تهدف إلى تشجيع النمو الديموغرافي وجعلها عاصمة للطاقة المتجددة حتى 2030
ابتسامة عريضة ونظرة مفعمة بالتفاؤل بدت على وجهي الزوجين الشابين نيكول وغابي، عندما تلقيا خبر قبولهما في برنامج “المزرعة العائلية الصغيرة” من المجلس الإقليمي للمستوطنات في مرتفعات الجولان، حيث تمنح دائرة أراضي “إسرائيل” مساحات واسعة من الأراضي المستصلحة تقدر بنحو 30 مليون متر مربع للمستوطنين الجدد.
وسيخضع الزوجان اللذان يعملان في الهندسة الزراعية لبرنامج استيعاب مكثف يستمر سنتين إلى خمس سنوات، لفحص قدرتهما على التكيف مع الحياة الجديدة، قبل منحهما الامتيازات والخفوض المقرة، تبدأ بالانتقال إلى إحدى المستوطنات والسكن في بيت للإيجار، يجري خلالها التعارف بينهما وبين سكان المستوطنة الذين يساعدونهما في وضع خطط وبرامج مستقبلية ملائمة لبناء علاقات انتماء قوية مع البيئة الجديدة، ودمجهما تدريجياً في الجمعيات التعاونية والاتحادات الزراعية بما يضمن استمراريتهما، إذ يشرف المجلس الإقليمي للمستوطنات هناك على تقدم تلك العائلات قبل منحها المصادقة التامة على بناء منازل ثابتة، بحسب حاجة ورغبة كل مستوطنة من القادمين الجدد.
مضاعفة عدد المستوطنين
الوحدة السكنية الجديدة التي يأمل الزوجان بامتلاكها قريباً جاءت ضمن مخطط حكومة الاحتلال الإسرائيلية الجديد الهادف إلى مضاعفة عدد المستوطنين الذين يعيشون في الجولان السوري المحتل من 27.000 نسمة إلى 100.000، من خلال الاستثمار في مشاريع استيطانية تنموية مختلفة بقيمة مليار شيكل (317 مليون دولار)، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت خلال اجتماع وزاري خاص عقد في تجمع “ميفو حماة” في الجولان الأحد الماضي، عن خطط بناء حيين جديدين في بلدة كتسرين (كبرى المستوطنات الإسرائيلية بالهضبة) يضمان 3300 وحدة سكنية، إضافة إلى بلدتين جديدتين سيطلق عليهما “آسيف” و”مطر”، ولكل منهما نحو 2000 وحدة سكنية.
وقال بينيت في بداية الجلسة، “هذه هي لحظتنا، هذه هي لحظة الجولان. بعد سنوات طويلة وثابتة في ما يتعلق بنطاق الاستيطان، هدفنا اليوم هو مضاعفة الاستيطان في الهضبة”.
وأضاف، “بعد سنوات من الحرب الأهلية في سوريا يدرك العالم بأسره أنه من المفضل بقاء المرتفعات هادئة وخضراء ومزدهرة. ويدرك العمال المحليون بالفعل أن الجولان يمكن أن تكون خياراً رائعاً لأولئك الذين يفضلون الهواء النقي والمساحة وجودة الحياة”.
وقال وزير القضاء الإسرائيلي جدعون ساعر إن “هذه فرصة لتحديد مستقبل الجولان على مدى أجيال، وتأكيد أنها جزء لا يتجزأ من إسرائيل”، معتبراً أن الحكومة الإسرائيلية وضعت هدفاً واقعياً لها بمضاعفة الاستيطان في الهضبة.
واقع جديد
وتتضمن الخطة بحسب بينيت تخصيص 576 مليون شيكل (183 مليون دولار) لبناء 7300 وحدة سكنية جديدة خلال خمس سنوات، و160 مليون شيكل (51 مليون دولار) لتحسين البنية التحتية وتطوير جهازي الصحة والتعليم في الجولان، و162 مليون شيكل (51 مليون دولار) لبنية تحتية سياحية، وتطوير مراكز صناعية وتجارية.
إضافة إلى ذلك، صادقت الحكومة على حزمة مساعدات ستشمل للمرة الأولى منذ اندلاع أزمة كورونا، مساعدة مخصصة للمرشدين السياحيين في الهضبة بمبلغ 25 مليون شيكل (8 ملايين دولار)، لتغطية الجولات المدعومة للجمهور، و60 مليون شيكل (19 مليون دولار) لمنظمي السياحة الوافدة، و150 مليون شيكل (48 مليون دولار) إضافي للفنادق السياحية.
رفيق إبراهيم أحد وجهاء الجولان السوري يقول لـ “اندبندنت عربية”، “لا نكترث بخطط بينيت ومن سبقه في السيطرة على المرتفعات. نحن أكدنا في الماضي ونشدد اليوم وإلى الأبد أن انتماءنا عربي سوري فقط، ولا تزعزعه كل المحاولات لفرض أي هوية إسرائيلية علينا وعلى أرضنا، كما أن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراضينا حبر على ورق وقرار باطل ومجرد، فلا أحد سوانا يقرر انتماءنا وهويتنا، ونقول لإسرائيل التي تضرب بعرض الحائط كل المواثيق الدولية التي تؤكد عروبة الجولان السوري، إن لكل ظالم نهاية”.
وكتب عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي أحمد الطيبي، من حزب “القائمة المشتركة” في تغريدة عبر “تويتر”، “لا يهم عدد اجتماعات مجلس الوزراء التي تعقد في الجولان، هذه أرض سورية محتلة. جميع أطراف الائتلاف يتحملون مسؤولية القرارات التي اتخذت خلال اجتماع الحكومة، وكذلك مسؤولية تعميق المستوطنات وعنف المستوطنين.”
تهديد وغضب
وفي الوقت الذي عبر فيه أهالي الجولان الذين يقدر عددهم بـ 26.000 نسمة، عن غضبهم واستنكارهم خطة المليار الإسرائيلية، وهددوا بسلسلة من الاحتجاجات، وصف وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في حديثه إلى محطة الإخبارية التلفزيونية السورية تصرفات إسرائيل ضد سوريا بأنها “إجرامية”، مؤكداً أنها تنتهك قرار الأمم المتحدة رقم (497) لعام 1981 الذي أعلن بطلان ضم إسرائيل للجولان.
وقالت وكالة “سانا” التابعة للنظام السوري إن الحكومة السورية تدين بشدة “التصعيد الخطر وغير المسبوق” من إسرائيل في الجولان، مضيفة أن دمشق ستسعى إلى استخدام كل الوسائل المتاحة قانونياً لاستعادة الأراضي.
واعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الخطة الإسرائيلية تمثل “انتهاكاً صارخاً” للقانون الدولي الذي يعتبر المرتفعات أرضاً سورية محتلة في عام 1967، وذلك بحسب بيان صدر عن الجامعة العربية في 27 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، طالب المجتمع الدولي برفض وإدانة هذه الممارسات والضغط على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية التي أكدت وجوب الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها الجولان.
الاتحاد الأوروبي بدوره أكد عدم وجود تغيير في موقفه إزاء المنطقة، وقال إنه لا يعتبر الهضبة “جزءاً من الأراضي الإسرائيلية”.
بينما شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على سيادة سوريا على مرتفعات الجولان التي سيطرت إسرائيل على ثلثي مساحتها البالغة 1200 كيلومتر منذ حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وبنت عليها 33 مستوطنة يعيش فيها اليوم قرابة 27.000 يهودي.
عاصمة الطاقة
خطة بينيت المثيرة للجدل لم تقتصر على مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان وتحديث البنية التحتية وإنشاء مجتمعات وأحياء جديدة، بل أشارت أيضاً إلى خلق 2000 فرصة عمل جديدة من خلال تحويل المنطقة إلى “عاصمة تكنولوجيات الطاقة المتجددة في إسرائيل”، وذلك بإنشاء عدد من مشاريع التكنولوجيا الزراعية، بما في ذلك مشاريع الطاقة الفولتية.
وأعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية عبر بيان أنها ستنصب 41 توربينة (عنفات رياح) ضخمة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح في الأراضي الواقعة بين قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية، يصل ارتفاع الواحدة منها إلى 200 متر، “وهي أكبر توربينات يجري بناؤها في إسرائيل وأكثرها تقدماً حتى الآن”، على حد تعبير الوزارة، وهو الأمر الذي رفضه الأهالي هناك لما يحمله من أخطار على البيئة والزراعة والسياحة والتطور العمراني.
ويقول رئيس لجنة زراعة الجولان هايل بطيحش، “المشكلة تكمن في الترددات المغناطيسية التي ستخرج من تلك التوربينات وستضر الزراعة والطبيعة بشكل كبير، فالزراعة مصدر رزق عائلات كثيرة في هذه القرى، كما أن تنفيذ المشروع سيؤدي إلى مصادرة آلاف الأمتار الزراعية الخصبة، بعضها مزروع بالتفاح والكرز، وكذلك إلى إتلاف أراض أخرى هي مصدر رزق أساس للأهالي، وبالتالي ستتأثر غالبية العائلات سلباً. المشاريع الإسرائيلية التي تستهدف الجولان ليست جديدة، ومشروع عنفات الرياح واحد من هذه المشاريع التي تستهدف ضرب الاقتصاد وضرب وجودنا.”
أما المدير العام لوزارة الأمن أمير إيشيل فأكد أن المشروع يحافظ على “الاعتبارات الأمنية لإسرائيل”، وقال “لقد اتخذنا أخطاراً محسوبة وعقدنا الاتفاق من منظور تمكيني، واستثمرنا أيضاً في تطوير الحلول التكنولوجية التي ستمكن التوربينات من العمل جنباً إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي. الاتفاق الذي جرى توقيعه مع شركة الكهرباء الإسرائيلية يوازن بين جميع الحاجات، وهو مثال آخر على رغبتنا في تعزيز الأمن والاقتصاد والحاجات المجتمعية، إذ سيولد مشروع التوربينات سنوياً 152 ميغاواط من الطاقة، مما سيجعله أكبر مزرعة رياح إسرائيلية من حيث الإنتاج.”
آثار بيئية
وفي الوقت الذي يحظى فيه مشروع “مزارع الرياح” في الجولان بموافقة الحكومة الإسرائيلية وترحيب المجلس الإقليمي لمستوطنات المرتفعات، يعارض مزارعو قرى الجولان الدرزية (طائفة عرقية) وناشطون بيئيون عرب ويهود هذا المشروع.
منظمة حماية الطبيعة الإسرائيلية أشارت بدورها إلى أن إنشاء مستوطنات جديدة وما يحيط بها من توربينات هوائية يدمر المساحات المفتوحة، ويستنزف موارد المنطقة المليئة بالمحميات الطبيعية والحياة البرية، بخاصة على الحيوانات والطيور والخفافيش.
وتعتقد جمعية حماية الطبيعة أنه لا ينبغي الترويج لمزارع التوربينات الجديدة حتى الحصول على المعلومات الكافية حول آثارها وإيجاد بدائل عن تأثيراتها.
جمعية “حراس الجولان” الإسرائيلية التي تنشط في المجال البيئي زعمت أنه إضافة إلى الأضرار الطبيعية والصحية التي تسببت بها التوربينات، جرى الترويج للخطة من دون شفافية ومن دون مشاركة السكان المحللين، ويجري الإعداد للمشروع رغم أنف سكان الجولان.
وقال يوسي موسعاد من مستوطنة ميفو حماة لموقع “واي نت” الإسرائيلي، إن “الاقتصاد في الهضبة يعتمد بشكل أساس على الزراعة والسياحة، وهما صناعتان تأثرتا جداً بالأزمات الأخيرة. الجولان بحاجة إلى أن يخلق مصدر اقتصاد إضافي خاص به، ونحن نرى أن مشروع التوربينات يساعد في تشجيع الهجرة إلى المرتفعات ويسهم في الازدهار الاقتصادي.”
كرز وتفاح
التوسع الاقتصادي الذي يطمح إليه موسعاد وآلاف المستوطنين على غراره من مشروع التوربينات الهوائية، قضى على ما تبقى من آمال يعلقها المزارعون السوريون على إنتاجهم الزراعي الذي يعاني بالأصل مشكلات خطرة تهدد استمراره، نتيجة منافسة منتوجات المستوطنات الإسرائيلية وتحكمها في السوق، فالحكومة الإسرائيلية تدعم المزارعين في مستوطنات المناطق الشمالية من المرتفعات على زراعة الكرز بكميات كبيرة، إذ يبلغ إنتاجه نحو 7500 طن سنوياً، وتسيطر مستوطنات الجولان على 750 مليون متر مربع، تشمل مجموعة متنوعة من الفواكه من ضمنها الكرز والفراولة والتوت والتفاح والخوخ والنكتارين، وهو الأمر الذي وضع مستقبل الزراعة التي يعتمد عليها المزارعون السوريون في الهضبة أمام تحديات جديدة وخطرة.
ويقول المزارع الجولاني هايل مسعود لـ “اندبندنت عربية”، “بعد الخسائر الهائلة التي شهدها قطاع الزراعة نتيجة تدني الأسعار وارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات والتحكم بالمصادر المائية وإغلاق باب السوق السورية أمام منتوجاتنا الزراعية، وبقائها عرضة للمنافسة الإسرائيلية التي تحقق أرباحاً تصل إلى نحو 500 مليون شيكل سنوياً (161 مليون دولار)، تراجع أبناء الجولان عن الانخراط في هذا القطاع، وهجروه لمصلحة قطاعات اقتصادية أخرى.”
وتغطي زراعة الكرز في مناطق المرتفعات نحو ثلاثة ملايين متر مربع من أراضيه الزراعية التي تبلغ 50 مليون متر مربع، وهي لا تتجاوز ستة في المئة فقط من مساحة أراضي الجولان البالغة 1800 كيلومتر مربع.
ويبلغ الإنتاج السنوي للكرز في قرى الجولان نحو 2500 طن سنوياً، في حين تقدر الدورة الاقتصادية لموسم الكرز بنحو 200 مليون شيكل (64 مليون دولار)، وتحتل زراعة التفاح نحو 20 مليون متر مربع من أصل 50 مليون متر من مجمل مساحة الأراضي المزروعة.
كنز سياسي وأمني
في خطوة لم يعترف بها معظم المجتمع الدولي، ضمت إسرائيل الجولان في 14 ديسمبر (كانون الأول) عام 1981، ومنح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إسرائيل اعترافاً بالسيادة عليها عام 2019، وبعد وقت قصير من تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في يناير (كانون الأول) الماضي، أشار وزير خارجيته أنتوني بلينكين إلى أنه “لا يوجد أي تفكير في تغيير القرار، بخاصة مع استمرار الحرب الأهلية السورية”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت نشر مقالة نهاية الأسبوع الماضي، تحدث فيها عن الخطة الاستيطانية وقال إنها “تأتي لاستكمال ما بدأه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيغن، حين فرض السيادة تل أبيب على الهضبة قبل 40 عاماً”، مؤكداً أن “الجولان ليست مجرد کنز استراتيجي له أهمية سياسية وأمنية، ولكنها جزء مهم من وطننا.”
المصدر: اندبندنت عربية