الحروب الصغيرة هل هي خيار بديل عن الحرب العالمية ؟

معقل زهور عدي

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ التحضير للحرب العالمية الثالثة , قوة التدمير الهائلة للأسلحة النووية أوقفت التدحرج نحو تلك الحرب , لكن مانشهده الآن هو استبدال الانفجار الشامل بانفجارات محدودة هنا وهناك , تلك الانفجارات تبدو محلية في البدء , لكن سرعان ما تتحول إلى بؤرة عالمية تنخرط فيها الدول الكبرى لتتبادل اللكمات فيما بينها بطريقة مباشرة أحيانا وغير مباشرة في معظم الأحيان .

ما ينتج عن تلك الحروب الصغيرة ليس مواجهات أوسع بل مجرد تحريك لأحجار الشطرنج بحيث يخرج البعض رابحا والآخر خاسرا , وقد يخرج الطرفان رابحين بنسب متفاوتة أو خاسرين بنسب متفاوتة .

انسحاب الولايات المتحدة من دورها كقطب للنظام العالمي يخلق فرصا أكثر لمثل تلك الصراعات المحدودة , تتحول الدول الاقليمية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية من دورها الهامشي إلى دور فاعل في السياسة العالمية , لكن ذلك يجري على حساب بقية الدول والتي أصبحت تخدم كساحات للصراع وميدان للتنافس وجوائز للمنتصرين .

تبحث الولايات المتحدة اليوم عن مقاولين بالباطن مقابل منحهم جزءا من الأرباح , ولايهمها كثيرا ما يقولونه أو يرفعونه من شعارات , المهم أن يبقى المقاول خاضعا للارادة الأمريكية في نهاية اليوم , وأن يعطي ماعليه من التزامات .

تختلط في السياسة العالمية الصداقات والعداوات , فلم يعد سهلا التمييز من مع من ومن ضد من وعلى أية أسس ومبادىء .

في القرن الماضي كان أمامنا الأبيض والأسود , معسكران كبيران , معسكر الاشتراكية ومعسكر الرأسمالية وبينهما قوى هامشية مثل قوى التحرر الوطني والأنظمة شبه الاشتراكية . وكان سهلا على الدول أن تختار مكانها ضمن ذلك الاستقطاب العالمي .

اليوم أصبحت اللوحة تبعث على الحيرة , فالدول التي خرجت من رحم المعسكر الاشتراكي مثل بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا واوكرانيا توجهت معظمها نحو الغرب لتدور في الفلك الأمريكي .

روسيا ذاتها لم تعد دولة اشتراكية , ولم تصبح دولة رأسمالية , وليس لديها اليوم أية قيم أو مبادىء للاقتداء بها , فقط هناك المشاعر القومية الروسية التي لاتعمل سوى داخل روسيا , فما شأن الآخرين بها ؟

المشكلة بينها وبين الغرب هي في وجودها كدولة كبرى بقدرات عسكرية فائقة , بالنسبة لروسيا يكفيها اعتراف الغرب بها كشريك عالمي والابتعاد عن محاولة حصارها وتفكيك نفوذها المتبقي في الدول حولها والتي تعتبرها مجالها الحيوي مثل اوكرانيا ودول آسيا الوسطى . وهو مطلب لايبدو أن الغرب مستعد له حتى الآن .

كل ما تقوم به روسيا ينبع من عقيدة دفاعية , لكن الدفاع قد يتحول إلى هجوم , وهذا مانراه اليوم على الحدود الاوكرانية – الروسية

بالمقابل فالغرب لايحتمل أن تصبح روسيا قوية لدرجة يمكن أن تهدد أمنه سواء كانت عقيدتها العسكرية دفاعية أم هجومية , لذلك لابد أن نتوقع الرد على تهديد اوكرانيا بشكل من الأشكال .

كما لابد أن نتوقع أن يثير المتاعب لروسيا في سورية أيضا في نهاية المطاف .

أخطر ما في الأمر أن يجد الغرب والدول الكبرى والاقليمية أن ابقاء الساحات المتاحة لتصدير الصراعات البينية هو في صالح الجميع حتى لايمتد الصراع نحو الداخل من جهة , وحتى يظل ممكنا تفريغ التوترات السياسية بعيدا عن المواجهات الشاملة .

أما من يدفع ثمن ماسبق فليس سوى الدول الفاشلة والتي تستحث الطريق نحو الفشل .

 

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى