التقى وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في تركيا. لافروف جاء دون تفويض باتخاذ أي قرار، ومن كوليبا فهمنا بأن العدوان سيتواصل حتى التسليم الكامل.
على الميدان تدمر القوات الروسية وهي في طريقها لتطويق شِبه كامل لعدد من المدن الأوكرانية، البنى التحتية الحيوية، متبعة نهج بوتين المدمر للحَجَر والبَشَر، وتشير الأرقام إلى أن عدد اللاجئين وصل إلى حوالَيْ 3 ملايين إنسان خلال أسبوعين، ثمانون ألفاً منهم وصلوا في اليومين الماضيين.
بولونيا ورومانيا هي الدول التي تستقبل اللاجئين، وبحسب تقرير الإعلامي التركي الخبير كمال أوزتورك الذي كان شاهداً خلال الفترة الماضية في مدينة لييف، فإن الهجرة تنتقل من المناطق الساخنة إلى لييف، حيث تعتبر الأخيرة نقطة تجمُّع, ثم ينطلق الفارون من قنابل بوتين نحو الحدود البولونية أو الرومانية.
ويشير أوزتورك إلى أن إمكانيات الدولة البولونية أفضل، ولكن في كِلا الدولتين المجتمع المدني يعمل بشكل جيد.
التهجير ودفع الناس لترك بيوتها تكتيك ذو ماركة مسجلة لبوتين، وكما حدث في سورية، ينتهج اليوم هذه السياسة للضغط على الغرب، ويستخدم البشر كسلاح، ومن جهة أخرى يبدأ العمل على الهندسة الديموغرافية، وتقليل عدد المواطنين الأوكرانيين الرافضين للتدخل الروسي.
بوتين يدشن حرباً لا تفهم لغة، يسير بخطوات لا تراجُع فيها، والتاريخ يشهد دائماً بأن الدكتاتورية لا تصغي، ولا تهتم بالناس، على مبدأ “مَن يريد السكر لا يعد الأقداح” أو “مَن يفكر بالعواقب لا يصل”. فعل ذلك في سورية وسط صمت العالم، وجرّب أسلحة محرمة دولياً، وسمح للنظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهو اليوم يقول: إنه يستقدم مرتزقة من الشرق الأوسط، ويقصد سورية على وجه الخصوص.
الحرب الجديدة، بدأت تعتمد على المرتزقة، حيث لا يحمّله ذلك عبء مسؤوليات تترتب عليه في حال موتهم، ولا من حيث تعويض أُسَرهم أو تكريمهم، ولا رواتب دائمة لذويهم. وإن كانت الأخبار تفيد بتذمُّر بعض القادة من الجيش الروسي، ولكن كيف لرجل يحكم روسيا بقبضة من حديد منذ أكثر من عَقْدين أن يصغي لذلك؟ هو مثل كل الطغاة، يظن أن ما يفعله هو عين الصواب، ولا يتردد بإطاحة كلّ مَن يقف في وجهه. لا يصغي لأحد ولا يرى أحداً.
بالمقابل يستمر الغرب بسياسة العزلة، ويُدخل أسلحة أخرى لصدّ الحرب. وذلك من خلال تطبيق عقوبات اقتصادية ورياضية وموسيقية، فوفقاً لتقرير مراسلة “نيويورك تايمز” قبل يومين، ناتشا فورستبنك, فإن “جولدمان ساكس” أول بنك أمريكي كبير يغادر روسيا بعد أن فرضت الحكومات الغربية مجموعة من العقوبات تهدف إلى شل الاقتصاد الروسي. كما علقت سلاسل الفنادق حياة وهيلتون أعمال التطوير، وقالت شركة “هيتاشي” اليابانية الضخمة بأنها علقت الصادرات إلى روسيا وتوقف التصنيع مؤقتاً.
وبدأت الحكومة البريطانية تجميد أصول سبعة من القلة الأولغيشارية الروسية، بما في ذلك الملياردير رومان أبراموفيتش ، مالك نادي “تشيلسي” لكرة القدم، والملياردير أوليج ديريباسكا، قطب الألمنيوم المرتبط بعلاقات مع بوتين.
وفي عالم الموسيقى، تعمل أقوى الشركات في عالم الموسيقى المعروفة باسم التكتلات القياسية الثلاثة الكبرى والعملاق المتجول لايف نيشن على قطع العلاقات مع روسيا وكذلك ألغى فنانون مثل غرين داي الحفلات في روسيا.
الرئيس جو بايدن يقدم حزم العقوبات على شكل دفعات، وباتت روسيا أكثر دولة يطبق عليها العقوبات خلال أسبوعين. يقول بأنها مؤثرة ولكن تحتاج إلى وقت، ولا نعلم هل يكون بمقدور الشعب الأوكراني والعالم الصبر على ذلك؟
بوتين لم يقف مكتوف الأيدي حول هذه الخطوات والإجراءات، مع أن روسيا تربعت في غضون أسبوعين على قائمة الدول المعاقبة كما ذكرت، إلا أن بوتين فتح الباب لتأميم أصول الشركات الغربية التي انسحبت من روسيا، وحث كبار المسؤولين على التصرف بحزم للحفاظ على الوظائف.
السيدة كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، طالبت “وارسو”، بفتح باب جرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا. وقالت: “يجب التحقيق مع روسيا بشأن جرائم حرب محتملة في أوكرانيا”. وليس لديها أي “شك في أن عيون العالم تتجه إلى هذه الحرب وما فعلته روسيا فيما يتعلق بالعدوان وهذه الفظائع”.
والسؤال اليوم، مع دخول الحرب يومها السابع عشر: هل نجحت العقوبات في منع النظام السوري أو الإيراني من ارتكاب المجازر؟ وهل يكفي الدعم المُقدَّم من وَقْف عدوان بوتين؟
نشهد حرباً شاملة بأسلحة متعددة، رياضياً وفنياً، واقتصادياً، ولكن السلاح المدمر ما زال يفتك بالبشر والحَجَر. هي إذاً حرب خرساء عمياء، لا تخضع لقواعد وقيم، ولم تعد الحرب تعني دولة دون أخرى، وخاصة حين تكون الدولة الغازية والدولة المتعرضة للغزو، أكبر دولتين في أوروبا، وتُقدِّمان ثلث احتياجات الغذاء للكثير من دول العالم كالجزائر ومصر وإسرائيل وغيرها، بالإضافة إلى أن أوروبا تعتمد على الطاقة الروسية بشكل كبير.
والأهم من ذلك، أن في أوكرانيا محطات نووية، ومراكز بيولوجية مهمة، وبدأت بعض الأخبار تشير إلى وجود تسريبات منها, وهذا يعني أننا -لا سمح الله- أمام كارثة فيروسية جديدة.
المحللون الأتراك يقولون بأن بوتين سيخسر، ولكن العالم أيضاً يخسر، وإن لم يتم معالجة ذلك بطرق أكثر نجاعةً فسيصل عدد المهجَّرين إلى عشرات الملايين إنْ طالت الحرب.
إنها حرب عمياء خرساء، وأمام هذا المشهد المؤلم، لا يسعنا نحن -السوريين- إلا أن نقف كما العراقيين والفلسطينيين والصوماليين, لنقول: هذا شعب جديد ينضمّ إلى قافلتنا الحزينة.
المصدر: نداء بوست