الأوضاع الصحية في الشمال السوري || بين تناقص الاهتمام وتزايد الاحتياج !

د- حسين عتوم

الشمال السوري المحرّر بقعةٌ صغيرة اتّسع صدرها للملايين من المقيمين واللاجئين الذين آثروا حياة كريمة برغم الصّعاب؛ على حياة ذليلة محكومة بالحديد والنار !

عند مقاربة الأوضاع الصحية في هذه البقعة، تبرز خمسة محاور رئيسية متشابكة تصوّر المشهد الصحي بما له وما عليه :

الجهات الداعمة، المنظمات الفاعلة، الكوادر العاملة، التحديات المتفاقمة، والمستشفيات القائمة

كما تلوح في الأفق ثلاث مسؤوليات ملحّة :

  مسؤولية المجتمع الدولي الغائبة.

مسؤولية الحكومات والإدارات المشرفة.

مسؤولية الأطباء الخاصة.

 المحاور الخمسة التي تحكم الأوضاع الصحية في الشمال:

١- الداعمون: بين الغاية والوسيلة: التمويل هو الشريان الأساسي لاستمرارية المنشآت والكوادر الطبية، والجهات الداعمة تتفاوت في حجم الدعم والدوافع إليه، فهي تتراوح بين كون الدعم غاية نبيلة تقدمه بلا شروط، وبين اتخاذه وسيلة لسياسة ما أو ذريعة لثقافة ما، كالتركيز على دعم جوانب محددة تنسجم مع سياسة الداعم وثقافته .

وهناك مآخذ على عملية الدعم تتلخص بما يلي:

_ تعدد الجهات الداعمة ودوّامة تصادم الرؤى والأولويات، مما يؤخّر الوصول إلى حالة توافقية تنهض بالوضع الصحي كما يجب.

_ تزايد حالات توقّف الدعم في الآونة الأخيرة وما أعقبه من آثار كارثية أدت إلى إغلاق بعض المنشآت والمراكز بسبب نقص المواد الطبية ومغادرة الكوادر العاملة إلى مكان آخر؛ وهي معادلة حتمية: حين يتوقف الدعم سيبحث العاملون عن فرصة أفضل .

وقد أصدرت بعض المنظمات الطبية بياناً عبرت فيه عن أسفها حول إغلاق ١٨ منشأة طبية هذا العام بسبب توقف الجهات المانحة عن دعمها.

٢- المنظمات: بين الوساطة والتحكّم: المنظمات هي الوسيط العملي بين المؤسسات الداعمة والمستشفيات القائمة، وبين الداعمين في الخارج والعاملين في الداخل . ولا شكّ أنّ لها دورًا إيجابياً حيث توفّر للمستشفيات والمراكز والموارد البشرية ما يساعد على استمرارها وتطويرها؛ كما أنّ عليها مآخذ حيث تشترط تنفيذ برامج محددة وذلك بدوره يعود لضغط الجهة الداعمة، وهو واقع مفروض لا يتغيّر إلا بالاكتفاء والاستغناء .

٣- الكوادر الطبية العاملة: ينعم الأطباء والصحيون في المحرَّر بمتوسط دخل أفضل من نظرائهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وبالمقابل فقد يضطرون إلى العمل في أكثر من مركز، أو التنقّل ما بين تركيا والداخل، أو التعرّض إلى مخاطر تهدد عملهم وحياتهم ؛ كالمواقف البطولية والمهام الخطرة التي يقوم بها أصحاب الخوذ البيضاء.

٤- المصاعب و التحديات : مثل عدم توفر زرع دم في كل مستشفيات الشمال، عدا مستشفى إدلب الجامعي حيث تم تأمين المواد اللازمة كجزء من البرنامج التعليمي في الجامعة، ومع ذلك فقد تمّ إيقاف الزروع بسبب نقص الخبرة لدى الفنيين ريثما يتم تدريبهم من قبل أطباء متخصصين في الأحياء الدقيقة . ومن الصعوبات أيضاً تناقص الدعم أو توقفه نهائياً كما مرّ سابقاً والذي يعني توقّف العمل وإغلاق المنشأة ومغادرة الكوادر !

٥ – المستشفيات والمراكز الطبية القائمة : ممّا يلفت النظر في الشمال المحرّر وفرة المنشآت الطبية، فهناك ما يزيد عن ٤٠ مستشفى، في إدلب وحدها يوجد ٣ مستشفيات أطفال و ٣ مستشفيات توليد بالإضافة إلى المستشفى الجامعي؛ وبرغم ذلك هناك صعوبات في بعض المناطق وشكاوى من بعض الأهالي، مما حدا ببعض أطباء الداخل لاختصار المشهد بقوله: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع !

المسؤوليات الثلاث للنهوض بالواقع الصحي :

١- مسؤولية المجتمع الدولي الغائبة : تتلخص في التجرّد الإنساني في تأمين الدعم الكافي للمستشفيات والأطباء في المحرّر بلا قيود ولا شروط.

٢- مسؤولية الحكومات والإدارات المشرفة : تتلخّص في وضع مشروع عملي وخطة زمنية  للوصول إلى حالة الاكتفاء والاستغناء؛ والمقصود تحديداً الحكومة التركية وحكومة الإنقاذ لأنهما معنيّتان بشكل مباشر بالأمر وانعكاساته.

٣- مسؤولية الأطباء الخاصة : تتلخّص بالوفاء لشرف المهنة ورسالية الطبيب أكثر من أي مغريات أو تبعية لشيء آخر.

المصدر: إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى