أثارت مشاركة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، تفاؤلاً حذراً في أوساط السوريين المنحازين للمعارضة، ليتركز الحديث عن إمكانية حدوث تقارب حقيقي بينها وبين المعارضة وتحديداً السياسية منها المتمثلة بالائتلاف، وسط أنباء عن دفع أميركي قديم متجدد لتحقيق ذلك.
قسد تحتفل بالثورة السورية
وعلى وقع تنظيم ورعاية قسد التظاهرات والمهرجانات بيوم الثورة في مناطق سيطرتها، يبدو واضحاً أن قسد تحاول الانحياز أكثر إلى موقف المعارضة، بعيداً عن النظام السوري.
ولا يمكن قراءة التطورات الأخيرة، ولو كانت مجرد تحرك إعلامي أكثر منه تحركاً سياسياً، حتى الآن، بمعزل عن سياسة الضغط الأميركي على الجانبين (المعارضة، قسد)، حسب معلومات استقتها “المدن” من مصادر متعددة.
ويبدو أن الولايات المتحدة قد تقصدت في هذا الوقت إرغام قسد على الاحتفال بذكرى الثورة في هذه المناسبة تحديداً، لتثبت للمعارضة جدية مساعيها في هذا الإطار، وفق ما أخبر مصدر من الائتلاف “المدن”.
ويؤكد المصدر أن المسؤولين الأميركيين طلبوا مؤخراً الانفتاح على قسد، واضعاً الأنباء عن اعتزام واشنطن استثناء مناطق في الشمال السوري من عقوبات قانون “قيصر” في خانة المحفزات الأميركية لتقريب وجهات النظر. وأوضح أن ما يثير حذر المعارضة هو عدم وجود آلية صناعة قرار واحد عند قسد، بسبب وجود تيارات متعددة، موزعة بحسب القرب من الولايات المتحدة، والنظام وإيران، وحزب “العمال” الكردستاني.
وعن ردود المعارضة، يقول المصدر: “وضعت المعارضة شروطاً وطنية، منها طبيعة مشروع قسد غير الوطني، ووقف الممارسات المتعلقة بالتغيير الديموغرافي وإدارة المنطقة وغيرها، ولم يحصل أي تقدم للآن، باستثناء غياب الاتهامات المتبادلة والتصريحات المستفزة من الجانبين”.
وتطالب قسد بالانفتاح عليها من جانب المعارضة من دون شروط مسبقة، وتطالب كذلك بالتمثيل بالعملية السياسية، في استقواء بالموقف الأميركي، والروسي إلى حد ما.
وبما يخص الاستثناء من “قيصر”، يشرح المصدر أن الغرض الأميركي من ذلك، هو الافساح لتبادل تجاري بين مناطق قسد والمعارضة وتحديداً في مجال النفط، حيث يتم تزويد الشمال السوري بالنفط بأسعار مخفضة، إذ تعول واشنطن على تحول الانفتاح الاقتصادي والتجاري، إلى انفتاح سياسي في مراحل لاحقة.
وبعبارة أخرى، والحديث للمصدر، “الفكرة الأميركية، هي أن بدلاً من أن تتاجر قسد مع النظام بالنفط، ليكن ذلك مع المعارضة، على أمل زيادة معاناة النظام الاقتصادية، لزيادة الضغط عليه، ما قد يدفعه إلى الانخراط بشكل جاد في المسار السياسي”.
ويستدرك المصدر بقوله: “لكن الاستثناء من العقوبات يحتاج إلى وقت طويل لأن الاستثناء يحتاج موافقة الكونغرس وتقارير تشرح سبب الاستثناء (…) لا زالت العملية في مراحلها الأولى”، مشيراً في الوقت ذاته إلى “حرص واشنطن على فصل الملف السوري عن التوتر مع روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا”.
ومن غير المستبعد، أن يكون التوجه الأميركي بهدف قطع الطريق على روسيا التي توجهت مؤخراً لزيادة نفوذها في شرق سوريا، والتغلغل داخل جسد قسد التنظيمي والإداري، مع الأخذ بالاعتبار تعزيز روسيا لتواجدها العسكري في مطار القامشلي، والتصريحات الصادرة مؤخراً عن سياسيين روس تدعو إلى إشراك أكراد سوريا في العملية السياسية ومحادثات اللجنة الدستورية.
وفي الإطار، يرى الباحث بالشأن السوري والكردي بدر ملا رشيد في إحياء قسد لذكرى الثورة، حدثاً يستحق الوقوف عنده. ويضيف ل”المدن”، أن “المعروف أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يدير قسد، كان دوماً يصر على تمثيله للخط الثالث (لا معارضة ولا نظام)، وكان دائماً يتفاوض مع ممثلين النظام للوصول الى صيغة توافق شاملة، وهو ما لم يحدث رغم تكرار اللقاءات على مدى السنوات التي أعقبت إعلان الإدارة الذاتية”.
ويتابع ملا رشيد أنه “رغم ذلك، كانت قسد/مسد تقوم أحياناً بتناول الموقف من النظام وفق مصطلحات ثورة ونظام بشكلٍ خجول، إلا أن ما حدث هذا العام هو بمثابة التحول النوعي”.
ويقول الباحث إنه “إذا كان هناك من قرار سياسي واستراتيجية قادمة من جانب قسد، فهي مبينة على عاملين رئيسيين، الأول: الحرب الأوكرانية والحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودول العالم الحر على روسيا، ما يعني أن النظام السوري بدوره سيكون في قائمة من سيعاني من معاناة روسيا”.
وأما العامل الثاني يتصل بحسب ملا رشيد، ب”الحديث القديم المتجدد حول وجود رغبة لدى الولايات المتحدة بإحداث تقريب بين سلطات شرق الفرات، وغربه”، مضيفاً “ربما تخطوا واشنطن خطوات في هذا الاتجاه بهدف تطبيق الحصار على النظام السوري وبالتالي إعاقة المقاربة الروسية للحل النهائي في سوريا”.
ورغم كل ذلك، إلا أن التقارب بين المعارضة وقسد يحتاج إلى موافقة تركيا الداعمة للمعارضة، وهو ما يبدو بعيداً حتى الآن.
المصدر: المدن