نظام الأسد محاصر بين “قانون قيصر” والضغوط الروسية والخلافات

عماد كركص

جاء تصريح المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، الجمعة الماضي، بدخول “قانون قيصر” حيز التنفيذ في يونيو/حزيران المقبل، ليزيد الضغوط على النظام السوري، التي تأتي أيضاً من قبل حلفائه الروس، عبر تلويح وسائل إعلام مقربة من دائرة صنع القرار بعدم صلاحية بشار الأسد كرئيس خلال المرحلة المقبلة، والتلميح إلى إمكانية توصل موسكو وواشنطن إلى صيغة تفضي لتنحية الأسد، ربما للبدء بالتسوية السياسية والدخول في مرحلة انتقالية تنهي الحرب المستمرة.

يترافق ذلك مع تصاعد حدة الخلافات داخل النظام، والتي أخذت تطفو على السطح، لا سيما بعد ظهور واحد من أكبر الواجهات الاقتصادية للنظام السوري رامي مخلوف (ابن خال رأس النظام بشار الأسد) على مواقع التواصل الاجتماعي، ليكشف عن تراجع علاقته مع الأسد، ومحاصرته لتصفية شركاته، بحجج الضرائب والمستحقات المالية المترتبة عليها للدولة، في حين تفيد التسريبات المختلفة أن سبب هذا التباعد هو الدور الذي تلعبه أسماء الأسد، زوجة بشار، لجهة هيمنتها على مفاصل اقتصاد النظام لصالح عائلتها (الأخرس)، وإبعاد عائلة مخلوف التي اعتمد عليها الأسد والنظام طيلة عقود.

وخلال اجتماع عبر دائرة تلفزيونية نظمه “المجلس الأطلسي”، وشارك فيه مستشار الرئيس التركي إبراهيم قالن والسفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، أكد جيفري أنه سيتم تفعيل قانون قيصر في يونيو المقبل، ما سيتيح ملاحقة الأفراد والكيانات التي تتعامل مع نظام الأسد. وأوضح أن “الإدارة الأميركية ستبدأ باستعمال قانون قيصر لملاحقة المتورطين مع النظام السوري”. وأشار إلى “مواصلة حملة الضغوط على النظام لجعله يقبل بالحل والتسوية، بما في ذلك استخدام قانون قيصر بقوة ضد حكومة النظام وضد من يدعمونه”، معرباً بذلك عن “قناعة واشنطن بإمكانية الوصول إلى حل سياسي بشرط واحد هو صمود وقف النار في إدلب”.

وأضاف جيفري: “نحن مسرورون لأن جيش النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين أوقفوا العمليات العسكرية في إدلب، بعد العمليات التي قام بها الجيش التركي ووقف النار التركي – الروسي”. وطرح تساؤلاً عما إذا “كان النظام سيستأنف هجومه على إدلب لتحقيق انتصار عسكري، أم أن وقف إطلاق النار سيصمد، وسنتحرك في اتجاه حل سياسي للصراع عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254”. وأكد أن بلاده تدعم وقف إطلاق النار، معرباً عن رغبة واشنطن في “البناء على وقف إطلاق النار لحل النزاع، عبر دعم عمل اللجنة الدستورية لتمهيد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة”.

و”سيزر” أو “قيصر” هو الاسم الحركي لضابط منشق عن النظام السوري، كان قد سرب آلاف الصور للانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين في سجون ومعتقلات وأفرع أمن النظام، والذي صيغ القانون باسمه، تحت عنوان “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019”. وتعرّض القانون لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو من العام الماضي، قبل تمريره في مجلسي الكونغرس والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهاية العام الماضي. وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية، أو التقنية، مع مؤسسات “الحكومة السورية”، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها، أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية.

كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم. وحدد مجموعة من الشخصيات المُقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة، البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية. ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني له. كما يمكّن الرئيس الأميركي من رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

وحول تداعيات دخول القانون حيز التنفيذ على بنية النظام الاقتصادية، أشار رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية” الاقتصادي السوري أسامة القاضي، إلى أن “مصرف سورية المركزي سيكون مشمولاً بالحصار الاقتصادي مع تطبيق القانون، وهذا معناه شلله تماماً، وبالتالي فإن عليه التعامل بأي عملة أخرى غير الدولار وربما اليورو، ما سيسبب إرباكاً كبيراً للنظام”. وأضاف “من جهة أخرى يهدد القانون أي جهة (كيان أو فرد) تتعامل مع النظام، ويعني ذلك أن أي شركة تريد أن تدخل إلى السوق السورية ستتعرض للعقوبات، وليس من مصلحة أي شركة تجميد أصولها في كل بلاد العالم وخسارة الأسواق الأوروبية والأميركية، في حال أقدمت على ذلك”. وأوضح القاضي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “من مميزات القانون أنه حدد سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية السورية بشكل قانوني، تشريعي، بقانون مُلزم لكل رئيس يأتي بعد ترامب، ولن يسقط القانون ما لم يكن هناك حل سياسي كامل”. وأضاف “هذا قد يدفع النظام إلى حسم أمره قبل دخول القانون حيز التنفيذ، أو يكون محفزاً للقوات الروسية في سورية لاتخاذ إجراءات تجاه النظام قبل التاريخ المحدد (يونيو) للمضي إلى حل سياسي، وتستطيع بذلك دول العالم الدخول إلى سورية لإعادة الإعمار. فمن دون الحل لا يمكن أن يكون هناك إعادة إعمار من قبل حلفاء النظام الذين سيستهدفهم القانون بالعقوبات”.

من جهة أخرى، أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً، أخيراً، عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سورية، توقع فيه توافقاً تركياً أميركياً روسياً إيرانياً على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وجاء في التحليل، الذي نقلته وكالة “الأناضول”، أن “منظمة روسية، تطلق على نفسها اسم صندوق حماية القيم الوطنية، وهي مقربة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلاديمير بوتين، تجري استطلاعاً للرأي العام في سورية. وبغض النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإن الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: الشعب السوري لا يريد الأسد”. وأضاف التحليل أن موسكو حرصت منذ بداية تدخلها العسكري في سورية، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد. وخلص إلى أن “روسيا تبدو في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أن الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو”، مشيراً إلى أن من بين الأسباب “تحول النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بمليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه، الذي بات خاضعاً في قراراته لابتزاز تلك المليشيات”.

وحول ذلك، أعرب الباحث المطلع على الشأن الروسي، محمود حمزة، عن قناعته بأن الروس سيتخلون عن الأسد، لكن المسألة في اختيار التوقيت. وأضاف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الروس لا يستطيعون التخلي عن الأسد في المرحلة الانتقالية، وهي مرحلة حرجة، لأنهم يخشون خسارة كل مصالحهم في سورية. والروس غير متمسكين بأشخاص، فالأهمية بالنسبة إليهم في هذا الإطار أن يأتي إلى الحكم من يعتبرونه حليفاً لهم، ولذلك تمسكوا بالأسد خلال الفترة الماضية والحالية، كون مصالحهم مرتبطة به، لكن في المستقبل فإن من الواضح أن الأسد سيشكل خطراً على المصالح الروسية، لإن بقاءه يعني عدم الاستقرار في سورية”. واعتبر حمزة أن “الروس والأميركيين يحضّرون البدائل، وسيكشف عام 2021 ذلك، فمن المتوقع أن تخرج واشنطن بمبادرة في هذا الإطار”.

وأضاف “نرى الآن أن قانون قيصر والتصريحات الأميركية تصب في هذا الاتجاه، أي أن هناك مرحلة جديدة آتية، فالقانون عامل ضغط كبير على النظام وحلفائه، وبالذات روسيا وإيران، وبالتالي يجب الإدراك أن الأمور أخذت حيزاً جدياً. ولا شك أن القانون سيدفع باتجاه حل سياسي معين، طبعاً هو وغيره من الأوراق، كتقرير منظمة الأسلحة الكيميائية، بالإضافة للعقوبات على موسكو، وتردي الوضع الاقتصادي الروسي بعد تدهور أسعار النفط، والعديد من العوامل الداخلية الروسية، في مقدمتها تدهور الروبل، وكلها تدفع بهذا الاتجاه”. وتابع “كما أن الروس لم يعد من مصلحتهم الدخول في معارك وأعمال عسكرية، ويرون الآن أن من المجدي الاتجاه نحو الخيارات السياسية، التي تجني لهم الأرباح، فهم بحاجة للمال، ولا شك أن لديهم تفاهمات بهذا الخصوص ستظهر إلى العلن في الأشهر المقبلة”.

وحول ما إذا أرادت موسكو الالتفاف على “قانون قيصر”، لجهة تقديم دعم للنظام عبر “بوابة خلفية”، أوضح حمزة أن “روسيا ليس باستطاعتها ذلك، فالقانون أقره الكونغرس ووقّعه الرئيس الأميركي، والعقوبات الأميركية تلاحق روسيا وستلاحق النظام بعد دخول القانون حيز التنفيذ، ولن يستطيع أحد التحايل عليه”. وتطرق إلى الضغوط الإعلامية الروسية على الأسد، مشيراً إلى أنها تأتي “ضمن الضغط على الأسد لجهة النيل من مقربيه، مثل رامي مخلوف وشقيقه ماهر، بالإضافة للإشارة إلى فساد بشار الأسد ونظامه. ويمكن القول إن الحملة الإعلامية فتحت النار على كافة مفاصل النظام، وهذا لم يحدث صدفة، وإنما بضوء أخضر من السلطة في موسكو، ولو كان بغطاء غير رسمي. لكن حجم الحملة الواسع يُظهر أنها ممنهجة ومقصودة وتحمل رسائل، منها التبرؤ من فساد هذا النظام، وأيضاً الإيحاء بإمكانية التخلي عنه مقابل ثمن سيتم التفاوض عليه”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى