ورشة عمل الدوحة بين الواقع والمأمول

رأي الملتقى

تنعقد في الدوحة خلال اليومين القادمين، ورشة عمل كبرى دعا إليها السيد رياض حجاب رئيس مجلس الوزراء السوري المنشق عن النظام السوري، حيث يتوافد هذه الأيام  الكثير من الشخصيات الوطنية السورية المنتقاة إلى قطر، ضمن عملية مساهمة (وعلى مدى يومين متواصلين) في إعادة إنتاج توافقات وتفاهمات سورية جديدة قد تنتج منصة سورية ما، أو تعيد إنتاج ماهو متوفر، حتى الآن، ضمن حالة من الستاتيك السوري المعارض، لم يستطع خلال السنوات الأخيرة والمنصرمة التقدم ولا بوصة واحدة نحو عمل جمعي جماعي يوازي دماء الشهداء، أو يعيد بناء صرح معارضة ثورية تمسك بناصية العمل الوطني الديمقراطي بعيدًا عن المحاور، وخارج الارتدادات التابعية للمحيط الاقليمي والدولي هنا أو هناك، حتى باتت إعادة وصل ما انقطع بين أطراف هيئىة التفاوض حلمًا غير قابل للتحقق عملانيًا.

لقاء الدوحة قد لايؤدي إلى المأمول منه، وقد لايتنج أي عمل جماعي مطلوب، ومن الممكن أن يخرج بخفي حنين وذلك للأسباب التالية:

_آلية الدعوة لمثل هذه اللقاءات لم تكن على الأسس المنطقية والوطنية المطلوبة، حيث كانت هناك عملية انتقاء واضحة المعالم لم تشمل إلا مجموعة محددة بعينها من الفاعلين في الثورة السورية.

_الاستمرار بالموافقة على تمويل هذه الدعوات خارجيًا وضمن سياقات المحاور، وعبر مراكز أبحاث ممولة من جهات معينة، يربك أي عمل سوري وطني ديمقراطي من الممكن أن يؤول إلى الافضل ويخرجنا جميعًا من عنق الزجاجة التي ساهمت في وضعنا فيها المحاور الاقليمية نفسها وعينا ذلك أم لم نعيه.

_برنامج عمل الورشة لايوحي بإمكانية الانقلاب على جل الحالة المُعارِضة الحالية ولا تعطي أي أمل في الوصول إلى توافق وطني، قد تكون الحالة الوطنية الثورية بأمس الحاجة إليه في هذه الظروف المتعثرة والمتوقف فيها كل شيء إلا المقتلة الأسدية.

_الذهاب إلى الدوحة بينما تُترك هيئة التفاوض متوقفة منذ سنتين أو يزيد، دون القدرة على تفعيلها بالرغم من التعثر والمراوحة بالمكان ضمن كل حالات التفاوض من اللجنة الدستورية إلى أستانا إلى مسار جنيف المجمد كلية، يوحي بأن الهم الأساس لمن ذهب ومن دعا ليس الوضع الاستنقاعي السوري الصعب.

_كما أن الدعوة من قبل شخصية وطنية مفردة وبعينها، وهي اليوم لاتشكل إجماعًا وطنيًا بغض النظر عن رؤيتها ووعيها لما يجري، يدفع إلى مزيد من الانقسامات والتكتلات والتجمعات وصولًا إلى الأفضل فيما لو كان.

_الابتعاد عن هموم الناس اليومية كاستمرار القتل في الشمال السوري من قبل نظام الأسد وحلفائه، حيث قتل أكثر من 3500 شخصًا في سورية خلال عام 2021، بينما تسببت العمليات العسكرية للنظامين السوري والروسي بنزوح وتشريد نحو 85 ألف مدني خلال هذا العام.

ووفق تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد تسببت العمليات العسكرية لقوات الحلف السوري الروسي على شمال سورية وجنوبها في نزوح قرابة 86 ألف مدني في عام 2021. وسجلت الشبكة السورية، ما لا يقل عن 113 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، 66 من هذه الهجمات كانت على يد قوات الحلف السوري – الروسي، خلال هذا العام.

_ترك قضية المعتقلين مركونة على الرف حيث يعاني ماينوف عن 400 ألف معتقل من ظروف غاية بالسوء تحت أيدي أجهزة أمنية عصاباتية لا تعرف الرحمة، وتنتج باستمرار مئات آلاف الحالات كحالة صور (قيصر)، يؤكد انفضاض الناس السوريين عن مثل هكذا ورشات عمل أو ندوات لا تحاكي الآلام والآمال لكل السوريين.

_القضية السورية لمعظم الناس السوريين لم تعد تنظيرًا سياسيًا وصياغات نظرية أو متابعة محاضرات، ولا المساهمة في ندوات، بقدر ماتعني الخلاص من هذا الواقع المر الذي يحيق بكل السوريين بين الموت جوعًا أو بردًا أو قتلًا بالصواريخ والبراميل، أو الموت تحت التعذيب في غياهب المعتقلات والمسالخ البشرية.

_من لا يضع نصب عينيه الوصول إلى توافق جدي وجامع لكل السوريين وعقد وطني جمعي وجماعي واجتماعي لايستثني أحدًا، فإنه لن يؤمل منه أي خير، ولا يتتج إلا تكرارًا لما هو منتج خلال سنوات مضت، عاش فيها السوريون أصعب حالات البؤس والقتل تحت أنظار (العالم المتحضر) الذي مازال يعترف بنظام الإجرام الأسدي كنظام ممثلًا بكل هيئات الأمم المتحدة بما فيها مجلس حقوق الإنسان.

لعل هذه الإطلالة على ورشة عمل الدوحة لم تكن تريد الرفض أو النقد لمجرد النقد، بل نحن جميعًا كنا وما زلنا حريصون كل الحرص على نجاح أي تحرك جديد يعيد الأمل ووصل ما انقطع بين السوريين، وينتج عملًا جماعيًا يعيد الضوء في آخر النفق  للسوريين، ويخرجهم من حالات الاستنقاع المرة، يبني ولايبدد، ويقيم صرح الوطنية السورية الحقيقية المنجدلة بعروبتها وبمحيطها العربي والاقليمي المناصر لثورتها ثورة الحرية والكرامة، وهو مالا نجده في مخرجات قد تنتجها ندوة الدوحة في قادم الأيام، ضمن الاطلاع على كنهها وعلى آليات عملها التي لم تغير ولا يبدو أنها ستغير شيئًا في مسارات الواقع السوري وعثاره الكبير. فهل من أمل باعادة إنتاج ذاك العمل الوطني الذي يتجاوز كل الأخطاء التي وقعت بها المعارضة السورية ويبني نفسه على أسس جدية تساهم حقًا وصدقًا في وضع العربة على سكة القطار الوطني الثوري، أم أننا سنبقى نستمر في رصد حالات كحالة ورشة الدوحة بدون أي تغير نحو المطلوب والمأمول سوريًا ووطنيًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى