بعد أيام على القمة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، للتباحث حول مصير الشمال الغربي من سورية، بدأ النظام السوري التمهيد الإعلامي لشنّ عملية واسعة النطاق في ريف إدلب الجنوبي، بهدف استعادة السيطرة على الطريق الدولي “أم 4” (أوتوستراد حلب ـ اللاذقية)، الذي يبدو محلّ خلاف كبير بين أنقرة وموسكو. وأفادت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام بأنه عزز قواته في ريف إدلب الجنوبي، استعداداً لعملية عسكرية واسعة النطاق وشيكة في المنطقة”.
ومع أن النظام سبق أن أعلن تحضيراته لمعركة السيطرة على طريق “أم 4” سابقاً، إلا أن وتيرتها ازدادت بعد قمة أردوغان بوتين، بعد فشل الجانبين في إقرار تفاهم جديد بينهما. كما تأتي تهديدات النظام بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، دعا فيها تركيا لتسريع إنجاز “الهدف النهائي” في محافظة إدلب، مطالباً بإنهاء ملف “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري، يوم الإثنين الماضي، إن التهديد “الإرهابي” لا يزال قائماً في منطقة خفض التصعيد في إدلب، “بل يتزايد في بعض الأماكن”، معتبراً أن “الهدف النهائي هو القضاء على هذه المجموعات الإرهابية. نحن نلتزم بهذا النهج. وكلما أسرعت تركيا في إنجازه كان أفضل”.
ويُعدّ ريف إدلب الجنوبي الذي يمرّ خلاله الطريق الدولي “أم 4″ الذي يربط غربي البلاد بشمالها وشرقها، هو الهدف الأبرز أمام قوات النظام والجانب الروسي، لكن تحقيق هذا الهدف صعب، بسبب احتفاظ فصائل المعارضة السورية بوجود يُوصف بـ”القوي” في تلك المنطقة، مستفيدة من انتشار عشرات النقاط العسكرية التركية. كما يضمّ هذا الريف نحو 30 بلدة تابعة لمنطقة جبل الزاوية، بالإضافة إلى مدينة أريحا، إحدى أكبر مدن محافظة إدلب، ويقطن فيها عشرات آلاف المدنيين، المهددين بالنزوح في حال نشوب اشتباكات واسعة.
ويبدو أن فصائل المعارضة السورية تستعد لكل الاحتمالات، بما فيها المواجهة واسعة النطاق مع قوات النظام ومليشيات إيرانية ومحلية تدعمها. وحول هذه الاستعدادات، يشير المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” (أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية) في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن الفصائل “تملك جاهزية قتالية كاملة لأي سيناريو محتمل قد تقوم به قوات الأسد والمليشيات الإيرانية وقوات الاحتلال الروسي”. ويوضح أنها أعدت مقاتليها للمواجهة من التدريب المستمر في معسكراتها في إدلب، مضيفاً: لدينا مراكز محصّنة في نقاط التماس وخطط دفاعية وهجومية. ويشدّد على استعداد الفصائل “لأي عمل عسكري واسع النطاق ربما تقدم عليه قوات الأسد والمليشيات الإيرانية بدعم روسي”. ويستفيض بالقول: “نحن نقوم حالياً بالرد على أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل هذه القوات، والفصائل تستطلع بشكل دائم تحرّكات العدو في ريف إدلب الجنوبي”.
من جانبه، يرى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لا يمكن لقوات النظام استعادة الطريق الدولي أم 4″، لافتاً إلى أن الحسم العسكري مرتبط بعوامل عدة، أبرزها العامل المعنوي. وقال إن “قوات النظام عبارة عن مرتزقة يقاتلون من أجل المال، ويعتنقون عقيدة تخريبية، ولا يمتلكون أي إرادة قتال”. ويشير إلى أن المعلومات الاستطلاعية تؤكد أن “حجم القوات في منطقة معرة النعمان وحاس وكفرومة وكفرنبل غير قادرة على خوض قتال واسع النطاق في منطقة جبل الزاوية شديدة التحصين”، مشيراً إلى أن هذه المنطقة وجبل الأربعين هي حاكمة هذا الطريق، بدءاً من أريحا وصولاً إلى جسر الشغور.
ويوضح الفرحات أن أي تقدّم لقوات النظام سيصطدم بمقاومة شرسة ولن يكون سهلاً أبداً. ولا يمكن نسيان أن هناك قوات تركية في محافظة إدلب ليست للمراقبة فقط بل جاهزة للقتال، فضلاً عن أن مقاتلي المعارضة يدافعون عن أهلهم. ويعرب عن اعتقاده بأن سيطرة النظام على طريق أم 4 واستعادة الحركة عليه “شبه مستحيل وفق المعطيات”، معتبراً أنه يجب أن يكون هناك توافق سياسي روسي تركي على هذا الأمر. ومن دون الطيران الروسي لا تستطيع قوات النظام التحرك على الأرض شبراً واحداً.
وفي مقابل التعزيزات والتهديدات من قبل النظام والجانب الروسي، عزز الجيش التركي أخيراً نقاط تمركزه في ريف إدلب الجنوبي الذي يضم منطقة جبل الزاوية، وتنتشر عناصره في بلدات: البارة، كنصفره، بليون، احسم، رويحة، جوزيف، تل النبي أيوب، كدورة، منطف، تل الشيخ تمام، دير سنبل، سرجة. وكشفت مصادر محلية أن للجيش التركي نقاطاً ليست بعيدة عن نقاط التماس مع قوات النظام، مشيرة إلى أن للأتراك نقطتين في بلدة قسطوم في منطقة سهل الغاب، شمالي غرب حماة. وأوضحت أن الجيش التركي نشر نقاطاً في تلال حاكمة، مثل تل الرويحة التي تكشف منطقة معرة النعمان، وتل بدران في كنصفره، والتي تكشف سهل الغاب وجبل شحشبو، والبارة التي تكشف بلدة كفر نبل ومحطيها.
وأشارت المصادر إلى أن النقطتين الموجودتين في دير سنبل وكدورة من الجهة الجنوبية الشرقية لمنطقة جبل الزاوية، تكشفان الطريق الدولي “أم 5” (أوتوستراد حلب ـ دمشق) والذي يمرّ في مدينة حماة ومدينتي معرة النعمان وسراقب، اللتين استعادهما النظام في الربع الأول من العام الماضي.
وذكرت المصادر أن للجيش التركي نقطتين في بلدتي النيرب وأفس في ريف إدلب الشرقي، وهما قريبتان من سراقب، مشيرة إلى أن هاتين النقطتين تطلان على المدينة وتكشفان طريق “أم 5”. وللجيش التركي قاعدتان كبيرتان في محافظة إدلب، الأولى في معسكر المسطومة، جنوبي غرب إدلب، وهي الكبرى وفيها قيادة الجيش التركي في الشمال الغربي من سورية، والثانية في مطار تفتناز في شمال شرقي إدلب. ومن المتوقع ألا يبقى آلاف الجنود الأتراك المنتشرين في عموم محافظة إدلب مجرد متفرجين في حال تقدمت قوات النظام على الأرض، ما يعني عملياً نشوب مواجهة بالوكالة بين الروس والأتراك في سورية يحاول الجانبان تفاديها.
وفي هذا الصدد، حذّر المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” التركي، عمر جليك، من أن أي توتر سينشب في محافظة إدلب سيؤدي إلى موجات هجرة ومآس إنسانية جديدة. وأكد خلال مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس الثلاثاء، على هامش اجتماع هيئة القرار والتنفيذ المركزي للحزب الحاكم في مقره بالعاصمة أنقرة، برئاسة أردوغان، أن بلاده تولي أهمية كبيرة للحفاظ على السلام والاستقرار بشكل دائم في إدلب ومناطق أخرى من سورية. ووفق وكالة “الأناضول”، قال جليك: “أي توتر سينشب في إدلب التي يعيش فيها حوالي 4 ملايين شخص في ظروف صعبة للغاية، سيؤدي إلى موجات هجرة ومآسٍ إنسانية جديدة. نواصل متابعة كل التفاصيل حتى لا يحدث ذلك”.
المصدر: العربي الجديد