منذ 10 سنوات قطعت شعرة معاوية بين نظام التطهير العرقي في سوريا وبين حركة حماس والتي كانت حينها تحت قيادة خالد مشعل، هذه الشعرة سبقتها محاولات من أبي الوليد لإصلاح المسار حيث جلس الرجل حينها مع بشار الأسد وسمع الأخير من مشعل نصائح لو سمعها الأسد حينها لكانت الأمور أقل ضرراً على مسار التعاطي الإجرامي مع ثورة الشعب السوري حينها، ومساعي مشعل حينها لوقف التعامل القمعي والأمني مع ثورة الشعب السوري كانت وفقاً لمشعل رداً لجميل النظام الذي احتضن حماس لسنوات طويلة في دمشق وفتح الأراضي السورية لنشاط الحركة السياسي والعسكري.
اليوم وبعد عقد من الزمن يعود مشعل ليطل على لبنان الذي يهيمن عليه حزب الله، وتأتي زيارة الرجل في إطار المهام التنظيمية الداخلية الملقاة على عاتقه منذ انتخابه رئيساً للحركة في الخارج، وهو المسؤول عن إدارة كل الملفات خارج الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسها الساحة اللبنانية والتي تضم عدداً كبيراً من اللاجئين والمخيمات الفلسطينية.
وللمفارقة فإن الزيارة أتت بعد وقوع انفجارٍ في أحد مساجد مخيم برج الشمالي في مدينة صور منتصف الأسبوع الماضي، وما تبعه من أحداث وتطورات أمنية، أبرزها حادثة إطلاق النار على موكب تشييع القيادي الأمني في حماس حمزة شاهين والذي قضى في الانفجار غير المعروفة أسبابه حتى الآن (يقال تفجير مخزن للسلاح تابع للحركة)، ما أدى إلى سقوط ثلاثة ضحايا من عناصر حماس، وما تبعه من اتهام واضح وصريح وجّهته قيادة حماس السياسية إلى جهاز الأمن الوطني الفلسطيني في رام الله، بغية إحداث توترات أمنية داخل المخيمات خدمة لمشاريع مشبوهة.
وهذه الزيارة تشي بمعلومات رفيعة المستوى أنها كانت مقررة منذ مدة بالتنسيق مع إسماعيل هنية رئيس الحركة، وتهدف للإطلالة على المخيمات وزيارة مسؤولين في لبنان بعد أن خرج مشعل من المشهد نتيجة تحالف تيار الأمن مع فريق هنية للإطاحة بزعيمها السابق نتيجة ضغوطات القيادتين الإيرانية والسورية، وخاصة أن الرجل كان فاعلاً خلال ثورات الربيع العربي بدعم المجموعات الثورية في سوريا وغيرها.
وتهدف الزيارة وفقاً للمتابعين إلى تعزيز حضور حماس في المخيمات في ظل صراع محاور تشهده حركة فتح، آخره صراع دحلان مع ماجد فرج، وهذا التوجه أقرته حماس في مكتبها السياسي فأراده خالد مشعل سياسياً شعبياً واجتماعياً في حين يريده يحيى السنوار عسكرياً- أمنياً نتيجة تفكير تاريخي للرجل.
وبالفعل، تولى أسامة حمدان إبلاغ الحاج وفيق صفا بزيارة مشعل لترتيب لقاء مع نصر الله، وخلال تواصل الرجلين لم يخفِ صفا شكوكه بقَبول نصر الله لقاء مشعل، (مزعلنا كتير) يقول صفا لحمدان، بعد يومين أتى الرد، السيد لا يود لقاء أبي الوليد والأفضل إلغاء الزيارة، لا أحد سيتفاعل معها وستسبب أزمة مع الحلفاء وستستفز السوريين.
وعلى الفور أبلغ حمدان إسماعيل هنية برد الحزب إياه، استجمع هنية نفسه وأبلغ المكتب السياسي للحركة “أن لا مصلحة ولا ضرورة لهذه الزيارة وأنها لن تعطي إضافة سياسية لحماس، وستعيد الأمور لنقطة الصفر مع قوىً أعدنا علاقتنا بهم”، رفض مشعل التبرير أصر على الزيارة وطلب من مكتب الخارج التحضير لها.
مشعل صارح أبا مرزوق قبيل أيام من الزيارة، جولة المخيمات والفصائل كافية، ونلتقي بالمفتي دريان ونعيد حضورنا في المشهد الفلسطيني في ظل التطورات الجارية في المخيمات، لكن المفاجأة كانت أن ميقاتي عبر رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن أبدى استعداده لاستقبال مشعل لكن في منزله وليس في السرايا الحكومي، يخشى ميقاتي ازعاج السعودية التي تصنف حماس منظمة إرهابية.
لم يتردد ميقاتي خلال اللقاء عن سؤال مشعل عن تطورات العلاقة مع نظام الأسد، وخاصة أن الأخير أشاد بالمقاومة في غزة خلال الحرب الأخيرة وردت حماس له التحية عبر أسامة حمدان، حاول مشعل خلال اللقاء شرح حيثيات العلاقة مع النظام وكيف تراجع عن وعود أعطاها لحماس لوقف القتل والعنف، لم ينكر مشعل فضل سوريا على المقاومة لكن هذا الفضل اصطدم بالقتل الوحشي الذي لا يمكن أن نكون شهود زور عليه.
لا تخفي أوساط لبنانية الحديث عن ضغوط مارسها الحزب لإفشال زيارة مشعل، والأوساط السياسية تؤكد أن الحزب أجرى مروحة اتصالات سياسية شملت قصر بعبدا وعين التينة وقادة أمنيين لاستباق أي موعد مع مشعل قد يعطى في هذا التوقيت الحساس، وهذا ما سمعته جهات “حمساوية” أن لا موعد والظروف غير مواتية على عكس ما جرى مع زيارات إسماعيل هنية الأخيرة والاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به ووصلت أن تعلق صور لنصر الله وهنية وسليماني في بعض شوارع الضاحية والجنوب.
لم يتردد قيادي في حزب الله باعتبار إصرار مشعل على إجراء الزيارة رغم رفضهم لها تعني أن مشعل لم يتغير، فهو يعاند القدر ويرفض الاعتراف أن خياراته في سنوات خلت كانت خاطئة، وأن سوريا الأسد وفق هذا القيادي انتصرت على الإرهاب الذي كان حليفاً لمشعل (يغمز من قناة الأتراك والقطريين) يدعمونه للإتيان بنظام يحارب المقاومة.
يؤكد هذا القيادي أن “محوره المنتصر” لم يذهب إلى فتح صفحة جديدة مع حماس إلا بعد أن قامت الأخيرة بمراجعة شاملة، هذه المراجعة حذفت من قاموسها “الربيع العربي” وأطاحت بمشعل حينها لصالح فصيل السنوار والذي صارح قياديين في حماس أن ما جرى في سوريا خطيئة ولسنا مضطرين للدفاع عن شعوب فشلت بفرض واقع سياسي جديد.
والسنوار نفسه خاض في نهاية عام 2020 حرباً ضروساً للإطاحة بمشعل في انتخابات مجلس الشورى ومن ثم انتخابات مكتب الخارج، وخاصة أنه تعهد سابقاً للإيرانيين بإزاحة الرجل من باب إغلاق مرحلة 2011-2015 نهائياً، لكنه فشل لعوامل عديدة أبرزها أن أبا الوليد أراد العودة للمشهد لما يمثله لدى شريحة كبيرة من “إخوان فلسطين”.
كما أن جهات إقليمية عديدة كانت حريصة على إعادته للساحة بعد جنوح تيار السنوار-العاروري للتطبيع المفرط مع طهران والضاحية وتحضير أرضية خصبة للعودة لدمشق، والأخيرة وعكس ما يحاول أزلامها في لبنان قوله هي حريصة على إعادة حماس لسوريا ضعيفة وخاضعة ومعتذرة، فيما مشعل لا يرى بذلك ذكاءً سياسياً ويعتقد أن التطبيع الجاري مع الأسد ليس حقيقياً، السعوديون تراجعوا بفعل الضغط الأميركي وتركيا وقطر لم يغيران من موقفهما والشعوب سترجمنا في النهاية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا