إيران تجرّ لبنان إلى الاشتباك الإقليمي … والتّفاوض على صفيح متفجّر

ابراهيم حيدر

يستمر التأزم في الوضع اللبناني على وقع التصعيد السياسي والأمني القائم. تظهر التعقيدات في مسار الأزمة المرشحة لأن تطول، إلى أن تنضج تطورات إقليمية ودولية توفر تغطية للحل اللبناني. فوساطة جامعة الدول العربية أو اتصالاتها لحل الأزمة بين لبنان والسعودية ودول الخليج لم تصل إلى نتيجة إيجابية، فيما لبنان يتخبط داخلياً في دائرة العجز عن مقاربة حقيقية وواضحة للعلاقات. ومع استمرار التعطيل الحكومي، تغيب المبادرات ويتقدم التصعيد على ما عكسته مواقف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ضد السعودية التي تتشدد أيضاً في إجراءاتها.

اجتماعات الحكومة اللبنانية لا تزال متوقفة، والحل مقفل بالكامل على التسويات، إلا إذا حُسم ملف المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، وتمت تنحيته بضغوط من “حزب الله”، علماً أن المشكلة الأخرى مرتبطة بوزير الإعلام جورج قرداحي، حيث يرفض الحزب إقالته أو استقالته، وإذا تمكنت الأطراف السياسية من إعادة إحياء الحكومة، فإنها لن تكون قادرة على الحكم وسط الانقسام والصراعات والتوترات المستمدة من الإقليم، حيث بدأت إيران تحرك أذرعها على خط لبنان وسوريا والعراق واليمن، في تصعيد يسبق استئناف المفاوضات النووية.

يُدرج تصعيد نصر الله ضد السعودية في هذا السياق، فتركيزه عليها وعلى دول الخليج لا يُصنّف إلا ضمن المعركة الإيرانية، بقوله إنها تبحث عن حجة لتفتعل أزمة مع لبنان، “أن هذا جزء مع المعركة مع مشروع المقاومة”، ومستذكراً الدور السعودي التحريضي ضد المقاومة في حرب تموز 2006. هذا الموقف، وإن كان من موقع “حزب الله” اللبناني، إلا أنه جزء من الرسائل الإيرانية المتعددة، حيث تخوض طهران معركة التفاوض بالنار وبالتصعيد. تنتهج إيران عبر أذرعها وجهة جديدة تستبق كل الاحتمالات خلال الشهرين المقبلين، تستعرض قوتها وتسعى إلى تغيير أو فرض توازنات جديدة وتكريس معادلات في المنطقة كلها، ومن بينها لبنان.

التصعيد من ساحة لبنان وخوض المواجهة، والتشدد ورفض تقديم تنازلات معينة لانطلاقة العمل الحكومي، يبدو أنه جزء من الوجهة الإيرانية، فيما يركز الأميركيون مثلاً على ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل حصراً، وهي نقطة مركزية بالنسبة إليهم. وفي المقابل، تستخدم إيران كل أوراقها في ساحاتها المختلفة، لفرض توازنات على الأرض، بدءاً من اليمن، حيث تطرق نصر الله إلى هذا الأمر، معتبراً أن “تداعيات سقوط مأرب ستشمل المنطقة”، إلى التصعيد الأمني في العراق، خصوصاً تحريك الحشد ومشتقاته ضد نتائج الانتخابات وحصار المنطقة الخضراء، والأهم أيضاً التصعيد في لبنان، ليترافق كل ذلك مع انطلاق جولات التفاوض، وللقول إن الملف النووي مرتبط أيضاً بالاتفاق على ملفات المنطقة.

بات لبنان في قلب الصراع الإقليمي، ولا يمكن فصله اليوم عما يحدث في الخارج. هناك تصعيد لمحور الممانعة يريد الحفاظ على ما يعتبره مكتسبات حققها في الساحات المدعومة من إيران، والتي تعتبر عواصمها جزءاً من مشروعها، كما تسعى إلى تحسين شروطها في المفاوضات. لذا يبدو الملف اللبناني هو أكثر الساحات التي يمكن التصعيد من خلالها، وهو أيضاً حلقة ضعيفة، تمكن “حزب الله” من الهيمنة فيها وفرض خياراته بفائض القوة، والهيمنة لا تعني هنا تسلم الحكم مباشرة، إذ إن الصيغة اللبنانية مترهلة وجرى التلاعب بها في ظل النظام الطائفي، وتكريس هيمنات سياسية وأمنية للقوة. لذا نجد “حزب الله” يضغط على ملف التحقيق في المرفأ، ودفع الملف القضائي الى نهايته في ملف الطيونة، وتعطيل الحكومة، ومنع استقالة قرداحي كمدخل لبدء معالجة الأزمة الدبلوماسية مع السعودية ودول الخليج. وهنا لا تنازل من الحزب لا بل مزيد من التصعيد، كون الأمر متداخلاً مع ملفات أخرى في المنطقة، ومنها اليمن والعراق.

ويحظى “حزب الله” بغطاء رسمي لسياساته، وهو الطرف الوحيد المتحكم بمسار الأمور داخلياً، والذي في إمكانه بفائض قوته، إما جرّ لبنان الى قواعد الاشتباك الإقليمي أو سحبه. والأخطر أن يذهب الحزب بعيداً بالمواجهة وبربط لبنان بمحور الممانعة الذي يعادي دول الخليج وأنظمتها، عبر تدخله في دول المنطقة ومناطق الصراع المشتعلة إقليمياً.

ولا يخفى هنا أيضاً التصعيد الإيراني ضد الأميركيين مباشرة، في العراق أولاً، ثم في لبنان، حيث رأى نصر الله أن المعركة السيادية الحقيقية هي ضد الأميركيين ومنع فرض إملاءاتهم على لبنان. وفيما اعتبر الأمين العام للحزب أن لبنان استطاع الصمود ورفض الإملاءات مستنداً إلى قوة محور المقاومة، وأن لا تنازل أمام ما يعتبرها شروط السعودية، فيعني ذلك أنه مستمر بخوض معاركه الإيرانية من ساحة لبنان، بتعطيل الحكومة ومنع التسويات، حتى لو كان مدخلها استقالة قرداحي، فيما البلد يواجه أخطاراً كبرى في المرحلة المقبلة، بمزيد من الانهيار، وبتكريس الفراغ وحتى إطاحة الانتخابات النيابية المقبلة.

كل ذلك يتعلق بمسار المفاوضات الإيرانية – الأميركية، وفي انتظار تفاهماتها على النفوذ الإقليمي والملفات المرتبطة به، بما فيها سوريا. وإلى أن تستقر الأمور على توازنات إقليمية، سنشهد المزيد من التوترات الأمنية في لبنان ودول المنطقة، وانفجارات في غير مكان، بما فيها عمليات أمنية وربما اغتيالات قبل أن تنضج التسويات. ولبنان هنا يقع على صفيح ساخن ومرهون لحسابات الخارج.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى