ليس استدعاء الحكومة الجزائرية سفيرها في فرنسا بعدما استدعت الخارجية الجزائرية سفير فرنسا في الجزائر فرانسوا غوييت حدثاً استثنائياً، فالتوترات والشكوك الجزائرية إزاء فرنسا وقياداتها تسود منذ عقود. هذه المرة السبب الأساسي هو القرار الفرنسي تخفيض عدد تأشيرات الدخول الممنوحة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس. ووصفت الجزائر في بيان القرار الفرنسي بأنه احادي الجانب و يؤثر سلباً في سلاسة حركة الجزائريين.
واقع الحال ان باريس تصر منذ نحو سنة على إعادة الدول الثلاث مواطنيها الذين دخلوا بطريقة غير شرعية الى الأراضي الفرنسية وبقوا في فرنسا، ومعظمهم من دون أوراق شرعية، ومنهم من يشتبه به بارتكاب جرائم وأعمال تخريبية. وزار وزير الداخلية جيرالد دارمانان الدول الثلاث قبل سنة وأبلغ المسوؤلين فيها ان عليها الاسراع في اعادة مواطنيها الموجودين بصفة غير شرعية. لكن الدول الثلاث لم تتعاون في اعادتهم. وخلال زيارته الجزائر ركز الوزير الفرنسي على الإسلاميين المتطرفين الجزائريين الموجودين في فرنسا ورغبة باريس في عودتهم الى بلدهم، لكن الحكومة الجزائرية استجابت ببطء لهذا الطلب. فمن اصل7000 جزائري موجودين بصفة غير شرعية في فرنسا استعادت الحكومة الجزائرية اقل من 30 خلال سنة ونصف السنة في حين استعادت قبل جائحة كورونا في2019، نحو 1700 مقيم غير شرعي على الأراضي الفرنسية. وهناك ضغط كبير تسببه حركة “الحراقة “الجزائريين الذين يصلون يوميا بالمئات واحيانا بالآلاف خلال 24ساعة الى جنوب اسبانيا عبر المتوسط ثم يتسللون الى فرنسا.
واضطر غياب أي تعاون من الحكومة الجزائرية ومن الحكومة المغربية وبوتيرة أقل من تونس، الحكومة الفرنسية الى ان تخفض عدد التأشيرات لمواطني هذه الدول الى فرنسا.
يضاف الى ذلك ان فرنسا دخلت في فترة انتخابات الرئاسة في نيسان (ابريل) المقبل وموضوع الهجرة والإرهاب والإسلام المتطرف محوري بين المنافسين الأساسيين وهم الرئيس ايمانويل ماكرون الذي لم يعلن بعد عن إعادة ترشحه ولكنه شبه مؤكد ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن رئيسة حزب التجمع والنجم الصاعد في اليمين المتطرف اللا مرشح حتى الآن ايريك زيمور. واللافت ان وحدها الجزائر استدعت سفيرها في فرنسا. فالمغرب اكتفى بإصدار بيان لوزير خارجيته يقول ان المغرب سيتابع الامر عن قرب مع السلطات الفرنسية وانه قرار غير مبرر، وأن القنصلية المغربية في فرنسا منحت خلال الأشهر الثمانية ما يقارب 400 تصريح مرور لاشخاص كانوا في وضعية غير قانونية. لكن وزير الداخلية الفرنسي قال إن المغرب منح138 تصريحاً بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) من هذه السنة ما يمثل نسبة تعاون لا تتجاوز 25 في المئة. اما تونس فبقيت صامتة، ولكن المحادثات بين المسوؤلين الفرنسيين والتونسيين على مختلف المستويات مستمرة وآخرها اتصال ماكرون بنظيره التونسي قيس سعيد يوم السبت.
اما الجزائر فكثيرا ما تعاتب واحيانا توجه انتقادات لاذعة واحيانا تغضب من فرنسا . فالعلاقة الفرنسية الجزائرية تتسم باستمرار نوع من الحب والكراهية. فكل ما يأتي من رفاهية الحياة الفرنسية يجذب جزائريين كثرا، خصوصا الشباب والشابات بينما التشكيك يهيمن على النظرة الجزائرية المرتبطة بالسياسة والقرارات الفرنسية. انتقدت الرئاسة الجزائرية في بيان لها ما نسبته صحيفة “لوموند” من قول الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون امام أبناء “الحركيين” الجزائريين الذين حاربوا الى جانب فرنسا خلال الثورة الجزائرية من ان “بناء الجزائر كدولة ظاهرة ينبغي النظر فيها. فهل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟…كانت هناك استعمارات سابقة” في إشارة الى فترة الحكم العثماني. ثم قال ماكرون مخاطبا شابة جزائرية ولدت في مرسيليا قالت له ان ليس هناك كراهية لدى الشباب الجزائري تجاه فرنسا: “انني لا اتحدث عن المجتمع الجزائري، ولكن عن النظام السياسي العسكري وهو نظام منهك والحراك اضعفه ولدي حوار جيد مع الرئيس تبون ولكنني أراه واقعا في نظام قاس جدا”. وندد البيان الجزائري بهذه الاقوال التي لم ينفها ماكرون واعتبرتها الجزائر تدخلاً مرفوضا بسياسة البلد .
وكانت الجزائر استاءت من تقرير المؤرخ بنجامين ستورا حول ذاكرة الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال الجزائرية الذي طلب ماكرون من ستورا اعداده رغبة منه في تحمل مسوؤلية فرنسا في الجرائم التي ارتكبت خلال الفترة .والجزائر مصرة على اعتذار فرنسا عن كل الاعمال في تاريخ البلدين، وماكرون كما كل الرؤساء الذين سبقوه لم يستجيب لهذا الطلب في حين أنه ذهب ابعد من الرؤساء الفرنسيين السابقين في تحمل مسوؤلية عدد من الجرائم . وهكذا فتقلص عدد التأشيرات للجزائريين ليس الا واحد من أسباب التوتر في العلاقة بين البلدين .
ان الخطوة الفرنسية بتقليص التأشيرات بسبب عدم تعاون هذه الدول مفهومة من بلد تعرض مراراً لهجمات وعمليات إرهابية اغلب منفذيها كانوا من أبناء هجرة دول شمال افريقيا الثلاث .منهم من ولد في فرنسا وهو فرنسي وبعضهم الآخر من المقيمين غير الشرعيين من هذه الدول. ومن الطبيعي ان يسود الحذر إزاء المتسللين الى أراضيها من هذه الدول وبقائهم على الأراضي الفرنسية خارج القانون. واعمال هؤلاء تدفع الى التشدد والعنصرية في صفوف اليمين السياسي والاجتماعي الفرنسي الذي كثيرا ما لا يميز بين الجالية المسلمة الفرنسية الهادئة والاكبر في أوروبا وبين الارهابيين الذين يقومون بعمليات إرهابية باسم الإسلام، ليصبح موضوع الإسلام في فرنسا قضية سياسية تغذيها النقاشات الإعلامية على معظم الشاشات التلفزيونية التي هي الأكثر مشاهدة في دول شمال افريقيا .فالعلاقة بين فرنسا والمغرب وتونس رغم المشاكل العابرة جيدة ومتينة في حين انها تشهد صعودا وهبوطا مع الجزائر بسبب التاريخ وبسبب فشل النظام الجزائري في انعاش شعبه الكبير وشبابه.
المصدر: النهار العربي