خرج النواب كتلًا وأفراد من الانتخابات وجميعهم أسرى. أسرى مواقفهم وبعضهم البعض الآخر. وأسرى تناقضاتهم وحساباتهم وطموحاتهم وشعاراتهم. كل السقوف التي ارتفعت تشير إلى أنه لن يكون من السهل الاتفاق على قواسم مشتركة تسهم في انجاز الاستحقاقات.
مع انتخاب بري وضده
حزب الله وحركة أمل يتمسكان بانتخاب بري رئيسًا لمجلس النواب، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية وترك الاستحقاق الرئاسي إلى موعده. في المقابل التيار العوني برئاسة جبران باسيل يرفع سقف شروطه ويقول: “يسترخصنا من يظن أنه يفاوضنا على المساومة أو المقايضة بين رئاسة المجلس ونائب رئيس المجلس”. موقف باسيل هذا يشير بوضوح إلى أنه يريد التفاوض على الحكومة وكيفية تشكيلها، وعلى شروط متعلقة بتعيينات وتشكيلات وإقالة حاكم مصرف لبنان. ويريد الموقف أيضًا فتح التفاوض على مصير الانتخابات الرئاسية.
القوات اللبنانية أعلنت صراحة رفضها انتخاب برّي، وتتمسك بشروط حكومة أكثرية بالتعاون مع المستقلين وقوى الثورة، وترفض مبدأ حكومة الوحدة الوطنية. أما المستقلون ونواب الثورة والتغيير فيجمعون على رفض انتخاب برّي، ولديهم شروطهم في مقاربة عملية تشكيل الحكومة.
شبح تعطيل شامل
هذه المواقف المتباعدة تحتاج إلى نوع من تدوير الزوايا، ومقاربة الاستحقاقات بنوع من الواقعية لا تظهر حتى الآن بوادرها. لذا، يبدو أن بقاء الكتل النيابية أسيرة مواقفها هذه، يطيل أمد تعطيل انتخاب هيئة مكتب المجلس، وتشكيل الحكومة، وصولًا إلى استحقاق رئاسة الجمهورية.
وفي حال استمر الوضع على هذا المنوال يقبل لبنان على فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية عارمة، لا سيما أن حزب الله لن يقتنع لا بتشكيل حكومة اختصاصيين أو مستقلين، ولا بعدم المشاركة في الحكومة تشكلها أكثرية يجمعها تحالفها ضده. وقد يكون الحلّ الأمثل له تشكيل حكومة تتمثل فيها الكتل النيابية كلها. أي العودة إلى القواعد السابقة التي أرساها تحالفه مع التيار العونيّ: كل كتلة تضم 4 نواب تتمثل بوزير. وهكذا يتمثل الجميع، بما فيهم قوى المعارضة والثورة والتغيير والمستقلون. لكن ثمة الكثير من هؤلاء يرفضون المشاركة في حكومة واحدة مع حزب الله.
البزري دياب الثاني؟
وإذا افترضنا أن نواب التغيير التقوا سياسيًا ومرحليًا على تصور مع النواب المستقلين والقوات اللبنانية والاشتراكي، ليصيروا أكثرية. هنا يكونون أمام تحدّي تشكيل حكومة أكثرية منهم، واستثناء حزب الله وحركة أمل والتيار العوني منها. لذا لا بد من رصد كيفية عرقلة حزب الله تشكل هذه الأكثرية.
في حال حصل ذلك، تكون الكرة في ملعب رئيس الجمهورية الذي قد يلجأ إلى عدم التوقيع على مراسيم تلك التشكيلة الحكومية، انطلاقًا من أنه شريك في تشكيلها وضابط إيقاعها.
أما في حال تشتت هذه القوى، أي نواب التغيير والمستقلون والقوات والاشتراكي، فيتمكن حزب الله من الذهاب إلى تسمية شخصية يغري بها قوى التغيير أو بعضها بالتصويت لها، كعبد الرحمن البزري مثلًا. وقيل سابقًا إن الحزب كان يفاوضه على التحالف مع التيار العوني في الانتخابات، كما حصل في العام 2018. لكن البزري رفض ذلك لعدم قدرته على تحمّل آثار ذلك صيداويًا. وهناك من يردد أن البزري كان يطمح لتولي رئاسة الحكومة، وسبق أن فاوض باسيل وحزب الله في الأمر.
هذا الخيار يمكن لحزب الله أن يرضي به بعض من النواب السنّة، وبعض نواب التغيير والمستقلين. وفي هذه الحال تتشكل حكومة وتُمرَّرُ على مثال حكومة حسان دياب، ويقال إنها تمثل الثورة والتغيير، وعليه تعود المشاهد إلى غواربها السابقة.
المصدر: المدن