أصدرت محكمة روسية أمراً بإيقاف شحنات النفط المنقولة من كازاخستان إلى أوروبا عبر البحر الأسود، في خطوة تشكل خشية كبيرة في دول الاتحاد من أن يستخدم الرئيس فلاديمير بوتين، نفط الدولة المجاورة سلاحاً جديداً ضد القارة التي تعاني عجزاً في الوقود مع بدء الأزمة في أوكرانيا.
يأتي ذلك في وقت حساس جداً، بعد أن بدأت، الإثنين، عمليات صيانة سنوية لأكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، سيوقف تدفق الغاز لمدة 10 أيام، وسط خشية من أن يتم تمديد الإغلاق من روسيا بذريعة الحرب في أوكرانيا.
إسلوب “ماكر” من بوتين
بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية، الخميس 11 يوليو/تموز 2022، فقد أصدر قاضٍ روسي في بلدة نوفوروسيسك المطلة على ساحل البحر الأسود، الثلاثاء 5 يوليو/تموز، أمراً لشركة Caspian Pipeline Consortium بإيقاف شحناتها لمدة 30 يوماً.
جاء تعليق أعمال الشركة لمعاقبتها على عدد من “المخالفات الإجرائية” تتعلق بخطة شركة CPC للتعامل مع الانسكاب النفطي، وحصلت الشركة على مهلة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لتصحيحها.
رغم وقوع الميناء في روسيا، يأتي حوالي 90% من النفط الذي يمر عبره من كازاخستان. ما يجعله سلاحاً مثالياً في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمعاقبة المتحالفين ضده اقتصادياً.
بحسب الوكالة فقد يؤدي إيقاف أعمال شركة CPC إلى خروج ما يصل إلى 1.5 مليون برميل نفط من الأسواق يومياً، في ظل الحاجة الماسة للنفط في الأسواق العالمية.
لم يعلن بوتين بالتأكيد أن هذا هو هدفه الفعلي، فاستخدام المحاكم الإقليمية لإيقاف إمدادات النفط لأوروبا يمنح موسكو القدرة على إنكار تدخلها في هذا الأمر. لكن في الوقت نفسه، تتبع هذه العملية نمطاً مألوفاً، إذ لدى روسيا تاريخ سابق في استخدام المحاكم لخدمة أهدافها السياسية.
عانت محطة تصدير شركة CPC من سلسلة من الأحداث المؤسفة من الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي أواخر شهر مارس/آذار، أغلق الميناء جزئياً لمدة شهر بعدما أفادت تقارير بتسبب عاصفة في تدمير اثنتين من عوامات التحميل الثلاث بالميناء. ثم في منتصف شهر يونيو/حزيران، عُلقت عمليات التحميل مجدداً في محطتي تحميل لإجراء مسح للمنطقة المائية المحيطة، ما أدى إلى اكتشاف عدد من الألغام التي تعود للحرب العالمية الثانية.
فيما يرى بعض المتشككين أن إزالة الألغام بالتأكيد كانت لها الأولوية قبل تركيب عوامات التحميل في المقام الأول.
عادةً ما تتجه ثلثي صادرات شركة CPC إلى أوروبا، مع توجيه كميات كبيرة من النفط إلى وسط أوروبا عبر خطوط الأنابيب من ميناء تريستا الإيطالي. لذا، سيكون التأثير على سوق النفط في حوض البحر المتوسط شديداً، لا سيما مع تزايد الطلب ليصل إلى أعلى مستوياته منذ سنوات.
توقف خط (نورد ستريم 1)
وتبدأ الإثنين عمليات صيانة سنوية لأكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، الذي ينقل 55 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، وستستمر عملية الصيانة من 11 الى 21 يوليو/تموز 2022.
كانت روسيا قد خفضت في الشهر الماضي تدفق الغاز إلى 40% من الطاقة الإجمالية لخط الأنابيب، مشيرة إلى التأخر في إعادة المعدات التي تقوم بإصلاحها شركة “سيمنز إنيرجي” الألمانية في كندا.
من جانبها، قالت كندا في مطلع الأسبوع، إنها ستعيد التوربينات التي تم إصلاحها، لكنها قالت أيضاً إنها ستوسع العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي.
يأتي هذا بينما تخشى أوروبا أن تمدد روسيا الصيانة المقررة؛ للحد بشكل أكبر من إمدادات الغاز الأوروبية، ما يؤدي إلى تعطيل خطط تخزين كميات من الغاز لفصل الشتاء وتفاقم أزمة الغاز التي أدت إلى اتخاذ تدابير طارئة من الحكومات وفواتير عالية بشكل مؤلم للمستهلكين.
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، قال إنه يتعين على البلاد مواجهة احتمال أن تعلق روسيا تدفقات الغاز عبر “نورد ستريم 1” إلى ما بعد فترة الصيانة المقررة.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد حذر الجمعة 8 يوليو/تموز 2022، من أن الاستمرار في فرض عقوبات على روسيا “يمكن أن يؤدي إلى زيادات كارثية في الأسعار بأسواق الطاقة”، ما يلحق الضرر بالمستهلكين في أنحاء أوروبا.
بوتين أضاف في اجتماع مع كبار المسؤولين أذاعه التلفزيون: “نعم، نحن نعرف أن الأوروبيين يحاولون إيجاد بديل لموارد الطاقة الروسية.. مع ذلك نتوقع أن تكون نتيجة مثل هذه الإجراءات زيادة في أسعار الغاز بالسوق الفورية وزيادة في تكاليف موارد الطاقة بالنسبة للمستهلكين النهائيين”.
مضى بوتين قائلاً: “كل هذا يبين مرة أخرى أن قيود العقوبات المفروضة على روسيا تسبب أضراراً أكبر بكثير للدول التي تفرضها. الأكثر من ذلك أن استخدام العقوبات يمكن أن يؤدي حتى إلى تبعات يمكن أن تكون أكثر حدة، وبلا مبالغة، قد تكون كارثية في سوق الطاقة العالمية”.
تعتمد أوروبا تاريخياً على روسيا في الحصول على نحو 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ويتم تسليم معظمه عبر خطوط الأنابيب، وارتفعت أسعار الغاز بأوروبا في عام 2021 مع عجز العرض عن مواكبة الطلب، المدفوع بالتعافي من جائحة فيروس كورونا.
قفزت الأسعار مرة أخرى منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ويبلغ السعر القياسي الآن أكثر من ضعف الإغلاق في 23 فبراير/شباط.
يُذكر أن موسكو أوقفت تدفقات الغاز إلى بلغاريا وبولندا وفنلندا والدنمارك وهولندا، في الأشهر القليلة الماضية؛ بعد أن رفضت هذه الدول طلب روسيا دفع مقابل الغاز بالروبل رداً على العقوبات الأوروبية على غزو أوكرانيا.
المصدر: عربي بوست