للحادثة الدموية أبعاد وانعكاسات سياسية وقضائية. ولا مصلحة لأي طرف في تصعيد ميداني أو عسكري أو أمني. وهناك مسائل ثلاث أساسية أصبحت داهمة: مصير التحقيقات في انفجار المرفأ والقاضي طارق البيطار. والتحقيق في حادثة الطيونة، وكيف يمكن التعامل مع القوات اللبنانية من الناحيتين السياسية والقضائية؟ وتأثير ذلك على مسار الحكومة ومصيرها. وما تحاوله القوى من تسجيل نقاط لصالحها من جراء ما حدث.
تفاهم مار مخايل
تريد القوات القول إن المناطق المسيحية خطّ أحمر، وأن فائض القوة لا يمكن أن يُمارس على المسيحيين. وتريد أيضاً تسجيل مجموعة أهداف مسيحية في مرمى التيار العوني. فاتفاق مار مخايل يصلح سياسياً وفي حسابات الطرفين اللذين يديرانه، لكنه بلا أفق شعبي، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى حدود الدماء.
وعهد الرئيس ميشال عون هو الخاسر الأكبر. فبعد فشله الاقتصادي والمالي، ثمة فشل أمني محدق، ويمس المسيحيين مباشرة، بعدما لم يعد يسعهم الجلوس متفرجين على تقاتل سنّي-شيعي، أي مسلمين في ما بينهم. فالمعركة باتت تطال البيئة المسيحية هذه المرة.
وفي المقابل، سجل حزب الله انتصاراً معنوياً وسياسياً: أولاً، أثبت مجدداً أنه الضحية ويتعرض لضربات متوالية. وهو ينأى بنفسه عن الردّ حفاظاً على السلم الأهلي وعدم التورط في الدم، إضافة إلى شد العصب الشيعي. وهنا، فوق كل المآسي، الضد يظهر حسنه الضد، طبعاً بمعنى معكوس.
صعوبة حياد الجيش
وهذا لا ينفي أن حزب الله يواجه مشاكل عدة: من مواجهة شويا مع الدروز، إلى مواجهة خلدة مع السنّة، وحالياً المواجهة مع المسيحيين على خلفية التحقيقات في انفجار المرفأ.
وينطبق الأمر نفسه على وضع الجيش اللبناني: لا يمكنه استنساخ السلوك الذي اتبعه في 7 أيار 2008. أي الوقوف على الحياد. فالمعركة الراهنة تطال المنطقة المسيحية. وفي حال جاء موقفه مماثلاً لموقفه في العام 2008، يظهر عاجزاً عن حماية البيئة والمناطق المسيحية. وهذا يعني الكثير رمزياً ومعنوياً. وفي 7 أيار كانت المعركة بين السنة والشيعة والمناطق المسيحية محيدة.
اتصال عون بجعجع
وفي الاتصال بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ظهر الخميس، أثناء الاشتباكات وإطلاق النار، طلب عون من جعجع سحب المسلحين والتوقف عن إطلاق النار، فأجاب جعجع: “فخامة الرئيس لا وجود لأي مسلّح تابع لنا، والجيش اللبناني موجود، ويمكنه إلقاء القبض على أي مسلّح يطلق النار أو أي شخص يحمل سلاحاً. نحن لا نغطّي أحداً”.
ثمة تفسيران لموقف عون: البعض اعتبر اتصاله بجعجع بعد اتصاله ببري نوعاً من إعادة القوات إلى المعادلة السياسية والبحث عن حلّ سياسي. فيما يركز التفسير الآخر على أن عون أجرى اتصاله برئيس القوات ليقول له: إنني أغسل يدي مما قد يجري. وهذا التفسير يرتبط بما هو أبعد، في حال أصر حزب الله على إحالة القضية على المجلس العدلي، وصولاً إلى المطالبة بحّل حزب القوات اللبنانية.
تكرار سيدة النجاة؟
في حال حصل ذلك، لا بد من النظر إلى موقف رئيس الجمهورية والساحة المسيحية التي ستعتبر نفسها مستهدفة. وهذا قد يعزز وضعية القوات شعبياً، مع تنامي وجهة نظر تقول إن القوات هي آخر من يتصدى لحزب الله.
وفي حال إجراء شامل ضد القوات -مثلما حصل بعد حادثة سيدة النجاة- يعني أن حزب الله وضع يده على البلد كله، وسيطر على الجميع، وهذا له ارتداداته السلبية.
ولدى القوات رواية أخرى عما جرى. فمصادرها تقول إن لديها تقارير مفصلة ستسلمها للجيش وللقضاء اللبنانيين. فاشتباكات عين الرمانة بدأت بالأيدي، بعدما حاولت مجموعة من مناصري الثنائي الشيعي الدخول إلى المنطقة، فحدث تكسير سيارات وتراشق بالحجار. وحينذاك أطلق شخص من مجموعة الثنائي النار من مسدس أصاب 4 شبّان من مناصري القوات، واندلعت الاشتباك النارية.
وتشدد مصادر القوات على أن إطلاق النار من جهة عين الرمانة انتهى سريعاً، وتنفي أن تكون استمرت بالاشتباكات طوال المدة التي استغرقها إطلاق النار.
المصدر: المدن