هل حسمت الولايات المتحدة قرارها بإخراج الإيرانيين من سورية؟

أمين العاصي

تدل معطيات سياسية وعسكرية عدة، على أن الإدارة الأميركية حسمت قرارها بالضغط المتكرر على الجانب الإيراني، لدفعه إلى تغيير استراتيجيته في سورية، واتخاذ خطوات من أجل بدء انسحاب أو تقليص الوجود العسكري الإيراني في هذا البلد إلى حدوده الدنيا، على الرغم من تشكيك مراقبين في قدرة إنهاء هذا الملف راهناً، على الرغم من تحوّله إلى واقعٍ سيخلق صعوبات كبيرة أمام الخطط الإيرانية الرامية إلى فرض وقائع على الأرض السورية يصعب تخطيها في أي تسوية سياسية مقبلة. ويجدر الذكر هنا، أيضاً، محاولة الحرس الثوري الإيراني، إيجاد ممر بري عبر العراق وسورية، وصولاً إلى سواحل البحر المتوسط، بهدف ترسيخ نفوذ “الجمهورية الإسلامية” بعيد المدى في المنطقة.

وفي سياق مساعي إيران للهيمنة على شرقي سورية، وافقت حكومة النظام السوري منذ أيام على قانون يتيح للإيرانيين استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم 12 في منطقة البوكمال شرقي دير الزور، وفق وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، علي غانم، الذي أشار إلى أن الاتفاق “استند إلى الاتفاقية الاقتصادية الموقعة بين الحكومتين”.

من جهته، جدّد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مطالبة إيران بالخروج من سورية، محذراً كل المتعاملين مع طهران في هذا البلد. وقال بومبيو خلال مؤتمر صحافي عقده أول من أمس الأربعاء، إنه ينبغي للإيرانيين مغادرة سورية، لا جنوبها الغربي فقط، مضيفاً: “قلنا لروسيا ونظام بشار الأسد إن على الإيرانيين الرحيل. وعلى إيران الاهتمام بشعبها داخل حدودها”. وحذّر بومبيو من أنّ على جميع المتعاملين مع إيران أن يحرصوا على ألا يكون عملهم لمصلحة “الحرس الثوري”. وجاءت تصريحات الوزير الأميركي بعد أيام قليلة من قصفٍ يُعتقد أنه لمقاتلات إسرائيلية، استهدف مجدداً أهدافاً لـ”الحرس” الإيراني في مناطق سورية عدة، ولا سيما شرقي البلاد.

وذكرت مصادر عسكرية قريبة من فصائل المعارضة السورية، أن غاراتٍ من طائرات إسرائيلية استهدفت مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، مواقع تسيطر عليها مليشيات إيرانية في محيط مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، وهي مركز البحوث العلمية ومطار “كويرس” شرق المحافظة، إضافة إلى مدرسة المشاة شمال شرقي المدينة، ومعامل الدفاع في مدينة السفيرة بريف حلب الجنوبي الشرقي. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أخفقت الدفاعات الجوية التابعة للنظام في التصدي للصواريخ الإسرائيلية، مشيراً إلى وقوع انفجارات ضخمة أدت إلى تدمير مستودعات ذخيرة في منطقة لقوات النظام تنتشر فيها مليشيات الحرس الثوري.

وفي توقيتٍ متزامن، شنّ طيرانٌ مجهول غارات جوية عدة على مواقع مختلفة للمليشيات الإيرانية في بادية الميادين ومنطقة البوكمال شرق دير الزور، شرقي البلاد. وقالت شبكات محلية، إضافة إلى “المرصد السوري”، إن الغارات، التي يعتقد أنها إسرائيلية، استهدفت ثلاثة مواقع للمليشيات الإيرانية في بادية مدينة الميادين، بعد دقائق من قصف معامل الدفاع في ريف حلب. وجاءت الغارات بعد ساعات من انسحاب القوات الروسية من هناك، ما يشير بحسب المرصد، إلى وجود تنسيق بين الإسرائيليين والروس في استهداف المليشيات الإيرانية. وأوضح أنّ القصف استهدف بادية القورية والصالحية وبادية الميادين، وكل هذه المواقع في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، الذي تحول إلى منطقة نفوذ إيراني.

ولم تقتصر الضربات الجوية على شرقي سورية وشمالها، إذ قصفت طائرات قالت وكالة أنباء النظام السوري “سانا” إنها إسرائيلية، في 20 إبريل/ نيسان الماضي، مواقع تابعة للحرس الثوري في محيط مدينة تدمر بريف حمص الشرقي في قلب البادية السورية. وقال المرصد السوري في حينه، إنّ طائرات إسرائيلية أطلقت من الأجواء اللبنانية صواريخ على “تجمّعات عسكرية للمليشيات الإيرانية في بادية تدمر”، بينما أفادت وسائل إعلامية معارضة بأن أحد المواقع المستهدفة هو عبارة عن معسكر إعداد وتدريب خاص بـ”لواء فاطميون” الأفغاني التابع للحرس الثوري في منطقة التليلة بمنطقة تدمر.

وعلى مدى العامين الماضيين، إضافة إلى العام الحالي، حوّلت إيران جزءاً من البادية وأغلب ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، إلى منطقة نفوذٍ لها، نشرت فيها العشرات من المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري، من بينها مليشيات من “الحشد الشعبي” العراقي، تتخذ من مدينة البوكمال مقراً لها. ولطالما سعت إيران إلى شقّ طريق بري يبدأ من طهران ويقطع العراق وسورية ليصل إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. ولهذا يعد الشرق السوري حيوياً لإيران، من أجل تحويل هذا الممر البري إلى واقع لا يمكن تجاوزه في أي تسويات المقبلة.

لكن المعطيات تؤكد وجود قرارٍ أميركي لمنع إيران من تحقيق مسعاها، سواء من خلال قصفٍ جوي متكرر يحول دون تمركز قوات تابعة للحرس الثوري، أو من خلال فصائل معارضة يدعمها “التحالف الدولي” تتمركز في قاعدة التنف على الحدود السورية – العراقية، أو في حرم القاعدة، والمعروفة بمنطقة الـ55 (منطقة يُحرّم دخول قوات النظام والمليشيات الإيرانية إليها في محيط القاعدة 55).

وفي هذا الصدد، أكد المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في تغريدة له على موقع “تويتر” يوم الأربعاء الماضي، أن فصائل المعارضة في التنف “تتلقى دعماً وتفويضاً أميركياً باستهداف المليشيات الإيرانية حيثما وُجدت وأينما تمركزت، بهدف إغلاق الكوريدور (الممر) الإيراني”.

لكن سعيد سيف، المتحدث باسم فصيل “قوات أحمد العبدو”، وهو أحد فصائل المعارضة المتمركزة بالقرب من منطقة التنف ومخيم الركبان على الحدود السورية – الأردنية، نفى في حديث مع “العربي الجديد”، الأنباء عن تفويضٍ أميركي إلى الفصائل باستهداف مليشيات إيران خارج منطقة الـ55. وأشار إلى أن “التحالف الدولي” أسس قوات رديفة لفصيل “مغاوير الثورة”، مكونة من مقاتلين من “الجيش الحر”، من مهماتها استهداف المليشيات الإيرانية خارج منطقة الـ55، “لكنها حتى اللحظة لم تتحرك على هذا الصعيد”.

وأنشأت إيران العام الماضي قواعد ونقاط تمركز عدة في ريف دير الزور الشرقي، لعل أبرزها قاعدة “الإمام علي” في منطقة البوكمال عند الحدود السورية العراقية، على بعد نحو 320 كيلومتراً من قاعدة التنف الأميركية عند مثلث الحدود السورية ـ الأردنية ـ العراقية. واستهدف طيران “التحالف الدولي” هذه القاعدة أكثر من مرة، ولكن كما يبدو، فإن الحرس الثوري مستمر في تجهيز القاعدة. ووفق مصادر محلية، تضمّ هذه القاعدة 15 نقطة عسكرية، بينها 10 نقاط تحوي عدداً من مخازن السلاح وساحات لتدريب المقاتلين، إضافة إلى عدد من المقار العسكرية للمليشيات المدعومة من الحرس الثوري، ومنها مليشيا “فاطميون” و”فيلق القدس”. وبحسب هذه المصادر، هناك مجموعة من النقاط والمقارّ العسكرية الإيرانية في محيط البوكمال، وفي محطة “تي 2″، في بادية المدينة، وفي منطقة عين علي الواقعة في بادية مدينة القورية في ريف دير الشرقي، إضافة إلى مقارّ داخل مدينة دير الزور وفي مطارها العسكري، وفي مدينة الميادين.

إلى ذلك، ذكرت شبكة “عين الفرات” المحلية منذ أيام، أن مليشيا “لواء المنتظر” العراقية الموالية لإيران دخلت في مارس/ آذار الماضي إلى مدينة البوكمال، بعد تدريب عناصرها على قتال الشوارع في منطقة المشاريع ببادية القائم في العراق. وأشارت إلى أن أمر تشكيل هذا الفصيل جاء من قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، وأن الفصيل يضمّ عناصر من سورية والعراق وإيران، يبلغ عددهم نحو 400 مسلح انتشروا في البوكمال والميادين.

ورأى الباحث السياسي السوري سعد الشارع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن السياسة الأميركية تجاه إيران في سورية قائمة على محددات رئيسية، هي العقوبات الاقتصادية، والضغط السياسي، والقصف الجوي، معتبراً أن “معركة واشنطن مع طهران في سورية ردعية، ولم تصل إلى مرحلة إخراج القوات الإيرانية”. ورأى في هذا الصدد أن “إخراج طهران من سورية يتطلب جهداً كبيراً، فإيران نشرت في سورية نحو 70 ألف مسلح، يسيطرون على مواقع مهمة، إضافة إلى أن التحالف المعلن بين موسكو وطهران لا يزال قائماً في الملف السوري”.

واعتبر الشارع أنه “لا يوجد تغيير في سياسة واشنطن تجاه إيران في سورية”، لافتاً إلى أن “افتتاح إيران للطريق البري عبر سورية إلى المتوسط خطوة باتجاه تبلور ما يُسمّى الهلال الشيعي، وهذا الطريق بات مفتوحاً من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق”. وأشار إلى أن المليشيات الإيرانية “وصلت إلى البوكمال تحت أنظار الولايات المتحدة”، معتبراً أن “لا وجود لضغط أميركي جدي من أجل دفع إيران خارج سورية، فالقصف الجوي والتصريحات لا تُخرج مليشيات إيران، الأمر يحتاج إلى حشد فصائل المعارضة السورية ودعمها”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى