لم تكن خطوة زيارة وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الى دمشق، ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، منفصلة عن سياق تحولات تعيشها منطقة الشرق الأوسط. فالمنطقة تدخل في عصر “التطبيع”، خصوصاً أن الأسد قال، في البيان الذي أصدره عقب اللقاء، إنه أشاد بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات.
بين السطور
هنا لا حاجة لتفسير المقصود بمصطلح “المواقف الموضوعية” لأنها واضحة وتتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. أما مصطلح “الصائبة”، فله مدى أبعد يشير إلى إطلاق موقف ضمني بالموافقة على ما تقوم به دولة الإمارات. بمجرد قراءة ما بين سطور هذا البيان، يكتشف المرء تأييد الأسد للمسار الإماراتي، بخلاف كل التصريحات العلنية الأخرى التي تصدر عن مسؤولين سوريين وحلفائهم، بما يتعلق بمواجهة إسرائيل. وعلى ما يبدو أن الأسد سيلبي سريعاً الدعوة التي وجهت إليه لزيارة أبو ظبي.
جاء اللقاء، في أعقاب زيارة لسوريين من الطائفة اليهودية أجروها إلى سوريا، وعقدوا لقاءات فيها. وتأتي هذه الزيارة على بعد أيام من لقاء نظّمته السفارة اللبنانية في باريس ليهود لبنانيين. هنا، لا حاجة للدخول في نقاش أو سجال يتعلق بحق هؤلاء كمواطنين. فالأساس هنا يتعلق بالتوقيت، لأن أي حركة من هذا النوع سابقاً كانت ممنوعة، وتدخل في خانة المحرمات.
روسيا وإسرائيل
بين التحركات الثلاثة ثمة قاسم مشترك مباشر وهو إسرائيل. وقاسم مشترك غير مباشر هو روسيا. إذ أن كل المعلومات تؤكد أن موسكو هي التي طلبت تنظيم مثل هذه اللقاءات، على إيقاع دعم مسار التطبيع في المنطقة، وتخفيف التوتر بين العرب واليهود، وصولاً أيضاً إلى إرساء تفاهمات ضمنية على عدم التصعيد العسكري أو ضمان أمن إسرائيل سواء في سوريا وتحديداً في الجنوب، أم في لبنان، والذي يمثل نقطة تقاطع أساسية أميركية-روسية لمنع حصول أي تصعيد على الحدود مع إسرائيل، ربطاً بملف ترسيم الحدود والذي يفترض به الوصول إلى تفاهمات جديدة تنتج استقراراً.
الأسد يبحث عن فرصة لتعويم نفسه عربياً وغربياً. هذا التعويم لا يمكن له المرور إلا عبر إسرائيل وموافقتها، ما يفرض على الأسد تقديم تنازلات استراتيجية، تعمل روسيا على توفيرها إنطلاقاً من علاقتها مع إيران. وهنا تختلف المسألة عن ما يخرج به بعض المتحمسين، الذين يراهنون على دور روسي لإخراج إيران من سوريا. هذه نقطة مستحيلة، إنما ما تسعى إليه موسكو هو ترتيب الوضعية السورية بشكل تتوفر فيها الحماية لإسرائيل والحفاظ على نفوذ إيراني.
ولتحقيق ذلك هناك طريق وحيدة تتعلق بمسار المفاوضات الإيرانية الأميركية وتفاهماتها على النفوذ الإقليمي. أمام هذه المعادلة تجد إيران نفسها موافقة على زيارة الأسد إلى الإمارات، لا بل قد تنظر إلى ذلك كمتنفس بالنسبة إليها. موقع الأسد يختلف هنا عن موقع علي عبد الله صالح، والذي كان مصيره الاغتيال عندما استشعرت طهران مساعيه للتقرب من السعودية.
إنجاز ترسيم الحدود
ثمة ضوابط موضوعة في سوريا، لا يمكن لأي طرف أن يخترقها. وهي عدم المساس بالأمن الإسرائيلي، مقابل عدم ضرب الإسرائيلي لمواقع النظام ومؤسساته. ومع ذلك، لم يطبق اتفاق خروج إيران من الجنوب السوري بعمق 80 كليومتراً. إذ عملت على تأسيس جماعات وخلايا تابعة لها هناك. وهذا الأمر دفع الإسرائيليين إلى تعميق البحث بهذا الموضوع. فأيّ اتفاق لا يمكن أن يحصل من دون توافق إيراني أميركي. ولذا، لا بد من انتظار مسار المفاوضات النووية، لتنتقل بعدها إلى التفاوض على النفوذ الإقليمي.
وهنا لا يمكن فصل لبنان على هذا المسار، سواء بما يتعلق بملف ترسيم الحدود، والتي تقول المعلومات إنه أصبح ناجزاً من الناحية التقنية، وقد حصل الاتفاق، فيما تبقى مسألة توقيعه مرتبطة بتوقيت سياسي.
المصدر: المدن