لم تنجح محاولات فك الألغام اللبنانية المتنقلة. سدّت الطريق أمام مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي.. ودخل لبنان إلى منعطف جديد على وقع التوترات الأمنية والسياسية والقضائية.
بين برّي وحزب الله
يستمر رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، في البحث عن صيغة تسووية تمنع التصعيد. وهو يؤكد في أوساطه أنه لا يريد الدخول في مشاكل جديدة، ولا بد من إيجاد حلّ. وحزب الله يقول إنه يتعامل مع الرئيس برّي من منطلق العقل الواحد في هذه المواجهة. لكن لا يتخلى الحزب عن النظر في حادثة الطيونة، وسيذهب بها سياسياً وقضائياً إلى النهاية، وإن لم تكن نتيجتها تطال رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بشكل مباشر أو مادي ملموس، كتكرار لتجربة العام 1994. ولكن تبعات هذه المعركة السياسية والقضائية التي يخوضها حزب الله سيكون لها أبعاد تحالفية وانتخابية للمرحلة المقبلة.
وتتقاطع مصالح حزب الله مع مصالح الرئيس نبيه برّي في مبدأ الحفاظ على الاستقرار، إلا أن حزب لله لن يفرّط بأي ورقة تصل إلى يديه لمواجهة خصومه، ولممارسة أقصى الضغوط عليهم، في سبيل تطويقهم وإضعافهم، والوصول إلى معادلة سياسية يرسيها بنفسه، وتقوم على قاعدة منع أي طرف معارض له من أن يكون قادراً على مواجهته. لذلك، هو سيبقى مصرّاً على تحقيقات الطيونة كنوع من الضغط على جعجع، وكمساعدة لحلفائه المسيحيين، وخصوصاً التيار الوطني الحرّ. كذلك تتقاطع مصالح حزب الله مع برّي حول ضرورة إيجاد مخرج لقضية تحقيق تفجير المرفأ، ومصير القاضي طارق البيطار. إنما هنا تتعارض مصلحة حزب الله مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، اللذين يتمسكا بالبيطار ومساره.
استهداف جعجع
في المقابل، تتقاطع مصالح حزب الله ورئيس الجمهورية والنظام السوري أيضاً على ضرب رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بعد نجاح حزب الله سابقاً، في طي صفحة المواجهة الشرسة التي قد يخوضها وليد جنبلاط أو سعد الحريري بوجهه. ولذلك لا بد من توجيه ضربة قوية لجعجع، أو ترك الملف القضائي مفتوحاً له، لإضعافه وتهفيت كل شعاراته، وكي لا يفكر في أي يوم من الأيام أنه قادر على الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
مصلحة حزب الله تلاقيها مصلحة أخرى لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، اللذين يريدان توجيه أكبر كم من الضربات لجعجع، خصوصاً على أبواب الانتخابات، وفتح الكثير من الملفات له، وصولاً إلى حدّ اعتبار أن مصالح جعجع تتقاطع مع مصالح رئيس مجلس النواب نبيه برّي. هذه معركة سيخوضها التيار إلى النهاية، في محاولة لإعادة تعزيز وضعه سياسياً في الشارع المسيحي. ولذلك، يستمر رفض التيار ورئيس الجمهورية لأي مسعى يقوم به البطريرك الراعي لمعالجة حادثة الطيونة. وأيضاً يرفض عون وباسيل مبدأ المقايضة بين الطيونة وتفجير المرفأ، لأنهما يعتبران أن التحقيقات تستهدف أكثر خصومهما، أي علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، برمزية قربهما من نبيه برّي وسليمان فرنجية. وبالتالي، عون وباسيل يستفيدان من هذه التحقيقات، في الصراع المفتوح من قبلهما والتنافس مع أمل وتيار المردة على الفوز بالعلاقة مع حزب الله.
أما المنهج الذي يتبعه حزب الله فسيكون له انعكاسات إيجابية على جعجع مسيحياً، خصوصاً إذا ما استشعر المسيحيون أن جعجع يتعرض لمحاولة عزل، أو لمحاولة نسج تحالف رباعي جديد بوجهه.
طريق طويل
الواقع السياسي والشعبي في حالة بالغة السوء. التوتر على أشده، والاستنفار قائم، ويبدو أنه سيستمر طويلاً. الحكومة معلقة بانتظار إيجاد المخرج الذي لا يزل بعيداً، وقد تطول طريق الوصول إليه في السياسة وفي القضاء. كل المؤشرات تقود إلى التخوف من حصول جولات متتالية من الصراعات الشعبية والسياسية والأمنية.
المصدر: المدن