غياب الصحة في الشمال وتأثيره على الأجيال

محمد عمر كرداس

   مع استقرار الحكم لبني أمية وامتداد الفتوحات من وسط آسيا  وحتى الأندلس قام الوليد بن عبد الملك بن مروان سادس خلفاء بني أمية ببدء عصر العمران في عاصمة الخلافة دمشق، فكان أول بنائه التحفة المعمارية الباقية إلى الآن  وهي الجامع الأموي وبعده بدأ ببناء المستشفيات وجهزها بالأطباء والمساعدين والأدوية وغيرها من المستلزمات التي يحتاجها المرضى والجرحى والمسنون، في سورية الحديثة وفي عهد حكم آل الأسد وزبانيتهم من روس وإيرانيين وميليشياتهم من الحاقدبن على الشعب السوري الذي خرج مطالبًا بحريته وبكرامته وباحثًا عن العدالة  بدأ النظام في حربه على شعبه بتدمير المدارس والمشافي والطواقم الطبيىة وكان يستهدف بالسجن والتعذيب حتى الموت من يجرؤ على مساعدة جريح ، كان استهداف المشافي والمدارس مدروسًا ليزيد من آلام الشعب ومعاناته ولدفعه إلى الاستكانة والخنوع من جديد، لكن شعبنا الثائر المعذب لم يستكن ولم يستسلم رغم مئات آلاف الشهداء والجرحى من شبانه ونسائه وأطفاله وشيوخه، ومع إيغال النظام بالقتل والسجن والتهجير خارج البلاد والنزوح إلى مناطق خرجت عن سيطرة النظام، أصبح الوضع الصحي يزداد سوءًا في تلك المناطق، لقد نزح إليها أكثر من أربعة أضعاف سكانها ولك أن تتصور كم أصبح الوضع الصحي صعبًا مع استمرار قصف النظام لهذه المناطق، وإمكاناتها الصحية الضعيفة إذ من ناحية البنية التحتية أو من الأطباء والكوادر الطبية المدربة التي خسرت سورية أعداد كبيرة منها بالهجرة أو الاعتقال أو القتل، لم يبق لهذه المناطق إلا المساعدات الإنسانية التي تأتي من خلال منظمات إنسانية كمنظمة أطباء بلا حدود ومساعدات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى تتبع دولاً غربية وبعض المنظمات العربية، لكن أعداد المحتاجين للرعاية الطبية السريعة والمباشرة أكثر بكثير مما ترصده تلك المنظمات الذي يتراجع دعمها يومًا بعد يوم مرة بحجة وباء كورونا وضعف الإمكانات ومجددًا بحرب روسيا المعتدية على أوكرانيا، ومن يرى ماتعانيه المخيمات المنتشرة في الشمال السوري التي تزيد عن ألف مخيم جزء كبير منها عشوائي ضمن المزارع والحقول والمناطق الوعرة، يعي تمامًا صعوبة الحركة من وإلى هذه المخيمات وبالتالي صعوبة تأمين الرعاية الصحية للأطفال والحوامل وكبار السن وخاصة في الشتاء، ولقد شاهدنا المآسي التي ضربت ساكني الخيام التي لاتحمي من برد ولا ترد قيظ الصيف والتي مازالت مأساتهم مستمرة، وما يسمى حكومات الأمر الواقع تعفي نفسها من كل هذه الأمور ولا تلتفت إليها فالبعض منهم أصبح يجني الأموال الطائلة ويبني القصور ويدير المشاريع الاستثمارية بمئات الملايين هنا وهناك من دم هذا الشعب المبتلى، فهي بهذا الشكل نسخة مكررة عن النظام الذي ثرنا عليه وما زلنا مستمرين.

    الرعاية الصحية وخاصة للأطفال منظومة متكاملة تبدأ في مياه الشرب النظيفة والمسكن اللائق لتصل إلى المراجعات المنتظمة لأخذ اللقاحات والإشراف على دوريتها والاهتمام بالغذاء الضروري لكل الفئات، ولكننا نرى اليوم عكس ذلك، فقد عادت إلى الشمال السوري أمراض وأوبئة كنا نظن أنها انقرضت، فمع ضعف الرعاية الصحية وأحيانًا كثيرة فقدانها تعود هذه المشاكل الصحية لتندر بخطر داهم ليس على  الحاضر بل ستمتد إلى مستقبل الأجيال أيضًا لتنتج جيلًا يزداد فيه المعوقين من نقص الرعاية ونقص الغذاء الصحي ونقص ماء الشرب  النظيف وغير ذلك، وإذا لم نتدارك هذا الوضع فالمأساة كبيرة ولا نظن أن بمقدور الجميع أن يخرجوا من هذا الواقع المتردي قريبًا فحتى الأطباء والطواقم الطبية نراها تخرج اليوم تطالب بإنصافها من جهة الرواتب، فهل يعقل أن يكون راتب الممرض ألف وثلاثمئة ليرة تركية بينما أصبح الحد الأدنى للرواتب في تركيا أكثر من خمسة آلاف ليرة تركية ولماذا لاتعامل الطواقم الطبية من أبناء المنطقة معاملة الموظف التركي في نفس المراكز ولو بنصف الراتب ليؤمن على الأقل الحد الأدنى للمعيشة، فالطواقم الطبية أيضًا بحاجة للإنصاف بما يوازي جهدها التي تبذله ونحن نرى كم تتفانى وكم تعاني.

    لا خلاص لسورية إلاّ بالخلاص من هذا النظام ومن كل زوائده والطغاة الصغار أمثاله من يدعي كذا أنه مع الثورة مهما تلون هنا وهناك، وليس ذلك على الله بكثير. أعان الله شعبنا للخلاص من هذه المحنة التي طالت.

 

المصدر: إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى