القوة لأي شعب؟

مايكل يونغ

يشرح نيكولاي كوزانوف، في مقابلة معه، كيف سيؤثّر النزاع في أوكرانيا على إنتاج النفط والغاز في الشرق الأوسط.

نيكولاي كوزانوف أستاذ وباحث مشارك في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر. وهو أيضًا زميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في معهد تشاتام هاوس. تركّز أبحاثه على المسائل الجيوسياسية المتعلّقة بالمواد الهيدروكربونية في دول الخليج، والسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، إضافةً إلى الاقتصاد الإيراني والعلاقات الدولية. وهو حائز على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة سانت بيترسبورغ الحكومية في روسيا (2010)، وعلى ماستر في الدراسات الشرقية (2006، جامعة سانت بيترسبورغ) وماستر في دراسات الشرق الأوسط (2012، جامعة أكستر). أجرت “ديوان” مقابلة معه للاطّلاع على رأيه حول التأثير المُحتمل للنزاع في أوكرانيا على سوق النفط والغاز في الشرق الأوسط.

مايكل يونغ: كيف تتوقع أن يؤثّر قطع العلاقات بين شركات النفط الغربية ونظيراتها الروسية على الشرق الأوسط، ولا سيما حيال تزويد أوروبا بالغاز؟

نيكولاي كوزانوف: صحيحٌ أن تصميم دول الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد على وقف الاعتماد على الواردات الروسية من النفط والغاز يقدّم بالفعل فرصة لمنتجي المواد الهيدروكربونية في الشرق الأوسط، إلا أن الاستفادة من هذه الفرصة أصعب مما يبدو. لذا، على المدى القصير، من غير المرجّح أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي التي قد تؤدّي نظريًا دورًا مهمًا في تنويع مصادر الإمداد الأوروبية، من زيادة صادراتها من المواد الهيدروكربونية إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كبير. مع ذلك، تم تحديد التوجّه نحو تنامي إشراك دول الشرق الأوسط في سوق النفط والغاز الأوروبي، وفي غضون السنوات الخمس إلى السبع المقبلة، قد يؤدّي ذلك إلى انخفاض الحصة الروسية في السوق الإقليمية.

في هذا الإطار، تحمل تجربة قطر وسلوكها دلالة مهمة. فمن جهة، تبدو مهتمة بالاستفادة من الفرصة السانحة حاليًا، وتعمل على توطيد موقعها في شرق أوروبا وجنوبها، إضافةً إلى تأكيد وجودها أكثر في دول أوروبا الغربية. وفي أواخر الخريف وأوائل الشتاء فترة 2021-2022، أبدت الدوحة بالفعل استعدادها لمساعدة الدول الغربية عندما أعادت توجيه أربع شحنات من الغاز الطبيعي المسال من آسيا إلى أوروبا لتلبية الطلب على الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة. ونتيجةً لذلك، ناقشت السلطات البريطانية إمكانية تحويل قطر إلى “مورّد الملاذ الأخير” الذي سيكون على استعداد لمساعدة المملكة المتحدة في حالات الطوارئ.

في غضون ذلك، ثمة قيود مادية على حجم الصادرات القطرية إلى السوق الأوروبية. تُباع حصة الأسد من الغاز القطري بموجب عقود محدّدة المدة. وقد تعني زيادة الإمدادات إلى أوروبا إلغاء بعض هذه العقود أو مراجعتها، وهو ما لن تفعله الدوحة. إضافةً إلى ذلك، تُعتر السوق الأوروبية ثانوية لقطر، إذ إنها تعطي الأولوية لآسيا في المدى الطويل. تلجأ قطر عادةً إلى تحويل كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال من السوق الآسيوية لتجنّب إغراق السوق، أو لكسب أموال إضافية عندما تتجاوز كلفة الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الفورية كلفة الغاز الطبيعي المسال في آسيا، وهو ما حدث في الشتاء الماضي. ولتحفيز قطر على التحوّل إلى السوق الأوروبية، سينبغي على الاتحاد الأوروبي تغيير عدد من قواعده وتخفيف صرامتها بالنسبة إلى الموردين.

ثمة عقبة أخرى تعيق إمداد أوروبا بالغاز القطري، وهي مسألة سياسية حصرًا. لا تهتم الدوحة باستخدام مواردها الاقتصادية كوسيلة للتأثير أو الضغط، فهذا قد يضر بالمبدأ الذي تتّبعه والمتمثّل في بقائها كقوة محايدة ومستعدة للتوسط في النزاعات الدولية، وليس لعقد تحالفات ضد أي جهة. في مثل هذه الحالة، لن يؤدّي الاستعداد لاستبدال روسيا في سوق الغاز الأوروبي إلا إلى إلحاق الضرر بقطر وإضفاء طابع سياسي غير مُستساغ على أنشطتها الاقتصادية. لذا، سيتم تعزيز وجودها في أوروبا على نحو تدريجي وسيُصوَّر على أنه مدفوع اقتصاديًا. إضافةً إلى ذلك، مع الأخذ في الاعتبار خطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال، فقد تتلقّى كميات إضافية لمساعدة الاتحاد الأوروبي على تنويع مصادر وارداته في غضون بضع سنوات فقط. لكن، من الضروري إدراك أن هذه الكميات الإضافية حتى لن تكون كافية لضمان الاستقلال الأوروبي الكلّي عن المواد الهيدروكربونية الروسية.

يونغ: كيف ستؤثر عزلة روسيا على الديناميكيات ضمن مجموعة أوبك بلس؟

كوزانوف: إن دول الخليج، التي يمكنها نظريًا زيادة إنتاجها لتعويض جزء كبير من النفط الروسي، ليست مستعجلة للقيام بذلك. فخلال الأسابيع الأخيرة، حاول ممثّلون رفيعو المستوى من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا إقناع حلفائهم في الشرق الأوسط، أي السعودية والإمارات، بضرورة إنقاذ الوضع وزيادة حجم إمداداتهما من الموارد الهيدروكربونية، بيد أن الإجابة كانت دائمًا بالنفي، وإن بدرجات متفاوتة من المجاملة. وللدول العربية أسباب عدّة لذلك.

أولًا، تحاول الدول الأعضاء في مجموعة أوبك بلس تجنّب استخدام المشاكل السياسية والاقتصادية التي يواجهها بعضها البعض لزيادة حجم إنتاجها. ويُفسَّر هذا السلوك بعدم الرغبة في تقويض الانضباط الداخلي لمجموعة أوبك بلس، الذي هو أساسًا بعيد كل البعد عن الكمال. على صعيد آخر، يتعيّن على المجموعة أن تكون على استعداد دائم لواقع أن بعض دولها الأعضاء، ولا سيما إيران، ستعمد إلى رفع إنتاجها نتيجة التغيّرات في الوقائع السياسية أو الاقتصادية التي كانت تحول دون قيامها بذلك سابقًا. وفي ظل هذه الظروف، يُفضَّل دائمًا وجود مستوى معيّن من نقص الإنتاج، وليس العكس، لتجنّب زعزعة استقرار السوق بسبب الإفراط في إنتاج النفط بما يتجاوز إجمالي حصة الإنتاج.

مع ذلك، قد تكون الصورة مختلفة على المدى الطويل. فالأزمة الحالية في أوكرانيا تُغيّر بشكل كبير سلوك مستهلكي النفط الأوروبيين، الذين يحاولون تخفيف اعتمادهم على روسيا مهما كان الثمن. لكن ذلك لن يحدث على الفور. فقد أدّت الحرب في أوكرانيا أساسًا إلى تحديد هذا التوجّه وتسريع وتيرته، ما يُفسح المجال أمام دول الخليج لزيادة حجم تواجدها تدريجيًا في سوق النفط الأوروبية، وبوتيرة تحول دون توتّر علاقاتها مع موسكو. فمنذ العام 2017 على الأقل، عمدت السعودية إلى زيادة وجودها بشكل مطّرد في سوق النفط البولندية. لكن الأميركيين لن يتراجعوا أيضًا، وتجري المفاوضات مع دول الخليج على قدم وساق. ربما تستطيع واشنطن إقناع شركائها العرب بإعادة النظر في موقفهم، لكن دول الخليج لا ترى جميعها أن دعم قيود الإنتاج ضروري.

وفي آذار/مارس الفائت، صدر عن المسؤولين الإماراتيين إشارات متضاربة حول استعداد بلادهم لرفع الإنتاج. ومن الضروري أن نأخذ في الحسبان خطط السعودية الرامية إلى زيادة الإنتاج بحلول العام 2027، فضلًا عن حقيقة أن العقوبات الحالية المفروضة على روسيا ستُضعف بشكل كبير قدرتها على تجنّب انخفاض إنتاجها النفطي على المدى الطويل. وفي المستقبل، ستصبح روسيا نتيجةً لذلك أقل أهمية بالنسبة إلى مجموعة أوبك بلس.

يونغ: أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا أنها لم تعد تدعم مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إيست ميد) الذي جمع كلًّا من إسرائيل وقبرص واليونان، وكان يهدف لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وبدت هذه الخطوة وكأنها تصبّ في صالح خطة بديلة تتمثّل بإرسال الغاز إلى أوروبا عبر تركيا. كيف تؤثّر عزلة روسيا على وضع خط الأنابيب، من ناحية تزويد أوروبا بالغاز، وهل تعتقد أن إسرائيل مستعدة للتعاون مع تركيا لنقل الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب تركي؟

كوزانوف: من وجهة نظر اقتصادية، لطالما كان خط أنابيب شرق البحر المتوسط مشروعًا وُلد ميتًا ولن يساعد الوضع في أوكرانيا وحولها على إعادة إحيائه. ومع بداية العام 2022، وضع الأوروبيون والولايات المتحدة حدًّا للمشروع. ففي البدء، دفعت الشعبية المتزايدة للتحوّل في الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى الابتعاد عن دعم مشاريع البنى التحتية الضخمة للنفط والغاز. وعلى غرار هذه الدول، اعتبرت الولايات المتحدة خط أنابيب شرق المتوسط غير واعد. وفي رسالة إلى حكومات اليونان وقبرص وإسرائيل، أعربت إدارة بايدن عن شكوكها بشأن الجدوى الاقتصادية والبيئية للمشروع. فقد بدأ الغرب، إضافةً إلى إعطاء أولوية أكبر للمشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة، بتفضيل البرامج التي لا ترتكز على توريد الموارد الهيدروكربونية، بل على توحيد أنظمة الطاقة في أوروبا مع المناطق المجاورة. وعلى هذا الأساس، بات مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الأفريقي الذي يهدف إلى ربط شبكات الكهرباء المصرية والقبرصية واليونانية، ومشروع الربط الكهربائي الأوروبي الآسيوي الذي من المقرّر أن يربط شبكات الكهرباء في إسرائيل وقبرص واليونان في المستقبل، فجأةً بمثابة بديل عن نقل الغاز عبر خط أنابيب.

وخلال السنوات القليلة الماضية، ساهمت الاعتبارات السياسية في تقويض خط أنابيب شرق البحر المتوسط. فقد احتجّت تركيا على استبعادها من المشروع. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان واضحًا تمامًا حين قال إن نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا لا يمكن أن يتم إلا عبر تركيا. وعلى الرغم من حقيقة أن هذه التصريحات بدت مفرطة في الطموح، وأن العلاقة بين تركيا وإسرائيل ليست وديّة، شهدت العلاقات بين الجانبَين تحسّنًا خلال الأشهر الأخيرة. في هذا السياق، يمكن إلغاء خط أنابيب شرق البحر المتوسط، الذي يُعدّ مصدر إزعاج كبير وغير مبرّر اقتصاديًا، والنقاش بدلًا من ذلك حول مشروع تصدير الغاز الإسرائيلي عبر تركيا. لكن، لا يزال مسار تحقيق هذا الهدف طويلًا.

يونغ: في حال تمّ التوصل إلى اتفاق في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، هل تعتقد أن طهران قد تلجأ إلى سدّ جزء من الفجوة التي خلّفها الغاز الروسي، عبر حقل غاز تشالوس في بحر قزوين؟

كوزانوف: في ظل ظروف معينة، يمكن أن تؤدّي إيران دورًا في تعويض النفط الروسي جزئيًا. لكن الوضع مع الغاز مختلف نوعًا ما، إذ يصعب الحديث على المدى القصير عن أي زيادة كبيرة في صادرات الغاز الطبيعي من إيران إلى الاتحاد الأوروبي. فمن جهة، سيتطلب تطوير حقل تشالوس للغاز مدخلات مالية كبيرة، ناهيك عن التوصّل إلى حلّ للمشكلة اللوجستية المتمثلة في نقل الغاز الطبيعي من هذا الحقل إلى أوروبا. ونظرًا إلى أن هذا الحقل يقع في المياه العميقة، ستحتاج طهران إلى شركة مقاولات تمتلك تقنيات الإنتاج المناسبة، وكل ذلك سيستغرق قدرًا كبيرًا من الوقت والموارد. علاوةً على ذلك، كان من المفترض أن تتولّى روسيا، بالتعاون مع الصين، حلّ هاتَين المشكلتَين في حقل تشالوس. ومن جهة أخرى، لا بدّ من أخذ حاجات إيران المحلية المتزايدة من الغاز الطبيعي في الحسبان. ففي حال انخفض الإنتاج في حقل بارس الجنوبي، الذي يُعدّ الأكبر في البلاد، سيتمّ بالتأكيد تحويل الغاز المُستخرج من حقل جالوس لتلبية حاجات البلاد المحلية في الدرجة الأولى.

المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى