هدمت الثلوج التي تساقطت بغزارة ليلة أمس الأول الكثير من الخيام على رؤوس ساكنيها في مخيمات الشمال السوري، ومع انقشاع الليل انكشف حجم الكارثة الإنسانية التي لحقت بهؤلاء النازحين، فمن سلمت خيمته من الثلوج لم تسلم من تسرّب المياه، وكل الوسائل المتاحة للتدفئة لم تعد تنفع مع الانخفاض الكبير في درجات الحرارة.
تمزّقت خيمة أمامة محمد التي تقيم في مخيم البلال بمنطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي جراء كثافة الثلوج. تتحدث أمامة لـ”العربي الجديد” عن مأساتها وتقول: “تمزقت الخيام فوق رؤوسنا، فأين نذهب؟ نحن بحال يرثى لها. نحتاج إلى بيوت تقينا البرد والثلج والصقيع. تعبت عيوننا من البكاء”.
ويتحدث النازح أحمد عواد، المقيم في المخيم ذاته،عن الوضع المأساوي في خيمته. يقول لـ”العربي الجديد”: “الفرش تبلّلت كلها بالمياه، والشادر (غطاء للخيمة) تمزق جراء تساقط الثلج المستمر عليه. جميع الأغراض والمواد تضرّرت في الخيمة والمياه تسرّبت إلى داخلها. الحالة مأساوية”.
في مخيم المحطة القريب من بلدة راجو بمنطقة عفرين قطعت الثلوج الطرقات عن المخيم، وطوقت خيامه من جميع النواحي. كما تسببت الثلوج بهدم عدد من الخيام مجبرة قاطنيها على الهروب والاختباء في خيم جيرانهم التي لم تصبها أضرار، للاحتماء والمبيت لديهم.
مشهد “الحصار” نفسه تكرّر في مخيم قلعة هوري بريف عفرين، حيث تراكمت الثلوج بكثافة وتجاوز ارتفاعها 30 سنتيمتراً، متسببة أيضاً بهدم العديد من الخيام داخل المخيم. يقول أحد النازحين المقيمين في المخيم لـ”العربي الجديد” إن “الأولاد بالكاد يتحمّلون البرد. نستخدم الحرامات التي من المفترض أن نتدثّر بها من البرد لنضعها فوق الشوادر الممزقة. فعلياً، نحن نقيم في العراء”.
من جهته، يؤكد الناشط خضر الحمصي لـ”العربي الجديد” أن التساقطات الثلجية الكثيفة حصلت في منطقة عفرين، والمخيمات في المنطقة هي الأكثر تضرراً بالمقارنة مع مخيمات النازحين في إدلب، التي لم تشهد تساقطات ثلجية بل تساقطات مطرية فقط. في المقابل، يشير فواز العليوي وهو مدير مخيم “الأيادي” في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن الأضرار في المخيم كانت خفيفة جراء هطول الأمطار، حيث تسربت المياه إلى بعض خيام النازحين.
أوضاع النازحين في المخيمات مأساوية
يقول مسؤول القسم الإعلامي في فريق “ملهم” التطوعي،عبد الله الخطيب، لـ”العربي الجديد” إن الوضع في مخيمات الشمال السوري مأساوي جداً، مع وصول العاصفة الثلجية إلى المنطقة، مشيراً إلى أن العاصفة ضربت صباح أمس الأربعاء الكثير من المناطق. يتابع الخطيب: “خلال جولتنا الليلية في المخيمات كان الأهالي يعيشون حالة من الذعر بسبب خوفهم أن تسقط الخيام فوق رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، كون الخيام مهترئة وعمرها سنوات. هم يرقعونها طوال الوقت لكن حالتها باتت يرثى لها. لم ينم النازحون أبداً في هذه الخيام خلال الليل، بل انهمكوا في إزالة الثلوج من فوق خيامهم”.
يشرح الخطيب أن الكثير من المخيمات تقع في أراض زراعية بعيدة عن الطرقات الرئيسية. وقد انقطعت كل الطرقات المؤدية إليها وبات النازحون في هذه المخيمات “منفيين”، وانشغلت فرق الدفاع المدني بفتح الطرقات إلى هذه المخيمات. يشير إلى أنه “مع انقطاع الطرقات تنقطع إمدادات المياه والخبز عن المخيمات، وتصعب مغادرتها باتجاه المشافي، في وقت يحتاج فيه النازحون إلى كل شيء”. ويضيف: “نحن كفريق نعيش حالة من العجز. مواد التدفئة التي نقدّمها للنازحين في المخيمات تكاد لا تذكر أمام هول الكارثة. عدد من مشاريعنا السكنية على وشك الإنتهاء ولكننا لا نقدر استيعاب أكثر من 500 عائلة، وهي نسبة ضئيلة جداً لعدد المخيمات في الشمال السوري، التي يقطنها أكثر من مليون نازح”.
في المقابل، يؤكد مدير فريق “منسقو استجابة سورية” محمد حلاج لـ”العربي الجديد” أن “عدد المخيمات المتضررة بشكل أولي جراء التساقطات المطرية خلال الساعات الماضية بلغ 47 مخيماً، وتتفاوت الأضرار بين المخيمات، مع تركز الأضرار الكبرى في مناطق ريف حلب الشمالي ومناطق المخيمات عند الحدود السورية التركية”. ويلفت حلاج إلى أن “حجم الضرر يتراوح بين جزئي وكلي وذلك بحسب نوعية الخيام، بحيث تضررت 69 خيمة بشكل كلي، بينما بلغ عدد الخيام المتضررة جزئيا 291 خيمة”. ويؤكد حلاج أن عمليات الاستجابة من المتوقع أن تبدأ بمتابعة الأضرار بعد فتح الطرقات وتقييم حال المخيمات.
تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لبيان صدر أمس الأربعاء عن الفريق فإن زيادة الأضرار ضمن المخيمات سببها عدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة قبل حلول فصل الشتاء، وتكرار الأضرار السابقة، وعدم وجود حلول فعلية من قبل المنظمات الإنسانية لتلافي تلك الأضرار. وأكد البيان أن “بقاء المخيمات حتى الآن في وضعها الحالي هو أكبر أزمة فعلية ضمن الأزمة الإنسانية في سورية”.
المصدر: العربي الجديد