حمل التصعيد العسكري الروسي في شمال سوريا مطلع الاسبوع، رسائل سياسية لا تخرج عن اطار “صراع الأجندات” و”مناطق النفوذ” للأطراف الدولية على الخارطة السورية، وليس أقلها مخاطبة أنقرة بالغارات الجوية حول ضرورة تقويض نفوذ المعارضة السورية، مقابل الاجراءات التي ترعاها في ريف حلب شمالي لجهة تقويض نفوذ الأكراد.
وأطلقت القوات الروسية الاثنين، حملة قصف واسعة تمثلت بشنّ مقاتلاتها الحربية 14 غارة جوية، استهدفت محيط مدينة إدلب شمال غرب سوريا، قيل إنها طاولت معسكرات لـ”هيئة تحرير الشام”.
وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يقنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال القمة التي جمعتهما في مدينة سوتشي الروسية في 5 آب/أغسطس، تعديل اتفاقية “أضنة” التي يحاول الرئيس التركي تعميقها أكثر من 5 كيلو متر داخل العمق السوري، كما تنصّ، وجعلها 30 كيلوا متراً، عبر عمليات عسكرية ضد الوحدات التركية شمالي شرقي سوريا، نفّذ ثلاث منها، ويلوّح بالرابعة.
واعتبر الخبير العسكري السوري العميد أحمد رحّال أن القصف الجوي للطائرات الروسية، يأتي ضمن صراع الأجندات ومناطق النفوذ لكل طرف، وهو ما تريد به موسكو تذكير أنقرة، بأنها “تحت الضغط العسكري القادر على إفشال الاجندات والمخططات التركية”.
وقال رحّال لـ”المدن”، إن بوتين يريد اللعب على وتر تعديل اتفاقية “أضنة” لصالح الأتراك، مقابل تخلي الأخيرة عن خططها في مسافة العمق، عبر عملية عسكرية موضحاً أن اختيار إدلب للتصعيد، يأتي ضمن سياق تذكير أنقرة بتعهدات قطعتها بإخراج “تحرير الشام” المصنّفة إرهابية منها، الأمر الذي ترد عليه بمطالبة إخراج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من شمال شرق سوريا.
من يعرقل عملية التطبيع؟
وقبل ايام على التصعيد الروسي، استهدفت غارات تركية مواقع تابعة لجيش النظام في مدينة عين العرب (كوباني) في شمال حلب، رداً على مقتل جنديين تركيين بقصف استهدف مخفراً حدودياً في جنوب ولاية غازي عينتاب التركية، قبل أيام، مصدره المواقع المشتركة مع “قسد”.
وعلى الرغم من اعتبار رحّال للقصف بأنه “فعل وردّ فعل”، إلا أنه يرجّح وقوف إيران خلف العملية، بهدف “احباط أي تقارب روسي-تركي مع النظام وقسد تنفردان على إثره بالحل”. ولا يستبعد وجود مصلحة روسية تشجع على استهداف مواقع تركية، لإحباط أي تقارب أميركي-تركي، ينتهي بتفاهمات للأخيرة مع “قسد”.
موسكو تريد إدلب؟
وتتزامن الرسائل العسكرية هذه المرة، مع معلومات تتحدث عن جهود لإحياء العلاقات التركية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، بدفع وتنسيق روسي-إيراني، وهو الأمر الذي لم يخفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحديث عنه.
ويوضح الباحث السياسي محمد السكري أن أنقرة تنطلق بشأن التودّد من النظام، من مقاربة الحفاظ على مكتسباتها الميدانية في إطار النفوذ، والبدء بمرحلة جديدة تُسهم في إدارة المنطقة.
ويقول السكري لـ”المدن”، إن موسكو لا تريد فقط إعادة العلاقات مع النظام على النحو الذي ترسمه أنقرة وحسب، بل تريد إعادة إدلب بالكامل لمناطق سيطرة الأسد، مبيناً أنه عند هذا التفصيل الهام لروسيا، “يعود ملف الاستثمار بالتنظيمات الإرهابية، تزامناً مع إدراك موسكو لحرج الموقف التركي، لأسباب مرتبطة باستحقاق الانتخابات والملف الاقتصادي داخلياً، والتغيّر في ملف الخارجية”.
مسار التطبيع مستمر
وعلى الرغم من التصعيد الروسي، لا يعتقد السكري أن مسار التطبيع مع النظام قد انتهى، قائلاً إنه “ما زال قيد البحث والحوار والدراسة، حتى داخل الأروقة السياسية التركية”، موضحاً أنه من الصعب أن تمنح أنقرة ورقة تعويم النظام لمنافسيها قبل الحصول على مكتسبات، ومن ضمنها الحفاظ على نظام وقف إطلاق النار كما نصت عليه التفاهمات الثنائية مع موسكو.
ويرى أن مسار التطبيع “لا يزال صعباً” ويحتاج خطوات كبيرة من قبل روسيا والنظام السوري، وكذلك تنازلات تركية “ربما تؤثر على المعادلة الأمنية الداخلية” مشيراً إلى أن المسار “تشوبه معوقات وتعقيدات كبيرة ليس من السهل تجاوزها”.
وتقود الحكومة التركية مسار التطبيع مع النظام، جنباً إلى جنب مع مساعي الأحزاب المعارضة للتحالف الحكومي بقيادة “العدالة والتنمية”، وذلك استعداداً لخوض المعركة الانتخابية المقبلة في حزيران/يونيو 2023، وتشكّل المكتسبات من ورقة اللاجئين السوريين أبرز تلك الأوراق، والتي يرى الجميع حكومة ومعارضة، أنها لن تتم قبل قيادة الحوار والحصول على ضمانات من الأسد.
وفي هذا السياق، يرى السكري أن تحالف الحكومة التركية، يسعى للمراوغة وإدارة ملف التطبيع بالتوازي مع القدر الذي تتحرك به المعارضة التركية، إما لسحب ورقة مهمة منها، أو التقليل من حجم الاستثمار بها شعبياً.
المصدر: المدن