انتقل التصعيد العسكري الذي يشهده الشمال السوري إلى ريف حلب الشمالي الذي يخضع قسم منه لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) والتي استهدفت مجموعة تابعة لها مدرعة تركية بصاروخ روسي من منطقة خاضعة لنفوذ موسكو، ما يؤكد استمرار الخلاف بين الروس والأتراك حول ملفات الشمال الغربي من سورية. وأعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أمس الإثنين، مقتل شرطيين اثنين من أفراد المهام الخاصة التركية جراء هجوم شنّته جماعة تطلق على نفسها “قوات تحرير عفرين” الأحد في ريف حلب الشمالي. وقال صويلو في تغريدة عبر “تويتر”: “إن عنصري شرطة المهام الخاصة جهاد شاهين، وفاتح دوغان، استشهدا في مدينة مارع بمنطقة عملية “درع الفرات” جراء هجوم بصاروخ موجّه نفذه تنظيم “بي كا كا-ب ي د” (العمال الكردستاني- الاتحاد الديمقراطي) الإرهابي انطلاقاً من مدينة تل رفعت”. وكانت وزارة الداخلية التركية ذكرت في بيان، أن الهجوم نفذ بصاروخ موجّه انطلاقاً من منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي، واستهدف مدرعة تركية في منطقة عملية “درع الفرات” بين مدينتي مارع وأعزاز. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن جنديين تركيين قُتلا في الهجوم بصاروخ موجّه من قبل قوات تحرير عفرين قرب مدينة مارع في ريف حلب الشمالي. وقصفت المدفعية التركية قرية الشيخ عيسى ضمن مناطق انتشار القوات الكردية في ريف حلب الشمالي، رداً على الهجوم.
وتسيطر الوحدات الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي في “قسد”، على مدينة تل رفعت وقرى في محيطها في ريف حلب الشمالي منذ مطلع عام 2016 حين دحرت فصائل المعارضة تحت غطاء جوي روسي لتتحول المنطقة إلى مجال نفوذ روسي. وكان جندي من القوات التركية قد قُتل الخميس الماضي، وجرح آخرون، إثر قصف مدفعي لـ”قسد” استهدف قاعدة عسكرية للجيش التركي في منطقة “درع الفرات” الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني” المعارض شمال شرقي محافظة حلب.
ويأتي التصعيد العسكري من قبل القوات الكردية في خضم خلاف تركي روسي حول مصير الشمال الغربي من سورية الذي يضم محافظة إدلب ومحيطها. ومن الواضح أن هجوم الأحد الذي استهدف المدرعة التركية انطلق من المنطقة التي تخضع للنفوذ الروسي، وهو ما يفسره مراقبون بمحاولة موسكو الضغط على أنقرة من أكثر من اتجاه. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم “الجيش الوطني” المعارض الرائد يوسف حمود، في حديث مع “العربي الجديد” إن “هناك تناغما بين القصف الجوي والمدفعي من قبل الروس والنظام في شمال غربي سورية، وبين عمليات تقوم بها مليشيا قسد في ريف حلب”. وبيّن أن القصف الذي حدث الأحد على المدرعة التركية “كان بصاروخ روسي من نوع كورنيت”، مضيفاً: “موسكو تستخدم هذه المليشيا لتحقيق غايات سياسية”. بدوره أشار النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، إلى أن العملية التي جرت الأحد “رسالة روسية للجانب التركي”، مضيفاً: “الاستهداف الصاروخي للمدرعة التركية حصل من منطقة خاضعة للنفوذ الروسي في ريف حلب الشمالي”.
من جهته، أوضح المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “اعتداءات قوات قسد ليست حكراً على القوات التركية في شمال سورية، وهذه القوات في النهاية أداة بيد مشغليها سواء كانوا النظام أو الجانبين الروسي والأميركي، وتتنقل بالولاء بين هذه الجهات”. وتابع بالقول: “موسكو تستثمر بهذه القوات، والعمليات التي تقوم بها ضد الجيش التركي خدمة واضحة للروس والنظام. قوات قسد فتحت قنوات اتصال مع الروس والنظام لأن الجانب الأميركي عاجلاً أم آجلاً سينسحب من سورية ويترك الملف كله بعهدة الجانب الروسي”. وحول رد الجيش التركي الذي ينتشر على طول الشمال السوري من محافظة إدلب غرباً وحتى محافظة الحسكة شرقاً مروراً بريفي حلب والرقة، قال الفرحات إن “أنقرة ترد على هذه الاستفزازات ضمن ضوابط”، مضيفاً: “الأتراك لا يريدون التصعيد الواسع كيلا تدخل المنطقة في متاهات، ولكن إذا استمرت العمليات لن يستمر الرد الموضعي من قبل الأتراك. الوضع الآن لا يستدعي رداً تركياً واسع النطاق. قسد لا تملك القدرة على الدخول بمعركة مع الجانب التركي، وهي تنفذ أجندة الروس في شمال سورية”.
وتعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الرد التركي على العمليات التي تقوم بها “قسد” في شمال سورية “مرتبط بالوضع الداخلي التركي”، مضيفاً: “تركيا مقبلة على انتخابات وتريد استقراراً وعدم التصعيد، أي عملية عسكرية واسعة النطاق تعرّض الجيش التركي لخسائر وهو ما من شأنه وضع الحكومة أمام مأزق”.
وغير بعيد عن ريف حلب الشمالي، استهدفت قوات النظام فجر أمس الإثنين محيط بلدة كفرنوران شمال غربي حلب، بأكثر من 50 قذيفة مدفعية ثقيلة، وفق نشطاء محليين. وكانت فصائل المعارضة السورية قد أعلنت مساء الأحد أنها قتلت خمسة عناصر لقوات النظام وأصابت آخرين بجروح، عقب رصدهم ضمن الخطوط المتقدمة على جبهة البريج في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي. ويدل التصعيد المتواصل في ريف إدلب الجنوبي على أن الطرفين التركي والروسي بعيدان حتى اللحظة عن التوصل لتفاهمات جديدة، حول الشمال الغربي من سورية، وقالت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام إن أنقرة “تقدم حلولاً وبدائل في غير محلها”، مشيرة إلى أن الجانب التركي يواصل “توجيه رسائل وبالونات اختبار لا تناسب روح وبنود الاتفاقيات الثنائية الموقعة”، مع الجانب الروسي. كما قالت الصحيفة إن تطبيق بنود “اتفاق موسكو”، المبرم العام الماضي بين الروس والأتراك حول إدلب، “بعيد المنال على الرغم من كونه مطلباً ملحّاً ومستعجلاً لروسيا، بوصفه مسألة سورية سيادية وحاجة اقتصادية حيوية راهناً للحكومة السورية”، وفق الصحيفة. ويضغط الجانب الروسي على الأتراك لتطبيق بنود اتفاق موسكو، خصوصاً لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4”.
المصدر: العربي الجديد