“حسني البرازي” الجندي المجهول خلف استرداد الكنيس اليهودي المكتشف في “دورا أوروبوس”بعد شحنه إلى الولايات المتحدة.

محمود الوهب

في المتحف الوطني في دمشق يُعرض الكنيس اليهودي الذي اكتشفته البعثة الأثرية التي كانت تعمل في موقع الصالحية بين عامي 1928-1937 برئاسة الباحث الأمريكي ميخائيل روستوفتزف M.Rostovtzeff من جامعة “يال” الأمريكية . ونادرا ما تُذكر الحكاية الحقيقية التي جعلت سوريا تسترد أجزاء كثيرة من الكنيس بعد أن شحنت وكاد الكنيس بكامله يستقر هناك ، والدور الهام الذي لعبه في ذلك المرحوم ” حسني البرازي1895-1975 ” الذي شغل منصب وزير المعارف في الحكومة السورية في عهد الانتداب الفرنسي بين عامي 1934-1936.

حول هذا الموضوع الذي يشكل حادثة بارزة في تأريخ الآثار السوري أورد فيما يلي ما جاء ضمن شهادة شفهية للمرحوم البرازي سجلت له عام 1969 ضمن أعمال قسم التّاريخ الشّفهي ” دراسات الشرق الأوسط – الجامعة الأميركيّة في بيروت “

(( س ـ متى حدثت قصّة الكنيس اليهودي؟

ج ـ سبق وأخبرتكم بأني كنت المسؤول، أي الوزير المسؤول عن المعارف. ولم يكن للوزراء السابقين أي رأي. ومن الأمور التي حدثت موضوع الكنيس اليهودي. كانت دائرة الآثار تابعة لدائرة المعارف، ولما تسلّمت وزارة المعارف ُقدّمت لي قرارات متعلّقة باختيار الفرنسيين لبعض الآثار من رومانية وغير ذلك لشرائها ونقلها إلى بلادهم. ومن جملة هذه الآثار الكنيس اليهودي. فقال لي وزير الآثار، الأمير جعفر الجزائري أن الفرنسيين دعوا أحدهم لاختيارها. قلت: “مَن اختارها”؟ قال: “أحد المستشارين”. قلت: “وكيف للمستشار أن يختارها”؟ قال: “من باب الفن. لقد وافقنا نحن على المستشار. فهم يبقون في سوريا ما هو حسن”. قلت له: ” أنا لست بعالم أثري إنّما لا أتنازل عن الكنيس اليهودي”. قال: “إختاروها وانتهى الأمر”. قلت: “إذن لا أوقّع على القرار. إذا كان القرار يُنفّذ دون توقيعي، فلا مانع”. قال: “كلاّ”. قلت: “إذن بلّغ ذلك”. فأتى المستشار وقال: “إنّ الأصول تقضي بأن تُعهد الآثار إلى المفوّضية الفرنسية وإلى علماء متخصّصين”. قلت: “عندنا كثير من الآثار الرومانية والمتحف فيه أيضاً الكثير. أما كنائس يهودية فليس عندنا إلاّ هذا. فأنا أصرّ على إبقاء الكنيس اليهودي”. ثمّ خابر المستشار المفوّضية وذهب إلى مستشار المفوّض السامي المختصّ بالآثار. ثمّ عاد مستشار المفوّضية إلى عندي ليقول: “إنّ هذا لا يصحّ”. قلت له: “إني مصرّ على رأيي وأنا المسؤول والكنيس اليهودي ذو قيمة كبيرة، أما آثارنا الرومانية فكثيرة”. وكان الكنيس عند الصالحية على الفرات. قال: “آسف أن أخبرك بأن الإختيار قد تمّ وقد أرسل قسم من الآثار المختارة في صناديق إلى أميركا لتشاد هناك”. قلت له: “كيف تفعلون ذلك قبل توقيع وزير المعارف؟ إني مصرّ على رأيي”. قال: “ما العمل؟ هل لديكم إختصاصيون لبناء مثل هذه الآثار”؟ قلت له: “أنتم أتيتم إلينا لكي تدرّبونا. على كل حال نستطيع أن نأتي بإختصاصي”. وبعد إصرار عنيد وصلت إلى النتيجة التي أريدها. ففكّ القسم الذي كان قد هيء لشحنه. وكان قد أرسل حوالي 100 صندوق إلى أميركا فأرجعوها ثمّ أتوا بـ إيكوشار المشهور الآن عندكم بخصوص موضوع الكنيس. ولم تنقطع المفاوضات في أثناء ذلك، وبعد أن وجدوا كل هذا الإصرار قالوا لي: “كم تريد ثمن الكنيس وكم تريد أنت؟ باستطاعتنا أن نعطيك دون قيد ولا شرط”. قلت لهم: “لا شيء”. قالوا: “نعطي الحكومة خمسة ملايين ليرة ذهباً. فإنّكم بحاجة إلى المال”. قلت لهم: “لا، ولو كان المبلغ خمسين مليوناً”. كنت كلما رأيت إصراراً منهم وحرصاً على الدّفع تزداد قيمة الكنيس عندي. فلم أقبل بأي ثمن. وهكذا أتوا بالكنيس وأعادوا تركيبه……”

المصدر: صفحة محمود الوهب

2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى