صدر للباحثة وفاء أحمد سليمان كتابُ (القيم التربويَّة في حكايات الأجداد والقصص التي استقت مادتها من التراث)، وهو عبارة عن “دراسةٍ وصفيَّةٍ تحليليَّةٍ على الحكايات والقصص الموجَّهةِ للفئة العمريَّةِ (4 – 6) سنوات”.
الكتابُ الصادرُ حديثًا في تركيَّا/ أنقرة عن دار نشر sonçag، هو بالأصل بحثًا أعدَّتْه الكاتبةُ لنيل شهادة الماجستير من جامعة دمشق/ كلية التربية- قسم تربية الطفل في العام 2009.
الباحثةُ وفاء أحمد سليمان التي منعتها ظروفُ الهجرةِ واللجوء من متابعة تحصيلها العلميِّ ونيل الدكتوراة، التي كانت تحضر لها منذ العام 2011 حاصلةٌ على ليسانس فلسفة من جامعة دمشق، ودبلوم تأهيل تربوي، ودبلوم دراسات عليا- اختصاص رياض الأطفال وماجستير تربية.
ما يعزِّزُ ما خلص إليه الكتابُ- البحث، من نتائج عملِ الباحثةِ لمدة خمسِ سنوات في مركز الأبحاث التربوي التابع لوزارة التربية، قبل اندلاعِ الثورة السورية، ومشاركتها في إعداد الدليلِ التدريبيِّ لمعلمة الروضة، ضمن الفريق الوطنيِّ على مستوى سورية.
الكتاب يتألف من بابين، الأول: هو الدراسةُ النظريَّةُ، والثاني: هو الدراسةُ العمليَّة، وكلُّ بابٍ يحتوي على عدة فصول، لكلٍّ منهما مقدمةٌ وخاتمةٌ.
البابُ الأوَّلُ: يحتوي على ستة فصول، والباب الثاني يحتوي على فصلين، إضافةً لخلاصة البحثِ التي تتضمَّنُ مقدمةً ومقترحاتٍ، عدا عن المراجع و10 ملاحق.
في الفصل الأوَّلِ من الباب الأوَّلِ تتطرقُ الباحثةُ إلى مشكلات البحثِ وأهميَّتِه وأهدافِه، وأسئلةِ البحث ومنهجِه، حدودِ البحث وعينتِه، أدواتِ البحث وإجراءاته، التعريفات الإجرائيَّة للبحث.
في الفصل الثاني من الباب الأوَّل تتطرقُ الباحثةُ إلى الدراسات السابقة بهذا الخصوص، المحليَّةِ والعربيَّةِ والأجنبيَّةِ، وعقبَّتْ عليها، وفي ذلك مكانةُ بحثِها الحالي منها.
في الفصل الثالث تتحدَّثُ عن خصائص نمو الطفل من 4- 6 سنوات، معرفةِ النموِّ ومبادئه ومجالاته.
أمَّا الفصلُ الرابع خصَّصَته للحديث عن ثقافة الطفل: (تعريفِها- خصائصِها- أهميَّتِها)، وفي ذلك تطرَّقت إلى مصادر ثقافةِ الطفلِ ووسائلِها، وحاجاتِ الطفلِ الثقافيَّة.
الفصل الخامس يبحث في القيم: (أهميَّتِها- خصائصِها- تصنيفِها)، وفي ذلك تقدِّم معنىً للقيم، وتعريفًا بها، وممَّا تتكوَّن ووظائفها، وينتهي هذا الفصلُ بالحديث عن اكتساب القيمِ والعواملِ المؤثِّرةِ فيها.
أمَّا الفصلُ السادسُ والأخيرُ، من الباب الأوَّل، الدراسةُ النظريَّةُ، خصَّصَته للحكاية والقصة، عن ماهي الحكايةُ الشعبيَّةُ وأهميَّتُها وخصائصُها ووظائفُها، وأنواعُها وأشكالُها ومكوناتُها، والاهتمامُ بها، وتتطرَّقُ إلى مشكلات الحكايةِ الشعبيَّةِ تربويًّا، وتراجعِ دورِها وإعادةِ إحيائِها، والعلاقةِ بين الحكايةِ الشعبيَّةِ وأدبِ الأطفال.
من ثَمَّ تتطرَّقُ في نهاية هذا القسمِ إلى الحديث عن القصة وأهميَّتِها ووظائفِها وشروطِ اختيارِها، كما شروطِ كتابتها وعناصر سردها، وتتوقف عند العلاقةِ بين الحكاية والقصةِ وثقافة الطفل، وعند علاقةِ الحكاية والقصة بالحاجات النمائيَّةِ للطفل، والتمييز بين الحكاية والقصة: التطابقِ والاختلافِ.
في الباب الثاني: الدراسةُ العمليَّةُ، يبدأُ الفصلُ السابع بالحديث عن منهج البحثِ والأسس التي اعتمدَتْها في التحليل، من ثَمَّ تتطرَّقُ إلى منهج تحليلِ المضمونِ ومنهج البحثِ وأدواتِه وإجراءاتِه، وأُسسِ وقواعدِ التحليل المعتمدة في تحليل المضامين القيميَّةِ وتصنيفِها، والتأكُّد من صدق التحليلِ وثباتِه، والقوانين الإحصائيَّةِ المستخدَمَة، والخطوات الإجرائيَّةِ للتحليل.
في الفصل الثامن من الكتاب، وهو الجزءُ الثاني من الدراسة العمليَّةِ، فهي تقدُّمُ عرضًا للنتائج ومناقشتِها وتحليلِها وتفسيرِها، وهنا تتوقَّفُ عند منظومةِ القيمِ التربويَّةِ التي تحتويها حكاياتِ الأجداد، وعند منظومةِ القيمِ المتضمِّنةِ في الحكايات بشقيها الإيجابيِّ والسلبيِّ، أيضًا، منظومةِ القيمِ التي تنطوي عليها قصصُ الأطفالِ التي استقت مادَّتَها من التراث، مع التركيزِ على القيم التي يجبُ تضمينُها في قصص الأطفالِ بما يتناسب وروح العصر الحاضر دون التخلِّي عن أصالة الماضي.
ينتهي الكتابُ بخلاصة ومقترحات بناءً على ما جاء في البحث الطويلِ والشيِّق.
جديرٌ بالذكر أنَّ الكتابَ يتضمَّنُ 17 جدولًا مهمًّا تزيد في قيمته وأهميَّتِه، مع 12 مخطَّطًا بيانيًّا.
الكتاب الذي بلغت عددُ صفحاتِه 353 من القطْع الكبير يُعَدُّ عن جدارة واستحقاقٍ مرجعًا مهمًّا لاغنى عنه للباحثين والمهتمِّين في قضايا الطفولة، كما للمربيين والمعلمين.
على الغلاف الأخيرِ للكتاب مقتطفٌ من مقدمته التي تسلِّط الضوء على مضمونه، جاء فيها: (تُعَدُّ الحكايةُ أوَّلَ عملٍ تربويٍّ عرفته الإنسانيَّةُ منذ بدأت تُحِسُّ بكيانها الإنسانيِّ في هذا الوجود، وكانت تهدف إلى نقل قيمِ المجتمعِ الأخلاقيَّةِ والتربويَّةِ وتقاليدِه وعاداتِه إلى الأجيال، لتُحافظَ على تماسكه وتآلفه من ناحية، ولنقل التجارب والخبرات التي عاشتها الأجيالُ السابقةُ من ناحية أخرى بغيةَ حماية الإنسانِ من المخاطر التي قد تعترض حياتَه المستقبليَّة.
وأثرُ الحكاية في المجتمع الإنسانيِّ أمرٌ بالغُ الأهميَّةِ عبر العصور، فقد قامت وماتزال بدور بارزٍ في تهذيب الأخلاقِ، وغرس القيمِ التربويَّة، وهي تعزِّزُ في ذهن الطفلِ مفهومي العقابِ والثوابِ من خلال النموذجِ أو المثلِ الذي يجسِّدُه بطلُ الحكاية، فتبقى الصورُ والدلائلُ التي تحملها الحكايةُ في ذهن الطفلِ مدى الحياة، وتؤثر في سلوكه بشكل لاشعوري مستقبلًا).
أهدتِ المؤلفةُ وفاء أحمد سليمان، في لفتة مهمَة، كتابها: (إلى أطفال سورية الذين لم يمهلْهم القدرُ ليستمعوا إلى حكاياتي بل صاروا جزءًا من حكاية وطنٍ أجملَ، سنرويها في الزمن القادم).
طرأت في السنوات الأخيرةِ الكثيرُ من المستجدات التي تتعلَّق بالطفولة وشؤونها، ربَّما لها الأولويَّةُ الآن في البحث والدراسة؛ نتيجةَ العنفِ المفرطِ الذي استخدمه النظامُ السوريُّ ضدَّ شعبِه، وهو ما يجب على الباحثين والمهتمين معالجته والتطرَّقَ إليه، وأحسبُ أنَّ الباحثةَ واحدةٌ من هؤلاء، بخبرتها وإمكاناتها.
يبقى الإشارة إلى أنَّ الكتابَ ليس (سوريًّا) فقط، فبمضامينه ينطبقُ على الطفولة في منطقتنا العربيَّة كلِّها، بثقافتها المشتركة وخصائصها الذاتيَّة الواحدة.
الكتابُ جهدٌ علميٌّ تربويٌّ متميِّزٌ، ويشكِّل في اختصاصه ومضمونة إضافةً نوعيَّةً وحقيقيَّةً في هذا الحقلِ المهمِّ والمؤثِّرِ.