ماذا تبقى من شعارات الثورة الايرانية وأدواتها ومنهجها

د.مخلص الصيادي

تحت هذا العنوان قدم الكاتب السياسي الفلسطيني صالح عوض “في موقع أمد”  قراءته  لمسار الثورة الايرانية، ومنحى وظروف  انتقالها من حدث ثوري يضفي على الواقع الإيراني وعلى المحيط الاقليمي والدولي كذلك متغيرا مهما إلى نظاماً من أنظمة القهر والاستبداد والعدوانية داخلياً وإقليمياً، وأداة من أدوات السيطرة والتنافس الدولي على هذا المحيط.

القراءة التي تأتي والثورة الإيرانية تقترب من ذكراها السنوية  هي بعمومها تمثل رصدا موضوعيا لهذا المسار والانتقال من واقع واستهداف إلى نقيضه، والكاتب يرصد أسبابا محددة لهذا الانتقال والتحول.

لكن هذه الدراسة، وهذا الرصد المهم اعتراه نقص حقيقي جعل تلك الأسباب المشار إليها كمبررات لهذا الانتقال قاصرة عن تقديم إجابة شافية على سؤال التحول، وهو تحول – كما يرصد الكاتب – من الشيء إلى نقيضه، وفي كل شيء.

ولعلي أختصر ما افتقدته في الدراسة بنقاط محددة:

1- لم تلحظ هذا الرؤية، ولم يلحظ هذا التحليل اعتماد الثورة الايرانية نظرية “ولاية الفقيه”، وهي نظرية تجعل النظام الإيراني ممثلا للشيعة في كل العالم، وتجعل من وظائفه  “استرداد / استرجاع” المسلمين السنة إلى الإسلام الصحيح وهو هنا الإسلام الشيعي. أي أن هذه النظرية تضع النظام الإيراني بمواجهة مجتمع المسلمين كله، باعتبار أن ثمانين بالمئة من هؤلاء هم سنة، وينصب نفسه قائدا لهم، ومصححا لنقصهم وقصورهم العقدي والتشريعي.

إن عتو موقف طهران وسياساتها  العدوانية التي تعمل على تفتيت المجتمعات العربية والاسلامية تستند نظريا إلى هذه النظرية، فإذا أضفنا إليها أن نظرية “ولاية الفقيه” تجعل الولي الفقيه بمرتبة المعصوم يصبح لهذا الولي الفقيه قدسية غير قابلة للمراجعة أو النقد أو التقويم. وبالتالي تصبح مهمة النظام السياسي القائم هي إنفاذ رؤية الولي الفقيه، والعمل على نيل المشروعية منه.

إن هذه الحقيقة تفسر لنا كيف أن كبار المسؤولين في النظام الايراني كمثل  رئيس الجمهورية (هاشمي رفسنجاني، محمد خاتمي، حسن روحاني ) يكون منصاعا لموقف الولي الفقيه، ولا يظهر نقده وتعارضه إلا بعد أن يغادر موقعه، وتنتهي مسؤولياته.

2- ولا يلحظ رصد الكاتب أثر العصبية الفارسية في سياسات النظام الايراني، سواء داخل إيران، أو على المستوى الإقليمي والدولي.

إن فارسية نظام طهران تتبدى من خلال العنصرية التي يواجه  بها العرب داخل إيران وخصوصا في منطقة الأحواز العربية التي احتلها النظام الفارسي  عام 1925،

كما تتبدى هذه العنصرية في الاحتقار الذي يبديه نظام الملالي للعرب والعروبة، وللتاريخ العربي الإسلامي ورموزه المختلفة، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى العهد الراشدي والأموي والعباسي إلى قادة هذا التاريخ ورموزه بدءا من خالد بن الوليد حتى نور الدين زنكي وصلاح الدين، قبل أن نقف على رموز العصر الحديث، مع تعظيم لرموز العصر الشاهاني في التاريخ الإيراني.

وما يقوم به أتباع النظام الإيراني في العراق وسوريا واليمن من إثارة الأحقاد. وتدمير شواهد تلك الحضارة ورموزها، واستثارة النعرات والعصبيات كلها تصب من مسار العصبية الفارسية.

3- ومما لا شك فيه أن مراكز القرار الغربية كانت دافعا لتفجر الحرب العراقية – الايرانية، لأسباب كثيرة، لا مجال للخوض فيها هنا، لكن بالتأكيد لم تكن تستهدف انهاء النظام الايراني، كمثل ما فعلت بالنظام العراقي الذي لم تجد طريقة لانهائه إلا بالغزو المباشر.

 ومما لا شك فيه أيضا  أن دولا  إقليمية عدة كان تفجر هذه الحرب في مصلحة نظمها. بل ودفعت إليها، لكن أيضا مما لا شك أن النظام الإيراني وضع في مخططه إسقاط نظام بغداد بالقوة، والسيطرة على هذا البلد العربي،أي أن هدفه وهدف النظام الغربي في اسقاط النظام العراقي بات متوافقا ، ولما لم يتحقق للنظام الإيراني  ذلك مباشرة، أمكن له تحقيق هذا الهدف استنادا إلى الاحتلال الأمريكي للعراق. واستنداد للقوى الطائفية المتفرسة التي جاءت مع دبابات الاحتلال والتي باتت تمثل يد  إيران في إحكام السيطرة على العراق.

4- إن ما سبق يسمح لنا بإعادة مناقشة فرضية أن الثورة الايرانية كانت في جوهرها  عملية تغيير “ثورية حقيقية”، وأن ما أصابها لاحقا إنما تم بحكم ما أحاط بها من ظروف وضغوط، وما فقدت لاحقا من قيادات.

مهم أن ننتبه هنا أن “الوجه الآخر” لهذه الثورة بدأ يظهر في  وقت كان الخميني ما زال موجودا وقابضا على السلطة، وأن الدستور الإيراني الصادر في العام ١٩٧٩ كان دستورا طائفيا حدد مذهب الدولة الإيرانية بالمذهب الشيعي الاثني عشري، وأن النظام الإيراني في عهد الخميني لم يسمح بإقامة مساجد لأهل السنة في طهران رغم وجود 30% من الإيرانيين سنة، ولا يعرف تسلم أحد أهل السنة لأي منصب مهم في الدولة الايرانية الجديدة.

إن هذا كله أدعى لأن يتوقف الباحث عند “مفهوم التقية” في إظهار مواقف وسياسات قادة الثورة الايرانية. أي أدعى إلى اختبار فرضية أن قادة هذا النظام كانوا منذ البداية طائفيين عنصريين، وأما ما رصده الكاتب من عوامل أرجع إليها ما حدث للثورة من تحول إن هو إلا أمر عارض ليس أكثر.

لا يعلم ولا يفهم كيف يمكن أن ننتصر لفلسطين ونحن ندمر ونفتت مجتمعات  الدول العربية المحيطة بفلسطين،

لا يعلم ولا يفهم كيف يمكن أن ننتصر لفلسطين في ظل هذا الهجوم الضاري على كل قيم ومظاهر وشواهد الحضارة والوجود العربي الاسلامي، ومحاولة تقزيمه ليكون ممثلا بهذه الرؤية المذهبية القاصرة.

لا يعلم ولا يفهم كيف يمكن أن ننتصر لفسطين ونحن نبذل الجهد لإبقاء العراق – الثري جدا – منهوبا لمصلحة الطائفية الإيرانية، وفقيرا يتسول ما يستطيع من مساعدات، ويتكرر الأمر نفسه في اليمن ولبنان وسوريا.

لا يفهم ولا يعرف كيف يمكن الانتصار لفلسطين والعمل ماض في قتل مئات الآلاف من السوريين في سجون نظام الاستبداد والفساد المدعوم إيرانيا، والعمل ماض في تهجير السوريين حتى بات المهجرين السوريين في صدارة المهجرين واللاجئين في العالم.

الموقف من نظام الملالي الإيراني يحتاج إلى تقييم حقيقي، تقييم ينزع عنه غلاله صدامه الظاهري مع الصهيونية والامبريالية، ويظهره على حقيقته كنظام طائفي عنصري يتنافس وتلك القوى في السيطرة على بلادنا وثرواتنا ومستقبلنا، ولن ينجح أحد في تعرية هذا النظام إلا أولئك الذين يقفون في وجه العدوانية الصهيونية والمشروع الغربي.

٣١ / ١ / ٢٠٢٢

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى