الجرائم الناعمة والجرائم الخشنة

بسام شلبي

في عام ٢٠٠٢ جئت مغتربًا إلى دولة الكويت وقد تواجهت في نقاش مع احد الشخصيات العامة من الاخوة الكويتيين كان يصب جام غضبه على العرب و الأمة العربية من المحيط الى الخليج و من الاجداد الى الاحفاد لمسؤوليتهم في غزو الكويت (وهو يمثل فئة محدودة من الشعب الكويتي و ظلت تتقلص مع الزمن)

لا أعرف كيف استطعت ضبط اعصابي لسماعه حتى النهاية رغم أن كلامه كان في قمة الاستفزاز. ثم طلبت منه ان يسمعني حتى النهاية. واعدت له ترتيب الاحداث الاخيرة التي سبقت الغزو الغاشم واهمها.

ان الصحافة الغربية و الأمريكية خصوصا قد هونت من الخلاف في مقالاتها وتحليلاتها و استبعدت احتمال الغزو او العدوان العسكري و لم تعكس حقيقة التوتر في المنطقة عن قصد او غير قصد (و أظنه عن سبق اصرار و تعمد).

اطلقت السفيرة الأمريكية في العراق تصريحا علنيا غريبا -قبل ايام من الغزو- ردا على سؤال ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة في حال نشوب حرب؟ بقولها: أنه لا يوجد إتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة و الكويت.

و هذا يعتبر في عرف السياسة ضوءاً أخضر صريح، حيث لم تلجأ الى الإبهام او المناورة السياسية و حقلها واسع.

أعلنت الولايات المتحدة أن صور الأقمار الصناعية التي القتطها لمناطق جنوب العراق من البصرة الى الحدود الكويتية لا تفيد بأن التشكيلات العسكرية العراقية في وضعية هجومية.. هذا قبل يومين من بدء الحرب (ثم قالوا لاحقا بأن صدام استطاع خداعنا) و هذا كذب صريح و غير معقول، و هم من خدعونا.

و أخيراً: فقد كان هناك عدة مبادرات للوساطة العربية لحل الخلاف أهمها المصرية و الأردنية و قد تم سحبها بضغط أمريكي -عرف لاحقا- و كانت الحجة حينها برغبتها في ترك الوساطة السعودية لتأخذ فرصتها في النجاح.

و قد تم الاجتماع في مدينة جدة في مطلع اغسطت ١٩٩٠ و كانت اغرب وساطة في التاريخ و هنا أنقل الكلام عن عبد الله البشارة احد اعضاء الفريق النفاوض الكويتي و على عهدته: بأن الجانب السعودي اكتفى بجمع الطرفين و الترحيب بهما و كلمة مقتضبة ثم انسحبوا من القاعة لإفساح المجال للتفاوض بين الطرفين في ذروة التوتر السياسي.. و هذا غريب و غير منطقي

و سرعان ما حدث الصدام بين المرحوم الشيخ سعد العبد الله الصباح رئيس الوفد الكويتي مع عزة ابراهيم رئيس الوفد العراقي و انفض الاجتماع و اعطى الدوري اشارة الغزو الغاشم في مؤتمره الصحفي. و لا اظن أن يد الامريكان كانت بعيدة عن كل ذلك..

لا شك أن قرار صدام كان احمق و كان جريمة بشعة و خشنة جرت على الأمة الكثير من الويلات خلفت الكثير من الضحايا و الاحقاد.

و لكن جريمة الأمريكان كانت ناعمة و مغلفة بالحرير.. لذلك نالت المليارات مع الشكر مقابل اعادة بلد مدمر. ما اشبه اليوم بالبارحة مع قليل من الفوارق في غزو روسيا لأوكرانيا

فجريمة بوتين خشنة وقحة و جريمة الغرب مغلفة بالحرير و السولفان جميلة شعارها البراق حرية الشعوب في اختيارتها و تحديد مستقبلها عندما يتعلق الامر بأوكرانيا لكنه لا يكون كذلك عندما يتعلق بفلسطين او افغانستان او كوبا او مالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى