5 أشهر على قمة بغداد: فيتو حلفاء طهران بالمرصاد

زيد سالم

مر أكثر من 5 أشهر على قمة بغداد الثلاثية التي جمعت رئيس الوزراء العراقي (المنتهية ولايته) مصطفى الكاظمي والعاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 27 يونيو/حزيران الماضي، والتي أُعلن في ختامها عن حزمة من الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية والتجارية، تتعلق بالطاقة والنقل والاستثمار، ومجالات أخرى من بينها أمنية. ويؤكد مسؤولون عراقيون أن مخرجاتها الرئيسية لم تُترجم على أرض الواقع حتى الآن، ويعزون ذلك إلى تقاطعات سياسية حادة في بغداد حيالها، وتحديداً من قبل القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران.

ومن أبرز ما تم التوصل إليه من اتفاقات، الربط الكهربائي واستيراد الغاز المصري والنفط مقابل الإعمار بالنسبة للشركات المصرية، والاستثمار والعمالة وتنشيط الممر التجاري المصري تجاه العراق عبر ميناء نويبع المصري باتجاه ميناء العقبة الأردني ثم الأراضي العراقية عبر محافظة الأنبار غربي البلاد، وأخيراً أنبوب النفط العراقي من البصرة إلى العقبة. لكن لم تظهر حتى الآن أي بوادر لتنفيذ عملي لأي منها.

كما تضمّن البيان الرسمي الختامي المشترك الصادر عن قمة بغداد، الاتفاق على تسريع إجراءات مشروع أنبوب النفط العراقي الأردني (البصرة ـ العقبة)، وملف الربط الكهربائي بين العراق والأردن، والإعفاء الضريبي للبضائع بين البلدان الثلاثة، وملفات الطاقة والتجارة والاستثمار والأمن وتبادل المعلومات في الحرب على الإرهاب. كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة دائمة، تعقد اجتماعات دورية في العواصم الثلاث، لمتابعة ما تم التوصل إليه من مقررات، بغية ترجمتها على أرض الواقع. وتتألف اللجنة من مسؤولين في وزارات النفط والخارجية والداخلية والتجارة والكهرباء، وممثلين عن جهات حكومية مختلفة من الدول الثلاث.

تحفظات على أنبوب البصرة ـ العقبة

وعما تحقق من خطوات عملية بين القاهرة وبغداد وعمّان، قال مسؤول بارز في وزارة التخطيط العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن المصريين والأردنيين ينتظرون خطوات عراقية في هذا الإطار، فيما الحكومة العراقية تواجه عقبات داخلية من قوى سياسية.

وأضاف المسؤول أن ما تحقق فعلياً لا يتجاوز 10 في المائة من مجموع الاتفاقات، وأغلبها تفاصيل ثانوية، مثل ملف تمكين القوات العراقية على الحدود مع الأردن وتقوية الأدوار الاستخباراتية والمعلوماتية عن الخلايا الإرهابية، وتقديم المصريين معلومات أمنية للعراق، وهو ما فعله العراق أيضاً مع مصر والأردن ضمن اتفاق تبادل المعلومات، إضافة إلى إعفاء ضريبي لعدد من المواد المستوردة بين الدول الثلاث، ودخول بعض الشركات المصرية كمنافس على مناقصات لمشاريع بعضها استثمارية في قطاع السكن وأخرى للقطاع الحكومي، إضافة إلى ملف ربط خط كهرباء ضغط عال من الأردن إلى العراق وهو ما يجري العمل به حالياً ولن يكتمل قبل منتصف العام المقبل. وأوضح أن “الجانب المهم من الاتفاقات مع الأردن هو مشروع أنبوب البصرة ـ العقبة، لكن القوى السياسية، خصوصاً الحليفة لإيران، تتحفظ بشأنه، بل هناك مخاوف من استهداف المشروع من قبل فصائل مسلحة لإيقافه، على الرغم من أن المشروع يصب في صالح العراق إذ سيخلق منفذاً جديداً له لبيع نفطه غير الخليج العربي وميناء جيهان التركي”.

 

ولفت المسؤول إلى أن “الاتفاقات التي تم التوصل إليها في القمة الثلاثية ليست كلها قابلة للتنفيذ وفق صلاحيات رئيس الوزراء العراقي، بل إن معظمها مرتبط بمهام السلطة التنفيذية والوزارات التي تتوزع على الأحزاب العراقية وفقاً للمحاصصة الحزبية والطائفية المعمول بها، بالتالي فإن تنفيذ الاتفاقات يحتاج إلى دراسة وزارية ثم الشروع بالتنفيذ”، مشيراً إلى أن “معظم الوزارات لم تتحرك خلال الفترة الماضية باتجاه تطبيق الاتفاقات لأسباب تتعلق بعدم وجود الغطاء المالي من جهة، وغياب القناعة الحزبية لدى الجهات المسيطرة على الوزارات من جهة ثانية”.

وقال إن “القوى السياسية الحليفة لإيران عرقلت سير عملية التعاون التجاري مع الأردن وتحديداً في ملفات الغاز والكهرباء، لأنها لا تريد أن يملك العراق بدائل طاقة غير إيران”، مضيفاً “أما بالنسبة للاتفاقات مع الجانب المصري فقد رفضتها قوى سياسية مهمة، أبرزها “دولة القانون” و”الفتح”، من دون أسباب واضحة، لكنها بدت واضحة من خلال خطابات الفصائل المسلحة التي أشارت إلى أن التقارب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تكون بداية لتقارب العراق من الكيان الصهيوني”.

رفض بحجة منع التطبيع

ولم يخفِ عضو تحالف “الفتح”، الذي يضم القوى السياسية لـ”الحشد الشعبي”، فالح الدراجي، رفض القوى السياسية الحليفة لإيران لمخرجات القمة الثلاثية، متحدثاً عما وصفه بـ”شبهات كثيرة”، قال إنها “تلحق بالاتفاقات والمشاريع التي تحدّث عنها الكاظمي إلى العاهل الأردني والرئيس المصري”.

ولفت الدراجي في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “قوى سياسية وفصائل لها نفوذها على القرار السياسي والشعبي ترى أن المخرجات بداية لدخول العراق في خانة المطبّعين مع الكيان الصهيوني، ثم إن التجارب الاقتصادية في الأردن ومصر ليست بالمستوى الكبير، بل إنها دول لا تزال تعاني من تعثر اقتصادي، والعراق بحاجة إلى دول عظمى لأجل تمكينه اقتصادياً وتجارياً وليس عبر دول وضعها الاقتصادي أسوأ من وضع العراق”. وأضاف أن “حكومة الكاظمي مرت بأزمات كثيرة، ومنها الاحتجاجات ثم الأزمة المالية والانتخابات والعودة مرة ثانية للاحتجاجات ضد نتائج الانتخابات، لذلك فإن تنفيذ مثل هذه المشاريع مع دول أخرى يحتاج إلى فترات رخاء سياسي”.

ومطلع سبتمبر/أيلول الماضي، زار وفد أردني يتقدّمه رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات بغداد، وأجرى سلسلة لقاءات واسعة وغير مسبوقة مع شخصيات سياسية وزعماء فصائل مسلحة، أبرزهم زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، وزعيم منظمة “بدر” هادي العامري، إضافة إلى زعيم تحالف “دولة القانون” نوري المالكي، والقيادي في التيار الصدري نصار الربيعي. هذه الزيارة اعتبرها مراقبون مسعى أردنياً لترطيب الأجواء مع القوى الحليفة لإيران الرافضة للاتفاقات التي توصلت لها عمّان مع حكومة الكاظمي خلال القمة الثلاثية.

وتعليقاً على ذلك، لفت النائب السابق في البرلمان العراقي علي البديري، إلى أن “المزاج السياسي لدى الأحزاب والكيانات الحاكمة المتنفذة هو ما يحكم آلية عمل الحكومة، وهو ما يؤثر كثيراً على تقدّم العراق من الناحية الاقتصادية والعمرانية والتجارية وفتح أبواب الاستثمار، وإلا فماذا يعني رفض الشركات العربية والأجنبية التي تقدّم عروضاً مغرية وبالغة الأهمية للحكومة العراقية ولا يتم التعاطي معها بإيجابية أو رفضها من خلال أصوات شبه حكومية أو حزبية من دون أن يكون للحكومة أي دور”. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “القمة الثلاثية حظيت باهتمام عراقي جيد، كما أنها دعمت التواجد العربي المؤثر والمهم في البلاد، لكن هناك رغبات حزبية تمنع التقدّم بتطبيق وتحقيق الاتفاقات والتفاهمات التي جرت بين الدول، لأسباب غالبيتها مرتبطة بمصالح حزبية وأخرى تتعلق بأدوار خارجية”.

بدوره، اعتبر المحلل السياسي العراقي، أحمد العبيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أطرافاً سياسية وفصائل مسلحة ترى أن الاتفاق مع الأردن ومصر يهدد نفوذ إيران ومصالحها التجارية والاقتصادية في العراق، أو أنها تسهم بتمكين المحور الأميركي، أو الغربي عموماً، مع أنه بإمكان هذه الأحزاب والقوى المسلحة أن تراقب معظم الاستثمارات في الدول العربية التي لا تتأثر بالسياسات سواء الداخلية أو الخارجية”.
ورأى أن “إيران تشعر بالخطر من أي تعاون عراقي مع دولة عربية أخرى، لا سيما في مجالات الطاقة والكهرباء، لأنها تريد أن تبقى مسيطرة على الطاقة في العراق ومنع أي تطوير لقطاعات الغاز والنفط”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى