدينية والالتزامات الأخلاقية.

بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، طالب عدد من رجال الدين، وفي مقدمتهم المرشد الاعلى آية الله الخميني بضرورة ارتداء المرأة الإيرانية الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، ويشير الكاتب الإيراني كريم مجيدي في مقال بحث فيه هذه النقطة بقوله: «إن الحجاب الإجباري فرض في إيران عام 1979، إلا أن عملية الفرض تمت على مرحلتين. الأولى كانت في عام الثورة نفسه، عندما فرض على النساء ارتداء الحجاب عند خروجهن إلى الشوارع، وارتداؤه في المؤسسات الحكومية. وقد قوبل هذا القرار بالرفض، ففي يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار/مارس 1979، خرجت آلاف النساء إلى شوارع طهران احتجاجا على القرار، وانضم إليهم رجال من جميع الأعمار ومختلف المجالات من الطلبة والأطباء والمحامين، وأضرب كثيرون في طهران عن العمل احتجاجا على القرار». ويضيف كريمي» أما المرحلة الثانية فكانت في عام 1983، عندما أقر قانون تجريم عدم ارتداء الحجاب، ووصلت العقوبة إلى الحبس مدة شهرين و74 جلدة، وقد احتجت الإيرانيات حينها بالنزول إلى الشوارع وهن يرتدين ملابس سوداء.

التعامل الحكومي مع حركة الاحتجاجات الأخيرة يسير وفق النمط نفسه الذي تعاملت به السلطة مع موجات الاحتجاج السابقة، إذ تتم شيطنة حركة الاحتجاج، عبر اتهامها بالعمالة لجهات أجنبية، ومن ثم يصار إلى المطالبة بمواجهتها بقسوة، ثم يتم تحريك مسيرات شعبية مساندة للسياسية الحكومية، لتبيان الالتفاف الشعبي حول النظام. وهنا تجدر الإشارة إلى الاتهام الحكومي الذي يوجه حتى لبعض الجهات المحافظة نتيجة تعاطفها مع حركات الاحتجاج، مثال ذلك ما قام به العديد من المحجبات الإيرانيات اللواتي أطلقن وسم «#أنا محجبة وأعارض دوريات الإرشاد»، الامر الذي اعتبرته الأوساط المحافظة القريبة من النظام بأنه يأتي تناغما مع المؤامرات الأجنبية الرامية إلى استهداف عفة المرأة الإيرانية. من جانب آخر، يجب القول إن هنالك مبالغات من جهات خارجية وداخلية إيرانية تصور الوضع الإيراني وكأنه اقتراب من نهاية دولة الولي الفقيه في إيران. بينما الواقع يشير إلى إن حركات الاحتجاج في إيران وعلى مدى أربعين عاما من حكم الإسلاميين كانت حركات مطلبية تحدد أهدافها، وترفع سقف مطالبها لتحصل على بعض المطالب، فتهدأ حركة الاحتجاج نتيجة القمع الحكومي الممنهج أولا، وانحناء الحكومة أمام رياح الاحتجاج عبر تنفيذ بعض المطالب لاحقا، لذلك لا أعتقد أن تظاهرات تطالب بالحقوق المدنية يمكنها أن تطيح نظام ولاية الفقيه في إيران.

*كاتب عراقي

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى