في تحدٍ مباشر لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، أقدمت عائلة الأسير السوري المحرر مدحت صالح، الذي قتل برصاص قناصة إسرائيليين قرب بيته في الجانب السوري من خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان، أول من أمس (السبت)، على فتح بيت عزاء أسمعت خلاله خطابات عديدة تشيد بالمغدور، ودوره في خدمة أهله ووطنه.
وأشار العديد من سكان الجولان المحتل إلى أهمية مدحت صالح لهم. وكيف أن مؤيدي النظام السوري ومعارضيه يقفون صفاً واحدة حزناً عليه وأسفاً على شبابه. وروى أحدهم سيرته قائلاً: «الرجل يحمل الهم الوطني منذ الصغر، وعندما قررت إسرائيل سن قانون بضم الجولان المحتل إلى سيادتها في عام 1981، قرر تصعيد مقاومة الاحتلال وأقام سوية مع رفاق له خلية مسلحة. وقد اعتقلته المخابرات الإسرائيلية في 1983، لكنها لم تستطع إثبات أي تهمة عليه. وأطلقت سراحه. فهرب إلى سوريا. وعندما تسلل عائداً، اعتقلته وحكمت عليه بالسجن 12 عاماً. وبعد إمضائه كل فترة الحكم، عاد إلى سوريا. وهناك انتخب عضواً في مجلس الشعب، ثم عين مسؤولاً في الحكومة السورية عن الجولان. وفي سنة 2011 تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة. وبقي مخلصاً للجولان وقضيته واحتياجاته بلا حسابات حزبية». كانت إسرائيل قد واصلت الصمت إزاء اغتيال مدحت صالح، لكن وسائل الإعلام العبرية تمكنت من تحصيل معلومات من مصادر مجهولة في أجهزة الأمن، من طرف إيران، وقد كلف بتحويلها إلى جبهة ضد إسرائيل. وقالت إن مدحت صالح، ورغم إخلاصه لإيران، إلا أنه لم يكن يحب «حزب الله»، ويعارض نشاطه في الجولان، ويعتبره «تنظيم عنجهية متكبراً». ولذلك كثر أعداؤه في سوريا ومكانته السياسية لم تكبر.
وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر استخبارية في تل أبيب، إن صالح كان يسكن في بيت يقع في قرية عين التينة في ريف القنيطرة، مقابل ما يعرف باسم تلة الصيحات، جنوب شرقي مجدل شمس. وتلة الصيحات هي التي يقف عليها أبناء الجولان على طرفي الحدود، أولئك الذين ما زالوا منغرسين في الأرض رغم احتلالها وأولئك الذين تم ترحيلهم سنة 1967 عند الاحتلال. ويتبادلون الحديث عبر مكبرات الصوت ويقيمون مهرجانات وحتى مناسبات اجتماعية ودينية معاً. ولكن هذه المسافة القريبة، التي أتاحت هذا التواصل بين الأهل، أتاحت أيضاً للقناصة الإسرائيليين بإطلاق نيران هذا الاغتيال.
وحسب المراسل العسكري لموقع «واللا» الإخباري في تل أبيب أمير بوحبوط، فإن «من أراد أن يصفي صالح، لم يكن بحاجة إلى تفاصيل كثيرة للتعرف عليه، لأنه كان شخصاً سميناً وطوله حوالي المترين، ونفذ عملية الاغتيال بطريقة تعمدت إخفاء أي علامة حتى لا تعطي أحداً حجة للتصعيد. ولذلك، فإن دقة إطلاق هذه النيران بقيت في حدود حيز النفي الذي لا يستدرج رد فعل».
وكتب بوحبوط، أمس (الأحد)، أن «نشاط إيران في جنوب هضبة الجولان السورية في السنتين الأخيرتين يُشغل جهاز الأمن الإسرائيلي، لأن طهران تسعى لأن تقيم في هذه المنطقة قوة إرهابية مدربة ومنظمة وفق نموذج (حزب الله).
ويشمل هذا الجهد سيطرة يتفق عليها على مواقع للجيش السوري، وتنفيذ عمليات من داخل الموقع تشمل جمع معلومات استخباراتية ونصب أسلحة تخدم في المستقبل القوات التي ترسلها إيران، إلى جانب إقامة مواقع داخل القرى السورية ومحيطها، ونشر خلايا إرهابية بدعم أبناء المنطقة وأنشطة أخرى».
ونقل بوحبوط، عن مصادر قولها إن «صالح كان أحد الأشخاص الذين جندتهم إيران ليكونوا حلقة وصل بين مسؤولين إيرانيين ونشاط إرهابي في هذه المنطقة. وقد عمل طوال الوقت منذ الصباح حتى المساء وفقاً لمصالح إيرانية، وبخلاف كامل لمصالح نظام الأسد الذي يبحث عن الهدوء عند الحدود الإسرائيلية».
وأما المراسلة العسكرية لصحيفة «يسرائيل هيوم» ليلاخ شوفال، فنقلت انطباعات لدى مسؤولين إسرائيليين بأنهم «يتعاملون بجدية مع تهديد الميليشيات الموالية لإيران في سوريا بأنه سيكون هناك (رد شديد) على اغتيال صالح»، ولهذا فإنها أبقت على «رفع حالة التأهب في صفوف القوات الإسرائيلية، المعلنة منذ تنفيذ غارتين جويتين إسرائيليتين، الأسبوع الماضي، في تدمر في منطقة مطار تي – 4 في محافظة حمص».
وحذرت شوفال من «زيادة المخاطر على حرية العمل الإسرائيلية في سوريا. إذ إن الروس ليسوا راضين دائماً عن الغارات الإسرائيلية. و(حزب الله) يهدد بالرد على أي استهداف لعناصره في الأراضي السورية، الأمر الذي يقلص حرية العمل الإسرائيلية، وفي العام الماضي وجد الجيش الإسرائيلي في أكثر من 100 يوم في حالة استنفار بعد مقتل أحد عناصر (حزب الله) بغارة منسوبة لإسرائيل في سوريا».
المصدر: الشرق الأوسط