هل تمهّد روسيا لعرقلة “باب الهوى” بـ”خطوط التماس”؟

زينب مصري

منذ إعلان قرار مجلس الأمن الدولي تمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية “عبر الحدود” إلى سوريا لمدة عام عن طريق معبر “باب الهوى” الحدودي بين سوريا وتركيا، أرسل برنامج الغذاء العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة قافلتين من المساعدات الإنسانية إلى مناطق الشمال السوري من مستودعاته في مناطق سيطرة النظام.

هذه المساعدات تثير المخاوف في شمال غربي سوريا، من استثمارها روسيًا للضغط نحو إغلاق “باب الهوى” الحدودي مع تركيا أمام المساعدات الأممية، مقابل التحكم بإدخال المساعدات “عبر الخطوط” وليس “عبر الحدود” حصرًا من دمشق.

قافلتان على ثلاث مراحل

في 9 من كانون الأول الحالي، أعلن برنامج الغذاء العالمي عبر “تويتر”، تسيير قافلة مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة من حلب إلى المستودع المتعاقد مع البرنامج في مدينة سرمدا شمالي إدلب، تماشيًا مع قرار مجلس الأمن رقم “2585” في 9 من تموز الماضي.

وأوضح أن المساعدات الإنسانية الموجودة في القافلة البالغ عددها 14 شاحنة تحتوي على مواد غذائية وسلع إنسانية أخرى ستُوزع على المحتاجين من سكان شمال غربي سوريا، وهي مساعدات مكملة للمساعدات المقدمة “عبر الحدود”.

وكانت القافلة الأولى من المساعدات الأممية “عبر خطوط التماس” وصلت على مرحلتين في آب الماضي، وعددها 15 شاحنة نقلت 12 ألف حصة غذائية ضمن خطة لنقل مستودعات تتبع للبرنامج من حلب إلى إدلب.

ودخلت، في 30 من آب الماضي، الدفعة الأولى من المساعدات (ثلاث شاحنات) عبر معبر “ميزناز- معارة النعسان”، الذي حاولت “هيئة تحرير الشام” فتحه بقصد الأعمال التجارية مع النظام، إلا أن الرفض الشعبي للأمر ألغى العملية.

وفي 31 من آب الماضي، دخلت دفعة المساعدات الثانية “عبر الخطوط” من قرية ميزناز غربي حلب إلى قرية معارة النعسان بريف إدلب الشرقي، مكوّنة من 12 شاحنة.

قبول المساعدات تحت ضغط “الفيتو”

أثار دخول هاتين القافلتين من مناطق سيطرة النظام استياء شعبيًا لمرورهما “عبر الخطوط” من معبر داخلي يربط مناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام، واعتبر ناشطون وصول هذه المساعدات تمهيدًا لتحويل مسارها من معبر “باب الهوى” مع تركيا إلى مناطق سيطرة النظام برعاية روسية.

بررت حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي قبول هذه المساعدات بتلويح روسيا باستخدام حق “النقض” (الفيتو) في مجلس الأمن في حال عدم السماح بدخول هذه المساعدات “عبر خطوط التماس”.

وأكدت على لسان مدير العلاقات العامة في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية، محمد البشير، في مؤتمر صحفي عقب وصول القافلة، أن مصدر المساعدات أممي لا دخل للنظام السوري بها، وبطريقة دخولها أو طريقة توزيعها.

وأوضح البشير، لعنب بلدي، أن السماح بدخول هذه القافلة من “خطوط التماس” هو من أجل تمديد قرار إدخال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” وفق مخرجات اجتماع مجلس الأمن، في تموز الماضي، بينما منع إدخالها سيدعم الموقف الرافض لقرار تمديد دخول المساعدات عبر المعبر.

ويبدو أن قرار مجلس الأمن الذي تم تقديمه بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة وروسيا قد يكون آخر تمديد لآلية المساعدات الإنسانية “عبر الحدود”، لا سيما أنه يتضمن أيضًا العمل بموجب آلية الوصول “عبر خطوط التماس” بإشراف النظام السوري، بحسب تقرير لمركز “جسور للدراسات” في 12 من تموز الماضي.

ومع أنه لم تكن هناك إشارة واضحة لاستخدام آلية المساعدات “عبر الخطوط” إلى مناطق شمال غربي سوريا، قد تستخدم روسيا هذا التأويل للضغط على الأمين العام للأمم المتحدة في التقرير المرتقَب منه بعد ستة أشهر، ولن تتوانى عن إنهاء آلية المساعدات “عبر الحدود” بعد انتهاء تفويض القرار.

كما يبدو أن الاتحاد الروسي سيستمر بممارسة ضعوطاته بما يخص قضية إدخال المساعدات الإنسانية، ليس فقط على حكومة “الإنقاذ” في إدلب فحسب، بل على الصعيد الدولي وعبر صراع المصالح مع الأمريكيين، وفي سياق سياسة “عض الأصابع” بينهما المنتَهجة ليس في سوريا فقط، بل في أوكرانيا والمناطق المتوترة في العالم، بحسب الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو.

وقال المحلل، لعنب بلدي، إن الإصرار الروسي على مسألة إعادة المساعدات لتكون عبر النظام السوري ومعابره، إنما هو ضمن مآلات إعادة تعويم النظام إقليميًا ودوليًا وصولًا إلى مسألة إعادة الإعمار التي تعرقلها أمريكا وتقف “عثرة” في طريقها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

وأضاف سعدو أن “لعبة” الروس بأن يكون التمديد لإدخال المساعدات عبر “باب الهوى” لسنة تحتاج إلى الموافقة منهم للتمديد كل ستة أشهر هي بمثابة وضع “زر التشغيل” بيدهم وضمن سطوتهم، فيما لو لم يجدوا من ضرورة أو مصلحة لهم في ذلك، إذ إن الروس يستطيعون العرقلة بعدم التمديد لو لم يتوافقوا بذلك مع الأمريكيين والأتراك أيضًا.

علاوة على أن العلاقات البينية المتوترة بين الروس والأتراك قد تسهم أيضًا بشكل غير مباشر في العرقلة الروسية تلك بين الفينة والأخرى.

ولفت سعدو إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة للأهالي في الشمال السوري، وحاجتهم الشديدة إلى المساعدات الإنسانية في ظل هبوط قيمة الليرة التركية، وتأثير ذلك على القوة الشرائية، وقلة مصادر الدخل وعدم توفر فرص العمل وانتشار الأمراض.

ورقة “رابحة” بيد الروس

وأهم هدف لروسيا في سوريا هو إعادة فرض سياسة النظام السياسية والعسكرية على المنطقة، ولذلك تستخدم جميع الأدوات الممكنة لتحقيق هذا الهدف، وأهمها المعابر، بحسب الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي.

وقال علاوي لعنب بلدي، إن الروس يرون أن سيطرة النظام على المعابر إحدى أدوات “السيادة”، ويعني ذلك إعادة سيطرته على المنطقة والتحكم بها وبحاجات البيئة الاجتماعية المستهدفة في المساعدات، ولذلك ضغطوا بشكل كبير على إغلاق جميع المعابر.

ويعتبر الروس إغلاق المعابر انتصارًا سياسيًا على الولايات المتحدة، و”حرب المعابر” في سوريا حرب سياسية ما بين أمريكا وروسيا التي استطاعت أن تحقق ما تريده، وهو الإبقاء على عمل معبر واحد (باب الهوى)، وفق ما أضافه الباحث.

وبرزت الجهود الأمريكية في قضية تمديد العمل بمعبر “باب الهوى” مع إصرار روسيا على حصر دخول المساعدات عبر مناطق نفوذ النظام، وتمثلت هذه الجهود بدعوات إلى إعادة افتتاح معابر أُغلقت سابقًا، بالإضافة إلى دعوات لاستمرار العمل بـ”باب الهوى”، قابلها رفض من النظام الذي اعتبرها انتهاكًا لسيادته.

ولا يرى علاوي أن المعبر سيُغلق، وقرار العمل به سيُمدد لكن بعد أن تحصل روسيا على مقابل، إذ سيضغط الروس للاستفادة من هذه الورقة التي يمكن أن تكون رابحة للحصول على مكاسب أخرى من أماكن أخرى في سوريا.

ويجب أن يستعد الأهالي في الشمال السوري لمرحلة يمكن أنو تكون المساعدات فيها عن طريق النظام الذي سيتحكم بها حسب النسب المحددة، بحسب الباحث الذي أكد أن النظام يستطيع التلاعب بأي قرار سواء كان دوليًا أو محليًا، ويفرض رأيه.

كما يجب أن يستعدوا في حال إغلاق المعبر لارتفاع جديد في أسعار المواد الأساسية، وازدياد نشاط عمليات التهريب، وظهور أيضًا ما يسمى “تجار الحروب” وزيادة نشاطهم بشكل أكبر.

وسمح مجلس الأمن لأول مرة بعملية مساعدات “عبر الحدود” إلى سوريا في عام 2014 بأربع نقاط، هي معبر “الرمثا” الحدودي مع الأردن، و”اليعربية” الحدودي مع العراق، و”باب السلامة” المقابل لتركيا، لكنها خُفضت العام الماضي من قبل المجلس بعد اعتراض روسي- صيني، واقتصرت المساعدات على معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا.

وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال السوري، حذّر من بوادر انهيار اقتصادي تشهده المنطقة بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة.

وصارت أغلبية العائلات في المنطقة بشكل عام ونازحو المخيمات بشكل خاص غير قادرين على تأمين المستلزمات الأساسية وفي مقدمتها مواد التغذية والتدفئة لضمان بقاء واستمرار تلك العائلات على قيد الحياة، بحسب بيان صادر في 20 من تشرين الثاني الماضي.

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى