عن الاختراق الإسرائيلي المشين لدمشق وطهران

ساطع نور الدين

ما يبدو أنه فشلٌ إستخباراتيٌ متكرر الى حد الملل، هو في الواقع فضيحة مدوية، تكبر مع الايام، وتسيء الى سمعة دولتين تفخران في العادة بقوة أجهزتهما الاستخباراتية والأمنية وتفوقها وتعدد أذرعها.. بقدر ما تمس أمنهما الوطني، الى الحد الذي يعرّي نظامهما السياسي المقاوم والممانع.

ومن معالم تلك الفضيحة، ونتائجها المشينة، أنه جرى التسليم التام، بأن الاختراق الاسرائيلي للعمق السوري والايراني، هو من وقائع الصراع وحقائقه النهائية الثابتة، التي لم يعد يمكن تفاديها او حتى ومواجهتها، بعدما أدرجت كلياً في خانة الخلل الهائل في موازين القوى لمصلحة العدو.. وباتت موضوعا للتندر في كون النظامين في دمشق وطهران يقاومان في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما يقاتلان على الارض.

وإذا كان ذلك الاختراق الاسرائيلي المتزايد للبلدين، يتفادى حتى الآن خرق الخطوط الحمراء المتمثلة بقادة النظامين ورموزهما، فإن ذلك يفرغ الخطاب الرسمي السوري والايراني العالي النبرة من محتواه ويحيله الى مادة للسخرية، ويرفع من شأن إسرائيل أكثر بكثير مما كانت تتوقع أو تحلم في يوم من الايام.

الغارة الاسرائيلية الاخيرة على محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية الاسبوع الماضي، كانت مناسبة لإستعادة تلك الفكرة القديمة، عن خسارة سوريا، ومعها إيران، المتمادية لمناعتهما الاستخباراتية والامنية،(المفترضة)، في مواجهة إسرائيل التي باتت تنفذ غاراتها الجوية والصاروخية، بسهولة مذهلة، وكأنها تقوم بمهمة تدريب لطياريها، من دون أدنى خطر أو تهديد.. سوى التصريحات والبيانات الرسمية التي لا تخرق السكون، ولا تنفي القضاء والقدر.

في تلك الغارة بالذات، ومن دون الحاجة الى تحليل إستخباراتي أو بوليسي، ولا الى أي تقدير للغطاء الروسي للطيران الاسرائيلي، يمكن الجزم في أن عميلاً إسرائيلياً هو في الغالب مسؤول أو موظف في المرفأ رسم خطوطاً ملونة ، فوسفورية على الارجح، على سطح الحاويات التي كانت قد وصلت للتو من إيران، حتى لا يخطئها الطيارون الاسرائيليون. ومثل هذا العميل موجود في كل موقع إستهدفته الطائرات الاسرائيلية على مدى السنوات الثماني الماضية، وألحقت خسائر بشرية محددة، ومادية ضخمة، من الاسلحة والذخائر وحتى صناديق العملات النقدية الورقية( الدولار الاميركي واليورو الاوروبي) التي كانت تحمّل في طهران ولا تصل الى مقاصدها في سوريا ولبنان.

المواجهة الاستخباراتية بين الجانبين، قائمة بالتأكيد، لكن الكفة تميل بشكل راجح جداً لمصلحة العدو الاسرائيلي، الذي يتباهى بهذه القدرات ولم يعد يتورع عن تبني معظم هذه العمليات العسكرية والاستخباراتية، ويروج لشائعات عن أنه أقام شبكات وخلايا ثابتة في البلدين تقدر بعشرات او حتى بمئات العملاء. وبلغ الرقم المسرّب من إسرائيل قبل أيام الى صحيفة “نيويورك بوست” الاميركية ألف عميل في إيران وحدها، لم يغادروا الاراضي الايرانية حتى بعدما نفذوا عمليات خطرة جدا مثل تخريب منشآت البرنامج النووي الايراني أو إغتيال أحد روّاده، او تعطيل شبكات الكهرباء والمياه وغيرها من المرافق الحيوية الايرانية.

وعلى الرغم من طبول الحرب التي تقرع في إسرائيل هذه الايام ضد إيران، إذا ما فشلت المفاوضات النووية في فيينا، فإنه يبدو أن عملياتها الاستخباراتية التي تنفذها في العمق الايراني والسوري، هي الحرب الحقيقية التي تخوضها بلا أي رادع، وبلا أي ثمن، والتي لا تحتاج الى بديل لها.. وربما لا تمتلك القدرة على توفير ذلك البديل.

أحد أهم أسرار تلك الحرب الاستخباراتية، ليس فقط في تحول سوريا وإيران الى حقل رماية إسرائيلي مفتوح، ليلا ونهاراً، بل في كون دمشق وطهران لا تدافعان عن نفسهما بالحدود الدنيا الممكنة في هذا الصدد: على سبيل المثال، لم يعرف يوماً ما إذا كان النظام في دمشق قد إعتقل أو حقق او حاكم أو حكم على أحدٍ من هؤلاء العملاء الاسرائيليين الذين يسرحون ويمرحون في سوريا، وكانوا بالمناسبة، مصدر المعلومات الحاسمة التي تمكن بواسطتها العدو الاسرائيلي من إغتيال عشرات من كبار القادة في حزب الله، سواء داخل سوريا أو في لبنان.

وكذا الامر في إيران، حيث يتم بين الحين والآخر، القبض على عملاء للصهاينة، ليتبين في ما بعد أنهم معارضون للنظام شاركوا في تظاهرات واعتصامات أو كتبوا منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.. وهو ما عزّز مصداقية الخطاب الرسمي الاسرائيلي الذي يهدد يومياً بالمزيد من العمليات الامنية في العمق الايراني، والسوري طبعا، بل يقول صراحة أن تلك العمليات ستستمر بغض النظر عن فرص التوصل الى إتفاقٍ نوويٍ جديدٍ في مفاوضات فيينا.

***

الذئاب الاسرائيلية تعوي، لكن يبدو أن لأجهزة الاستخبارات  السورية والايرانية مهمات أخرى..

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى