لا تزال المؤشرات متضاربة حول موعد التوصل لاتفاق نهائي بين الولايات المتحدة وإيران، للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب عام 2018، وما إذا كان التأخير في ختم الصفقة قد يؤدي إلى سقوطها بشكل كامل، مع إصرار طهران على عدم العودة إلى فيينا للتفاوض وإنما لتوقيع الاتفاق، مقابل رفض واشنطن رمي الكرة في ملعبها.
ولكن خلف شد الحبال الأميركي الإيراني، تبرز نقطة أساسية تبدو العائق الأساسي حتى الآن أمام إعلان الاتفاق، وهي رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة. هذا المطلب الذي تصر عليه طهران، يبقى محور تجاذبات في أميركا، بين مطالب بضرورة الاستجابة له لتوقيع الاتفاق النووي خوفاً من وصول طهران إلى إنتاج أسلحة نووية بحال عدم وقف برنامجها، مقابل دعوات لإبقاء الحرس على القائمة تحت مبرر أن رفعه سيؤدي إلى تعزيز نشاطه “الإرهابي”، مع الإشارة إلى أن الاتفاق الذي وُقّع عام 2015 لم يؤد حينها للجم تحركاته.
وفي هذا السياق، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أميركي لم يسمه، أمس الأربعاء، أن الوسطاء الأوروبيين لم ينجحوا بعد بتسوية الخلاف على تصنيف الحرس بقائمة الإرهاب. وأضاف المسؤول أن طهران رفضت عرض رفع الحرس من القائمة السوداء، مقابل التزامها علناً بخفض التصعيد.
وفي ظل هذه التجاذبات، تبرز مؤشرات إيجابية تؤكد استمرار المساعي للتوصل إلى صفقة نووية. آخرها كان إعلان طهران أمس الأربعاء حل قضية عالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، خلال مؤتمر صحافي، أنه تم رفع الغموض بشأن موقع من أصل أربعة مواقع إيرانية كانت محل “إبهام” مع الوكالة الدولية، قائلاً إن المفاوضات جارية بشأن المواقع الثلاثة الأخرى التي سبق أن أعلنت الوكالة الدولية أنها عثرت على مواد نووية فيها. وأكد إسلامي أن برنامج بلاده النووي “سلمي”، قائلاً إنها “ليس لديها أي هدف آخر غير الأهداف الوطنية في إطار اتفاق الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وبشأن مفاوضات فيينا المتوقفة، قال إسلامي إنها تستكمل مراحلها و”الجمهورية الإسلامية لديها الإرادة ودائماً تتقدم على غيرها في بناء الثقة وإزالة الإبهامات”، على حد تعبيره”. وشدد على أن “إيران لن تقبل بأي كلام غير قانوني وسلطوي” خلال المفاوضات.
اتفاق أميركي إيراني خارج مفاوضات فيينا
وفي سياق المؤشرات الإيجابية، أفادت وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية أمس نقلاً عن “مسؤول مطلع” بأن “جزءاً ملحوظاً” من الأرصدة الإيرانية المجمّدة سيتم الإفراج عنه قريباً. وقال المصدر الإيراني إن تحرير هذه الأموال يأتي وفق “اتفاق جديد خارج الاتفاق النووي”، مشيراً إلى أن الرقم أضعاف 470 مليون يورو التي أفرجت عنه بريطانيا.
فيما كشفت مصادر مواكبة للمفاوضات النووية في فيينا، لـ”العربي الجديد”، عن أن التوجه للإفراج عن أرصدة إيرانية مجمّدة جاء بعد حصول اتفاق بين طهران وواشنطن بهذا الشأن عبر وسطاء. وبحسب المصادر، فإنه في ظل الصعوبات التي ظهرت أمام التوصل إلى اتفاق خلال مفاوضات فيينا، برزت فكرة تفاهمات ثنائية مؤقتة بين طهران وواشنطن خارج المفاوضات، لإدارة هذه المرحلة والحؤول دون تدهور الوضع في ما يتعلق بالملف النووي، في ضوء استمرار إيران في خطواتها النووية.
وتوقفت مفاوضات فيينا في 11 مارس/آذار الماضي، وعاد المفاوضون إلى عواصمهم. مع ذلك، استمرت المباحثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في العواصم، وذلك عبر المنسق الأوروبي إنريكي مورا الذي تبادل الرسائل بين الطرفين.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده قد قال الإثنين الماضي إن طهران “لن تعود إلى فيينا لإجراء مفاوضات جديدة، بل لإتمام الاتفاق النووي”، مضيفاً: “إذا أجابت واشنطن على القضايا العالقة، يمكننا حينئذ الذهاب إلى فيينا في أقرب وقت ممكن”. وجاء ذلك على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كان قد قال الأحد خلال محادثة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن الاتفاق بات “قريباً”.
لكن الخارجية الأميركية ردّت بتحميل طهران مسؤولية التقدم بطلبات لا صلة لها بالملف النووي في مفاوضات فيينا. وقال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس ليل الاثنين الثلاثاء: “جميع المعنيين بالمحادثات يعرفون بالضبط من الذي تقدّم باقتراحات بناءة ومن تقدّم بطلبات لا صلة لها بالاتفاق حول النووي، وكيف وصلنا إلى هنا”، في إشارة واضحة إلى أن العرقلة سببها الموقف الإيراني.
وتابع: “لا أعتقد أنه يمكن وصف رد الكرة هذا إلى ملعبنا بالنزيه”. وأضاف: “لا نزال نعتقد أنه من الممكن تجاوز خلافاتنا الأخيرة”، محذراً من أن ذلك “لن يكون ممكناً” عندما يقترب البرنامج النووي الإيراني كثيرا من صنع قنبلة.
عقدة الحرس الثوري الإيراني
وتبقى من أبرز المسائل العالقة مطالبة إيران بإزالة اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية، على الرغم من أن واشنطن أكّدت مراراً أن هذا الأمر لن يعني رفع العقوبات على الحرس.
وقال المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي في “منتدى الدوحة” الشهر الماضي إن “الحرس الثوري سيظل خاضعاً للعقوبات بموجب القانون الأميركي، وسيظل تصورنا له كما هو بغضّ النظر” عن الاتفاق، الذي رأى أنّ هدفه ليس “حل هذه المسألة”.
وتم فرض عقوبات مختلفة على الحرس منذ عام 2007، تمنع الشركات والبنوك الأميركية من التعامل معه ومع الكيانات التابعة له. ثم أضيف الحرس إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية عام 2019 تحت حملة الضغط القصوى التي شنها دونالد ترامب على إيران. لكن مراقبين في واشنطن يرون أن ذلك كان له تأثير محدود على قدرات الحرس على “إحداث فوضى” في الشرق الأوسط، إذ واصل دعم وكلائه في لبنان وسورية والعراق واليمن، وتنقّل بحرية في المنطقة على الرغم من التصنيف، وفق صحيفة “فورين بوليسي”.
ومن هذا المنطلق، تُطرح تساؤلات في الولايات المتحدة عما إذا كانت فوائد الاتفاق النووي الذي يُعمل عليه، ستفوق تكاليف شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.
يعتقد بعض الخبراء أنه نظراً لأن الحرس سيظل خاضعاً للعقوبات بموجب العديد من برامج العقوبات الأميركية الأخرى، فإن شطبه من قائمة الإرهاب ليس تنازلاً كبيراً من قبل إدارة جو بايدن. ويجادل كثيرون في واشنطن بأن العودة للاتفاق النووي، من شأنها أن تعرقل بشكل يمكن التحقق منه مسارات إيران لتطوير الأسلحة النووية، وتحفز طهران على الحفاظ على برنامج نووي سلمي. كما أن ذلك سيعيد نظام المراقبة الأكثر صرامة على أي برنامج نووي.
ويشير هؤلاء إلى أن وضع الحرس ضمن القائمة عام 2019 كان رمزياً بشكل عام. ووفقاً لتقرير صدر في وقت سابق عن خدمة أبحاث الكونغرس، “من غير المرجح أن يؤدي تصنيف الحرس إلى ضغط مالي إضافي عليه لأنه خاضع بالفعل لعقوبات بموجب العديد من الأوامر التنفيذية، التي أدت إلى ردع معظم الشركات الأجنبية عن إجراء معاملات مع الحرس”.
وقال مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، لـ”فورين بوليسي”، إن التصنيف الإرهابي لم يكن له أي تأثير في تقليص العمليات المسلحة الهجومية للجماعة في المنطقة. وبدلاً من ذلك، وبعد فترة وجيزة من وضع الجماعة في القائمة، كثفت هجماتها في المنطقة.
وأضاف: “في غضون أسابيع، كانت هناك هجمات مشتبه بوقوف إيران خلفها، ضد رحلات الشحن التجاري البحري، إضافة إلى الهجوم على أرامكو السعودية، ووقوع هجمات متكررة على القوات الأميركية في العراق”. واعتبر أنه “من الصعب القول إن التصنيف قد فعل أي شيء للحد من نفوذ الحرس الثوري، بل رأينا أن الجماعة تنمو بشكل أكثر وقاحة”. ولخص الجدل حول تصنيف الحرس إرهابياً كمسألة سخيفة: “إنه لا يساعد الولايات المتحدة ولا يؤذي إيران”.
مخاوف من امتلاك إيران السلاح النووي
وفي سياق تبرير ضرورة التوصل لاتفاق نووي مع إيران، حذر نائب المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي جويل روبين، في مقال بصحيفة “ذا هيل”، من “سيناريو كابوس” امتلاك إيران سلاحاً نووياً. واعتبر أن “قنبلة نووية في يد إيران ستخلق مظلة نووية غير مقبولة للإرهاب الإيراني عبر الشرق الأوسط، وبدلاً من إرسال الصواريخ إلى الوكلاء الإقليميين لشن هجمات بعيدة المدى ضد حلفاء واشنطن، ستعمل إيران بدون خوف ويمكن أن تشارك بشكل مباشر وخطير في القتال”.
وأشار روبين إلى المثال الأوكراني، معتبراً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبسبب امتلاكه أسلحة نووية، نجح في الابتزاز النووي أثناء الحرب ومنعت تهديداته غير المستترة باستخدام سلاح نووي في منع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا.
ومن هذا المنطلق، يعود روبين للإشارة إلى أن “سياسة ترامب وانسحابه من اتفاق 2015 كان إخفاقاً كبيراً، وسمح برفع القيود عن مخزونات الوقود النووي لإيران، ووضعها على مسار سريع لامتلاك سلاح نووي، فيما بايدن على وشك وقف هذا القطار النووي الجامح والقضاء على برنامج إيران النووي”.
وبالتوازي، يدعو بعض المراقبين والمسؤولين في واشنطن للكشف علناً عن أي تعهدات تقدمها إيران لخفض التصعيد، مقابل رفع الحرس الثوري عن قائمة الكيانات الإرهابية، كي لا تتراجع عنها في وقت لاحق.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد نقلت في وقت سابق عن مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، قولهم إن العرض الأميركي هو بحذف الحرس من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية إذا التزمت إيران بكبح عدوانها الإقليمي وامتنعت عن استهداف الأميركيين، أما إذا لم تلتزم بالاتفاق، فيمكن إعادة الحرس للقائمة.
وبحسب هؤلاء، فإن وجهة النظر السائدة بين بايدن والعديد من كبار مستشاريه هي أن أفضل خيار هو التوصل إلى اتفاق مع إيران الآن، ثم تحسينه لاحقاً، بدل انتظار اقتراب طهران من إنتاج قنبلة نووية.
وفي السياق، قال الزميل المشارك في معهد واشنطن، فرزين نديمي، لـ”فورين بوليسي”، إنه “إذا كان شطب الحرس من القائمة مرتبطاً بالتزامات جديدة من قبل طهران، على سبيل المثال للتأثير على ترسانة الصواريخ أو الأنشطة البحرية أو السلوك الإقليمي، فيجب توضيح ذلك علناً وكشفه للجمهور لحرمان النظام الإيراني من أي مجال لتفسير مختلف لاحقاً”.
قلق من أنشطة الحرس الثوري
مقابل ذلك، يصر الكثير من المسؤولين الأميركيين السابقين ولا سيما من المقربين من ترامب، على خطورة إزالة الحرس من القائمة. وفي مقال في صحيفة “واشنطن بوست”، كتبه المسؤولان السابقان في إدارة ترامب، فيكتوريا كوتس، وروبرت غرينواي، لفتا إلى أن البيت الأبيض كانت لديه أدلة كثيرة على أن “الأنشطة الإرهابية” للحرس الثوري قد توسعت بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.
وأضافا أن “تصنيفه كجماعة إرهابية لم يحصل بشكل متسرع، بل بعد نقاش بين الوكالات استمر لأشهر عديدة وانتهى في أوائل إبريل/نيسان 2019، وانتصرت الحجة القائلة بأن الحرس لم يكن يعمل كجيش عادي، بل كذراع إرهابي عملياتي للنظام الإيراني”. واعتبرا أن العقوبات والتصنيف جعلا موارد الحرس وأنشطته مقيدة بشكل متزايد.
وإذ شرح المسؤولان السابقان أن “قائمة الإرهاب واحدة من أقوى الأدوات في الترسانة الأميركية للأمن القومي، إذ لا يعزل التصنيف الكيان المعني اقتصادياً فحسب، بل يفرض أيضاً عقوبات على أي مجموعة أخرى توفر له الدعم المادي”، فقد حذرا من أن “شطب الحرس من القائمة سيكون له تأثير على تقويض مصداقية العقوبات الأميركية، التي ستبدو من الآن فصاعداً قابلة للتفاوض بطبيعتها”.
واعتبرا أن “الهدف من الاتفاق النووي الجديد هو منع طهران من الحصول على سلاح نووي، لكن إذا تم شطب الحرس من القائمة سعياً وراء الصفقة، فسوف يصعّد مرة أخرى أنشطته الإرهابية في جميع أنحاء العالم، مما يعطّل بشكل خطير السلام ذاته الذي من المفترض أن تضمنه الصفقة”. وختما بالقول: “لا يستحق نصر دبلوماسي بدوافع سياسية، الهزيمة الرهيبة التي سنتكبدها جميعاً”.
المصدر: العربي الجديد