زاد عدد متابعي رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط في موقع تويتر بشكل متسارع خلال جولته في منطقة ريف حلب الشمالي الشرقي والتي رافقه فيها عدد من قادة هيئة ثائرون للتحرير، وشملت الجولة مدن وبلدات قباسين وبزاعة والباب والراعي، وكان لافتاً في تغريدات المسلط على موقع تويتر والتي يوثق من خلالها محطات جولته تحليقها عالياً بمئات المعجبين ومئات التعليقات التي تغلبت فيها عبارات المديح والدعاء بالتوفيق والنصر له وللمؤسسة التي يتزعمها.
ويبدو أن الائتلاف الذي تعرض لانتقادات لاذعة بين الأوساط الشعبية المعارضة على خلفية التغييرات الأخيرة، قد استعان أخيراً بفصائل المعارضة ليسوق لنفسه من جديد، ولتظهر قيادة الائتلاف محبوبة لجماهير الثورة في الداخل، والتي طالما كانت متعطشة لإصلاحاته، وإذا لم تحقق له الاستعانة المفترضة بالفصائل كل ما سبق من أهداف فهي على الأقل توفر للمسلط وفرة في التعليقات المناصرة بدل الانتقادات والشتائم التي كانت سائدة على منشوراته في تويتر خلال الأسابيع القليلة الماضية والتي تزامنت مع الصراع الذي كان محتدماً حينذاك بين أعضاء الائتلاف.
في 23 نيسان/أبريل ذكر المسلط في تويتر أنه التقى مع عدد من الإداريين والطلبة في معهد الفرقان بمدينة بزاعة بريف حلب، وأرفق المسلط منشوره بصورة توثق الزيارة، وسرعان ما تزاحمت الحسابات لتعجب وتعلق على تغريدته، وكرر المعلقون ثلاثة عبارات، وهي “وفقكم الله” و “وجودكم معنا بالداخل السوري المحرر يرفع من المعنويات والعزائم” و “بارك الله فيكم ونأمل منكم زيارات متكررة للداخل السوري”.
وبشكل مشابه كررت الحسابات تفاعلها مع تغريدات المسلط، وتنوعت التعليقات وكانت في كل مرة تتناسب مع المحطة التي يزورها المسلط. ويبدو أن الائتلاف ليس الوحيد المستنجد بحسابات وهمية، فحساب رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى شهد أيضاَ زيادة في أعداد المتابعين مؤخراً، وحققت تغريداته تفاعلاً كبيراً، وفي حالة مصطفى توزعت التعليقات المتشابهة بين اللغتين التركية والعربية. تجييش عناصر الفصائل والتوسع في إنشاء الحسابات الوهمية لدعم حسابات القادة ظاهرة تقليدية وليست جديدة، والأمثلة كثيرة كحسابات قائد فرقة السلطان سليمان شاه محمد الجاسم (أبو عمشة)، وقائد فرقة الحمزة سيف بولاد (سيف أبو بكر) وغيرهم.
قال الباحث في الشأن السوري محمد السكري أن شخصيات المعارضة التقليدية باتت تنتهج أساليب مختلفة لإعادة تصدير نفسها من جديد محليًا في إطار الترويج لمساعي الإصلاح، من بينها الاعتماد على الجيش الإلكتروني، وهذا وفق السكري يمثل اعترافًا غير مباشر من قبل هذه المؤسسات بعدم وجود أي جدوى بإعادة بناء الثقة مع الحاضنة الشعبية بعد فشلها في ذلك على مدار السنوات الماضية.
يضيف السكري خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن “هناك إصرارا على التمسك بشكل المعارضة الراهنة وعدم العمل بجدية على مشروع حقيقي يعيد الاهتمام إلى القضية السورية. وهذا يشير لفقدان القدرة عدا الرغبة في المضي قدمًا نحو خطوات الإصلاح المرغوب بها، تبقى هذه الخطوات تعبر عن الإفلاس وانعدام الخيارات الراهنة للعمل عليها بدل الاستثمار بمثل هذه النوعية من الآليات الترويجية لخداع العامة، وسبق أن استخدم النظام السوري ذات الأساليب بهدف التأكيد على سرديات تبناها وروايات عمل عليها، واليوم تمارس المعارضة ذات التكتيك على أمل أن يعيد ذلك تصديرها من جديد”.
كتبت الصحفية السورية عليا منصور في تويتر ” ثورة مستمرة من 11 سنة، شعب قدم تضحيات لم يعرف مثلها التاريخ، نظام لم يترك وسيلة قتل وتعذيب وتدمير إلا استخدمها، ويأتي من يدعي تمثيل الثورة السورية أي الائتلاف ليشتري لايكات وهمية على تويتر، يزور ولا يعترف أنه فشل بتمثيل الثورة والشعب”.
وقال الصحفي السوري ماجد عبد النور لموقع “تلفزيون سوريا” إن “رئيس الائتلاف سالم المسلط لجأ إلى الاستعانة بقادة الفصائل الذي تحول بعضهم لقادة جيوش إلكترونية وذلك ليزيد المسلط مستوى التفاعل على حسابه في تويتر، وربما في مختلف منصات التواصل التي يستخدمها، وليظهر كمسؤول يتمتع بحاضنة شعبية واسعة في الأوساط المعارضة، والظاهرة ليست جديدة إذ سبق أن لجأ بعض قادة الفصائل إلى مثل هذه الأساليب لإظهار التفاعل على حساباتهم وخداع الناس بأن لديهم شعبية واسعة ويتمتعون بجماهيرية عالية”.
أضاف عبد النور أن “ظاهرة الجيوش الإلكترونية الناشئة حديثاً عمادها الرئيس عناصر الفصائل، ومسؤولو المكاتب الإعلامية العسكرية، ودعم حسابات القادة والمقربين منهم من السياسيين كما حصل مع المسلط مهمة ثانوية بالنسبة للمهام الموكلة لمثل هذه الجيوش المزعومة والتي لا تنشط فقط في تويتر بل تتمدد نحو مواقع التواصل المختلفة، وتستخدمها الفصائل في الصراعات والتنافس فيما بينها، وإذا ما تتبعت تطورات الاقتتال الداخلي في الميدان مؤخراً ستعرف بالضرورة إلى أي مدى وصل التحريش بين الفصائل وصداماتها في مواقع التواصل، وحملات التشويه والهجمات المنظمة”.
قالت مصادر عسكرية متطابقة لموقع “تلفزيون سوريا”: “ليست هيئة ثائرون للتحرير وحدها من عملت على تأسيس جيش إلكتروني، بل صار لدى معظم التشكيلات العسكرية المتنافسة والمتصارعة فيما بينها جيوش تذود عن حماها، وتدافع عن القادة الرموز إذا ذكروا بالسوء في مواقع التواصل الاجتماعي، الفيلق الثالث استفاد كثيراً من خبرة الجماعات التي انضمت إلى صفوفه قادمة من صفوف أحرار الشام، وفصائل التحرير والبناء لديها جيشها الخاص أيضاَ”.
أضافت المصادر” تتولى العناصر العاملة في هذا القطاع مراقبة ما يكتب عن القادة والفصائل والدفاع عنهم إذا لزم الأمر تحت أسماء وهمية، وشن هجمات معاكسة عبر ذات الحسابات في تليغرام وغيرها من مواقع التواصل تعري الطرف الخصم، وتنشر فضائحه وملفات فساد قادته إن لزم الأمر، بعض الكتل العسكرية خصصت تمويلاً جيداً لمثل هذا النشاط الإعلامي وبفضله صار بإمكان كوادرها إغلاق حسابات مصنفة كعدو”.
المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور يرى أن نشوء هذا النوع من النشاط الإعلامي يعتبر تطوراً لافتاً، وبرأيه أن “تأسيس جيوش إلكترونية تدير عملية الإعلام والدعاية لخدمة مشروع الثورة والدفع باتجاه رفع معنويات الحاضنة الشعبية ومحاولة التأثير الإيجابي على السياسات والقرارات لهو إنجاز مشرف ويثير الإعجاب، لكن حقيقة هذه الجيوش بعكس ما هو مأمول منها، فبدل أن يكون اهتمامها مركز على تعرية نظام الأسد والتذكير دائماً بجرائمه ووحشيته وتوعية وتثقيف الحاضنة الشعبية للثورة، صار هم العاملين عليها التركيز على السلبيات والتحريض، ووضع كل الإمكانات في حروب وصراعات داخلية بين الفصائل”.
تبدو تجربة هيئة تحرير الشام أكبر في قطاع الإعلام الإلكتروني، فجيشها الإلكتروني المفترض يعمل في عدة قطاعات وبشكل منظم، وليس وليد الفترة الحالية بل هو الشكل الأكثر تطوراً للنشاط الإعلامي الذي تشتهر به عادة التنظيمات الجهادية التي طالما لجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية لتدافع عن مشاريعها ووجهات نظرها وطالما دخل قادتها ومشايخها في مناظرات وسجالات طويلة لمواجهة الخصوم المنافسين. ولعل الفصائل المعارضة قد استفادت من تجربة تحرير الشام، وبدأت تعول على رأي الناس في أدائها وظهور قادتها وسمعتهم، وباتت تعتبر الإعلام كأحد الوسائل الداعمة للسلطة والبقاء.
لدى تحرير الشام عدة قطاعات عمل في هذا الإطار، هناك جيش إلكتروني يضم مجموعة من “الهكر” مهمتهم الرئيسية ملاحقة الناشطين في مواقع التواصل من السلفيين والجهاديين المناهضين لمشروع تحرير الشام في إدلب وإغلاق حساباتهم، وحدث أن أغلقت حسابات كبار الجهاديين المهاجرين والمحليين في تليغرام، وهم من المعروفين بعدائهم لتحرير الشام على يد جيش الأخيرة الإلكتروني، أما قطاعات الجيش الأخرى فتضم مشايخ ومنظرين وقادة مؤمنين بمشروع تحرير الشام وبمجموعة التحولات البراغماتية التي قادها أبو محمد الجولاني خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وهؤلاء يروجون للمشروع ويدافعون عنه، وينظرون له، وينقلون نجاحات وإنجازات الهيئة في الإدارتين المدنية والعسكرية.
ويرى الباحث في العلوم السياسية بجامعات الشمال السوري محمد البقاعي أن “الإعلام من أهم الأدوات التي تستخدمها القوى السياسية والعسكرية، ونحن على مستوى الثورة استفدنا جداً من ثورة الاتصالات ومواقع التواصل، وعلى مستوى الظاهرة الجديدة والتي يطلق عليها اسم الجيوش الإلكترونية والهدف منها خلق منصات داعمة للموقف السياسي والعسكري، وهي أداة مشروعة عالمياً، ومستخدمة بالفعل، لكن المشكلة تكمن في الاستخدام، العاملون في هذا القطاع ليسوا مقتنعين إنما كموظفين، أو مجندين بحسابات وهمية ليؤيدوا موقفك، سواء كانوا مقتنعين أو غير مقتنعين”.
أضاف البقاعي خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن “هذا النوع من الجيوش الإلكترونية يزيد الشقاق بين مكونات المعارضة، وبالتالي ظهورها وتطورها ليس إيجابياً، أنا لا أنكر على القوى العسكرية السياسية والعسكرية المعارضة استخدام هذا النوع من الإعلام، ولكن ستجد في بعض المراحل أن نشاطها في هذا التجاه كان له تأثير سلبي، لأن الهدف إيجاد رأي عام مؤيد، وطالما أن كل القوى تتبع ذات الطريقة فلن تخلق حاضنة مؤيدة، يمكن القول إن اتباع هذا النوع من الإعلام يصدر عن كيانات تتبنى مشاريع وتريد أن تخلق لها حوامل اجتماعية، أي تفرض نفسها”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا