ماكرون يعرف أن ولايته الثانية لن تكون سهلة وسيكون محاطاً بأقطاب ذات توجهات متناقضة.
إيمانويل ماكرون رئيساً لولاية ثانية، حيث تفوَّق على منافسته بحصوله على 58.54 في المئة، وحصل على أصوات 18,779,641 من إجمالي المقترعين، مقابل 42.46 في المئة لمنافسته مارين لوبن، التي صوّت 13,297,760 لصالحها، وبذلك تكون هذه الدورة تاريخية على كافة الصُّعُد. أولاً كون ماكرون الرئيس الأول في الجمهورية الخامسة يعاد انتخابه لدورة ثانية خارج حكومة تعايش، في اقتراع وصلت فيه نسبة المقاطعة إلى أعلى مستوى لها، كما سجل فيها حزب أقصى اليمين أعلى نسبة من الأصوات. وبذلك تكون مارين لوبن هي أيضاً حققت نصراً تاريخياً بحصدها مزيداً من الأصوات بالنسبة للدورة السابقة في 2017.
وبذلك يمكن القول إن الشعب الفرنسي اختار الاستمرارية بدلاً من التغيير الجذري، لكن مع إرسال إشارة واضحة للرئيس، بأن التصويت له جاء لقطع الطريق أمام مارين لوبن، أكثر مما عبر عن تأييد لسياسته.
وطمأن ماكرون الفرنسيين بالقول إن الرسالة وصلت: “أعرف أن اختياركم لأفكاري كان لقطع الطريق أمام أفكار اليمين، وأنا مدين لهذا الانتخاب”. وتوجه إلى كافة الفئات التي عبرت عن توجهاتها خلال هذه الانتخابات، سواء تلك التي اختارت التصويت لأقصى اليمين، أو لأقصى اليسار، أو التي قاطعت الانتخابات، أو أدلت بأصوات بيضاء، واعداً بالعمل على مشروع مجتمع أكثر عدالة ومساواة بين الرجال والنساء.
ماكرون يعرف أن ولايته الثانية لن تكون سهلة، وأنه يتعين عليه التآلف مع معطيات متعددة الأقطاب، فما هي أهم التحديات الماثلة أمامه؟ هل سيواجه حكومة تعايش تعطل قراراته كما كان الحال مع الرئيس الراحل جاك شيراك، غداة فوزه على والد مارين لوبن، في الدورة الثانية في عام 2002؟ فالتحالفات التي يجري العمل عليها لم تنتظر إعلان الفوز. جان لوك ميلانشون كرر مراراً منذ الدورة الأولى أن العمل على الجولة الثالثة يجري على قدم وساق، مطالباً مؤيديه بانتخابه رئيساً للحكومة، وهو سيجتمع مع ممثلي الحزب الاشتراكي، الذي مُني بخسارة فادحة للتخطيط بشأن الانتخابات التشريعية. وهكذا يكون بإمكان ميلانشون الاعتماد على تحالف أقصى اليسار مع الاشتراكيين والشيوعيين وحزب الخضر بشكل أساسي، وهو ما دعا إليه عبر تشكيل “جبهة اليسار”.
ما هي الصورة بالنسبة لليمين؟
مارين لوبن أكدت استمرارها في المعترك السياسي، مبددة ما كانت قد عبرت عنه أنها ستتوقف في حال الخسارة، وهي أعلنت أنها ستدعم كل المرشحين عن اليمين، ورفضت اليد الممدودة من قبل إريك زمور، عن اليمين المتطرف، مشددة على أنها ستؤيد مرشحين عن اليمين في كافة المناطق، وستدعمهم بشتى الوسائل، وأعلنت أن الوقت الآن هو لإعادة التوزيع السياسي، بعد تهافت حزبي اليمين واليسار التقليديين.
والنتيجة التاريخية التي حققتها تجعلها تأمل تحقيق أفضل نتائج في الانتخابات التشريعية. حزب لوبن أكد أن ما من حظوظ حتى اللحظة للتحالف مع حزب زمور الذي دعا الأسبوع الماضي إلى اتحاد اليمين، ومد يده لحزب لوبن بعد إعلان الفوز، وكرر الدعوة اليوم التالي. لكن لوبن أشارت إلى أن حزب التجمع الوطني يسعى إلى تحالف أكثر شمولاً، تحالف وطني يتجاوز انقسامات اليمين واليسار مؤكدة أنه سيكون لدى حزبها مرشحون في 577 دائرة انتخابية من المنتسبين أو الذين يدعمهم حزبها.
كما أشار الناطق باسم حزب التجمع الوطني إلى أن لوبن لن تبقى في زعامة الحزب، بل ستترشح عن منطقة هينان لوبون، التي تعتبر معقلها.
كيف ترتسم الخريطة؟
اليسار يعول على انقسام اليمين، حيث اعتبر ميلانشون أن جبهة اليسار ستكون متحدة في حين أن اليمين منقسمون على ذواتهم.
في مقابل ذلك، يخشى ماكرون ألا يحظى بالغالبية، ويشير بعض المحللين إلى أن تأمين غالبية واسعة من شأنه أن يعقد الأمور، ويأتي بنتائج عكسية، وهناك المُوالون لوزير الخارجية السابق (يمين) آلان جوبيه، والمُوالون لجان بيار شوفنمان (يسار) وفرانسوا بايرو (يمين وسط)، إضافة إلى الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي المقرب من ماكرون، أما الشخصية التي تخشاها أوساط الرئيس فتتمثل في شخص رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب الذي أطلق حركة “آفاق” بعد مغادرته رئاسة الوزراء، وهو عمدة مدينة لوهافر، ويرى البعض أنه يهيئ نفسه لانتخابات 2027، لذا فإن تعاطفه لا يحظى بالترحيب المطلق. ويقدر عدد الدوائر الانتخابية التي ستكون تحت ضغط تجاذبات المتحالفين بحوالى 40 دائرة.
في المقابل، حزب اليمين الجمهوري، الذي رشح فاليري بيكريس، يبدو منقسماً على ذاته، بين مؤيد لليد الممدودة من قبل ماكرون، وبين معارض لهذا الاتجاه، كون بعض النواب الموالين لساركوزي قد يواكبون ماكرون من دون الالتحاق بالحزب الحاكم، ويعتبر أتباع ماكرون أن هذه الحالة لا تحمل بذور الاستمرار.
وعمد ماكرون على إشاعة الغموض حين أعلن عن حركة سياسية واسعة لاستدراك الفوضى، لكن حتى الساعة لم يصدر أي شيء من هذا القبيل.
هذه الحقبة الرئاسية الجديدة تأتي في ظل وضع اقتصادي صعب على الصعيدين الوطني والعالمي، حيث من المتوقع أن يسجل النمو تراجعاً بنسبة نقطتين في حين كان يعول على نمو بنسبة 4 في المئة.
فالأزمة الصحية فاقمت العجز التجاري بنسبة 6،5 في المئة من الناتج المحلي الخام في عام 2021، بالإضافة إلى الدين العام (112،9 في المئة) وتباطؤ النمو في ظل لجوء البنك المركزي الأوروبي إلى رفع نسبة الفوائد.
وسيتعين على الرئيس الجديد إدارة التعايش مع الأزمة الأوكرانية المتوقع أن تطول. إذ يبقى من رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي شهران، فكيف سيعمل على الحفاظ على الوحدة المعلنة حيال الموقف من الحرب في أوكرانيا في الوقت الذي ليس فيه هناك موقف موحد من التعاطي مع روسيا؟ فهو سيعمل على تدعيم الوحدة الأوروبية المعلنة، التي تواجه محنة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ومعضلة شراء الغاز والبترول الروسي والتفاوض مع الولايات المتحدة وبرلين، بالإضافة إلى وضع فرنسا في قيادة حلف الأطلسي وخفض انبعاثات الكربون بنسبة 40 في المئة حتى عام 2030، وتلك مواضيع يمكن الخوض بها على حدة لاحقاً.
المصدر: اندبندنت عربية