أبو ظبي وأنقرة.. عودة المياه إلى مجاريها

د. باسل معراوي 

كانت العلاقات التركية – الإماراتية على ما يرام إلى مطلع عام 2012، حيث بدأت خصومة عميقة بين البلدين (مع أن معدل التبادل التجاري بينهما يصل إلى 15 مليار دولار سنوياً).

لكن بدأت في الآونة الاخيرة عدة مؤشرات على حاجة البلدان لطي تلك الخصومة وفتح صفحة جديدة، وإذا عدنا لاستعراض أسباب تلك الخصومة يمكننا استنتاج، أن الأسباب زالت أو في طريقها للزوال نهائياً، الأمر الذي بات ممكنناً بل أصبح ضرورياً رأب ذلك الصدع الذي أثر سلباً على ملفات عديدة في هذه المنطقة.

اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفاً عدائياً ومعلناً من ربيع الشعوب العربية الذي انطلق من تونس في نهايات عام 2010 وامتد ليشمل بلدانا عدة.

رأت حكومة دولة الإمارات العربية (هنا أقصد قيادة إمارة أبوظبي التي تتولى القيادة السياسية للدولة) رأت أن هذا الربيع يمكن أن تكون فجرته الشعوب المضطهدة من حكامها، لكن بالتأكيد ستستغله الجماعات الإسلامية (الإخوان المسلمون) وهذا ما حدث، إذ كانت الحركات الإسلامية قد وصلت للسلطة في مصر وتونس وليبيا، ومن الطبيعي أن تدعم حكومة حزب العدالة والتنمية التركية (المتهمة بأنها قريبة أو راعية للحركات الإسلامية العربية) تلك الثورات الشعبية وما تمخض عنها من نظم سياسية جديدة كانت تراها أنقرة قريبة منها، بل يمكن أن تدور تلك النظم الوليدة في الفلك التركي المسلم الناجح في ازدهار تركيا.

الخلاف التركي – الاماراتي في سورية أخذ بعداً آخر

انضمت دولة الإمارات إلى الجهد العربي والدولي المناهض للنظام السوري والمتعاطف مع الثورة الشعبية.. ذلك التجمع الذي نشأ خارج مجلس الأمن (لتجنب الفيتو الروسي/الصيني) وعرف بمجموعة أصدقاء الشعب السوري، الذي بلغ أكثر من مائة دولة، وكانت حكومة الإمارات من الداعمين للنشاط الإغاثي والعسكري للثورة السورية، وكانت تهدف من وراء ذلك، إلى تطويق أو محاربة النفوذ الإيراني المتغلغل داخل بنية النظام السوري.

إلا أن قيادة أبو ظبي لم تستمر على نهجها السابق واتخذت من تدخلها في القضية السورية حجة مكافحة الإرهاب ونفذ طيرانها أول عملية قصف جوي لصالح التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة في أواخر عام 2014 تحت مسمى مكافحة الإرهاب، حيث لم تعد تلق بالاً لتطلعات الشعب السوري، بل أجرت عدة اتصالات مع النظام السوري (بعد قطع العلاقات عام 2012) وباركت أو لم تدن التدخل العسكري الروسي، وهنا ازدادت ساحة الخلاف الإماراتي – التركي ساحة جديدة.

ذروة الخلاف التركي – الإماراتي كان في صيف 2013 بعد انقلاب الجنرال السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث كان البلدان على طرفي نقيض من الموقف حيال ما حدث في مصر.

الذي أدى بالخلاف الإماراتي – التركي إلى حافة القطيعة اتهام السلطات التركية لدولة الإمارات بتمويل عملية الانقلاب الفاشل في تركيا بصيف 2016 ونفي حكومة الإمارات لذلك.

كان الموقف الإماراتي تجاه تركيا يعبر بشكل أو بآخر عن علاقة تركيا بدول عديدة أيضاً أهمها مصر والسعودية اللتان كانتا أيضاً على خلاف مع الحكومة التركية يوازي خلاف دولة الإمارات.

اعتبر بعضهم أن تصنيف دول مجلس التعاون الخليجي لمنظمة غولن التركية (التي تتهمها الحكومة بتدبير الانقلاب الفاشل) منظمة إرهابية قد يسهم في كسر الجليد بين دول المجلس وتركيا، إلا أن نشوب أزمة قطر مع بعض دول المجلس ومصر، وتطبيق الحصار عليها ووقوف تركيا إلى جانب قطر بشدة، بل إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، التي تضم خمسة وأربعين ألفاً من الجنود، ساهم في زيادة الخلاف الإماراتي – التركي.

ازداد التباعد التركي – الإماراتي حول اعتراض أبو ظبي على الدور العسكري التركي في سورية وتم اتهام أبو ظبي بتقديم مساعدات لما يسمى بـ “قوات سورية الديمقراطية” التي يصنفها الأتراك منظمة إرهابية تستهدف الأمن القومي التركي.

خلاف جوهري انعكس على مواقف البلدين بالحرب الليبية حيث تحاربا بالوكالة، وكانا على طرفي نقيض من القضية الليبية.

منذ بداية العام الحالي ومع وصول الرئيس بايدن إلى سدة الرئاسة ومع مضي الأشهر الأولى كان بادياً للحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة أن الأخيرة تنتهج سياسة الانسحاب المتدرج وعدم الانخراط في مشاكل المنطقة، وبالتالي أوجد الوضع الجديد سيولة وتبدل في التحالفات الإقليمية وتجاه دول الإقليم لإدارة صراعاتها والتخفيف من آثارها وآثار أزمة كورونا التي ضربت دول المنطقة أيضاً وفرضت نوعاً من التعاون وعدم زيادة الشقاق بين الدول.

وترافق العام الحالي مع أفول حركات الإسلام السياسي (التي تتهم أنقرة بدعمها) حيث بعد الانقلاب على البشير في السودان تم الانقلاب على النهضة التونسية والاطاحة شعبيا بحزب العدالة والتنمية في المغرب مع إطلاق عملية سياسية برعاية أممية في ليبيا ووضع الحرب أوزارها دون انتصار فريق على آخر وهذا من أهم أسباب تبريد الخلاف التركي – الإماراتي.

بدأنا نسمع عن اتصالات مصرية – تركية بطيئة أعقبه تحجيم وطرد لبعض كوادر الإخوان في تركيا، وعن دفء بدأ يسري في أوصال العلاقات السعودية – التركية إلا أنه مازال بطيئاً أيضاً.

المصالحة الخليجية – المصرية مع قطر (حليف تركيا المتين) أسهم في إيجاد جو من الأمل بتحسن العلاقات بين الدول، كل ذلك يجري والأنظار تتجه إلى الخطر الإيراني المتزايد عبر الميليشيات (وأسلحتها الصاروخية وطيرانها المسير).

حدث اختراق كبير وغير متوقع في 18 آب من العام الحالي حيث وصل الشيخ طحنون بن زايد المسؤول عن الأمن الوطني الإماراتي، والتقى بالرئيس التركي وعرض حزمة من الاستثمارات المالية والمشاريع التجارية يجري الإعداد لإطلاقها في تركيا.

لم تخف تلك التصريحات البعد الأمني والسياسي للزيارة، باعتبار أن أي تطبيع في العلاقات لابد له من عجلة اقتصادية تدور لكي تدور بعدها العجلة السياسية والأمنية، أعقب تلك الزيارة موقف إماراتي – تركي منسجم مع السعودية وفرنسا، ومعارض لمشاركة رئيس النظام السوري في قمة بغداد للتعاون والشراكة وأخذ موقفاً موحداً إزاء السياسات الإيرانية في المنطقة.

إن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 24 الشهر الجاري تمثل نقطة بداية لطي صفحة الخلافات الماضية والتطلع لبناء علاقات أكثر توازناً، بعد زوال معظم الأسباب التي أدت إلى الخصومة، ستكون تلك الزيارة تاريخاً جديداً لانطلاقة جديدة للعلاقات بين البلدين والتي تنعكس إيجاباً على الإقليم كله خاصة أن الوضع المالي التركي المتأزم سيفيده كثيراً ضخ أموال إماراتية في شرايين الاقتصاد التركي، وليس إعلان طريق التجارة بين الإمارات وتركيا عبر إيران (المعاقبة دولياً وأمريكيا بشكل خاص) إلا لتوجيه رسالة مفادها أن المقصود بالتنسيق المستقبلي بين البلدين ليس إيران. وفي الحقيقة ما يجمع البلدين وكل دول الإقليم هو التصدي للمخططات الإيرانية المزعزعة للاستقرار بالاعتماد على إنشاء منظومة أمن ودفاع ذاتية وتقليل الاعتماد على وعود الولايات المتحدة في التصدي للمخططات التوسعية الإيرانية.

إن التنسيق والتعاون بين الإمارات وتركيا سيسرع أيضاً بإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين مصر والسعودية من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وكل ذلك يصب في مصلحة دول وشعوب المنطقة التي ترى أن خطرها الأول هو التمدد والعربدة الإيرانية.

المصدر: نينار برس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى