(زوينة الكلباني)، روائية عمانية لها العديد من الروايات، هذه الرواية الاولى التي اطّلع عليها.
أرواح مشوشة، رواية تعتمد صيغة المتكلم، على لسان بطلتها سما سلطان، وقد تتبادل الادوار في السرد مع شخصيات اخرى في الرواية، بصيغة المتكلم ايضا، مما يضفي على الرواية صفة الحميمية بين الروائي والقارئ. كما أن الرواية تعتمد خطا زمانيا متصاعدا، تنمو معه الأحداث وتتبلور، يحدث ذلك مع التوغل أكثر في حكاية الشخصيات المتعددة والمنتمية الى دائرة سما محور الرواية: عائلتها والأقرباء والعلاقات الاجتماعية بما فيها علاقات الحب والزواج، المتعثر منه والناجح، تنهي أحداث الرواية، حيث تضعنا أمام عمل مكتمل ونصبح عبر اطلاعنا عليها جزء من الرواية بتفاصيلها.
تبدأ الرواية من سما سلطان المتحدثة عن حياتها منذ طفولتها في قرية مجاورة لمدينة مسقط عاصمة سلطنة عمان. تنتمي لأسرة موسرة الأب يعمل بالتجارة، وكذلك إخوته، تتألف الاسرة من الاب والام وأخاها حمد. تكبر محاطة برعاية العائلة، وخاصة عمتها غالية، عمتها الجميلة المتميزة المعطاءة الراضية بما تعيش. كان والدها قد حرمها من الزواج؟ لأنها في اول نضجها رفضت أن تتزوج من ابن عمها، بدعوى انها صغيرة وتريد ان تكمل دراستها، لم يجبرها والدها على الزواج، لكنه قرر اخراجها من مدرستها وعدم تزويجها اطلاقا، كان يرفض كل متقدم لها، وذلك يسمى بالعرف الديني والاجتماعي: العضل؟ لم يستطع أحد أن يقف في وجه الوالد وقراره، وهي قبلت بقدرها، واصبحت عانسا، تقدم بها السن دون زواج، استعاضت عن زواجها برعاية أبناء وبنات اخواتها وإخوتها، أصبحت أمّا ثانية لهم. كانت محبوبة الكل وخاصة سما التي كبرت في رعاية عمتها غالية. يتوفى والد غالية، وتصبح حرة في الزواج ويطلبها البعض، لكنها ترفض، لأنها لا تريد ان تغضب والدها او تكسر كلمته رغم موته ؟!!، لقد وضعت نفسها شهيدة عرف اجتماعي غير عادل. كبرت العمة غالية وفي سن الخمسين أصيبت بالسرطان، وبعد معاناة من المرض والعلاج توفيت، وتركت غصة في نفوس العائلة كاملة وخاصة سما التي لن تنسى عمتها ابدا، خاصة انها سترث منها محبتها للماء وصحبتها له وتحدثها الدائم عنه، والتطهر به دوما. كانت والدة سما متميزة ايضا. اسمها عالية، كانت تهتم بعائلتها كثيرا، وبحكم امكانياتهم المادية الجيدة، وجهت طاقتها لمساعدة الايتام والفقراء. تذهب كل وقت الى ميتم تصطحب معها بعض أطفاله، تأخذهم في جولة يتفسحوا فيها وتشتري لهم الملابس والاطعمة، ثم تعيدهم الى دار الايتام التي يعيشون بها. هؤلاء الأطفال بعضهم مجهولي النسب، لقطاء، تعلق أحدهم اسمه إبراهيم ذو بشرة سوداء كثيرا بالأم وطلب منها أن تكون أمه وتكون عائلتها عائلته، حاولت ان تضمه لها، طلبت من المسؤولين ذلك، رُفض طلبها لاختلاف لون البشرة؟ عانى ابراهيم كثيرا، وعدته الام ان تبقى ترعاه دائما، والتزمت بذلك فعلا. طلبت الأم من الدوائر المختصة أن يخبروها ان كان عندهم من ترعاه وتهتم به وتضمه لعائلتها، خاصة انها وزوجها قررا أن لن تنجب الأطفال بعد سما وحمد، لأنها تتعب بحملها وولادتها كثيرا. جاءها خبر بعد وقت ان هناك فتاة بعمر سبع سنوات كانت في رعاية اسرة، توفيت الأم التي ترعاها وتحنو عليها، وأن الزوجة الجديدة تعاملها بقسوة، وانهم مستعدون ان ينقلون وصايتها لها إن أحبت. استجابت الام للطلب والتقت بالطفلة نادين وأحبتها وضمتها لها في منزلها، وسرعان ما أحبها افراد الاسرة جميعا، واحست سما ان لها اخت صغيرة جميلة لونت حياتها بالبهجة. لن تستمر بهجة الحياة عند سما وعائلتها طويلا. كبرت سما واكتشفت ميلها لحب الماء والعمل عليه فنيا، درست في كلية الفنون الجميلة، اختصت في فن (الايبرو) وهو الرسم على الماء، غادرت الى اسطنبول والقاهرة وتعلمت هذا الفن، عادت لترسم وتصبح فنانة مشهورة بهذا الفن ويكون لها مرسمها الخاص. لم تكتمل فرحة سما بما حققته من تقدم في حياتها. توفت والدتها بحادث سير عندما كانت مسافرة الى قطر لزيارة عائلتها هناك، والدة سما أصلها من هناك. فجعت سما بوفاة أمها، تراكمت آلامها على بعضها، في البداية ماتت عمتها غالية والآن تموت والدتها، لقد كانت صدمة كبيرة، زاد من معاناتها، الحزن والمعاناة التي أصابت العائلة كلها وخاصة نادين الطفلة المتبناة، لقد احست نادين مجددا انها قد تعود مشردة مرة أخرى، احتضنها الجميع، وطمأنتها سما انها لن تتخلى عنها أبدا ولن يساء لها ابدا. كانت خيبة أمل سما من والدها كبيرة، فلم يمض على وفاة الوالدة وقت طويل حتى تزوج من امرأة اخرى، حزنت سما على ذكرى والدتها، وكيف نسيها والدها بسرعة، لكن الوالد اوضح لسما انه وكذلك البيت بحاجة للمرأة تقوم على تسيير أموره، وأنه لن توجد المرأة التي تحل محل امها، لكن للحياة ضروراتها، لم تقبل سما بهذا التعليل لكنها استسلمت للأمر الواقع، تعاملت مع زوجة والدها بحياد، وذلك هي بادلتها الموقف، وسرعان ما سيصطدم الوالد بزوجته الجديدة، وتستمر حياة الاسرة بين توتر وراحة. على مستوى آخر استمرت عناية الاسرة بنادين حيث أكملت دراستها وتعلمت على العزف على البيانو، منذ صغرها، كانت الأم قد اشترت لها واحدا لتتعلم عليه، كذلك استمرت عناية الأسرة بإبراهيم اليتيم الذي كبر ودرس الهندسة وتفوق. كانت الأم قد صارحت نادين بأنها تفكر ان تزوجها لإبراهيم، وكانت نادين متقبلة لذلك رغم لون بشرته السوداء. طبعا هناك تاريخ من المقت للون البشرة السوداء، وهو موصوم، وتاريخ العبيد ليس ببعيد، مع ذلك تجاوز إبراهيم هذه العقدة وتفوق، وكذلك نادين التي أحبت به لون بشرته، ورأت فيها جمالا كبيرا. لقد حصل بين نادين وإبراهيم حب عن بعد يظهر في اوقات تلاقيهما برعاية الأم او سما او العائلة التي ترعاهم. وبعد وفاة الأم ونضج نادين وتفوقها في الموسيقى، وتخرج ابراهيم كمهندس وتوظيفه في شركة بأجر مجزي، صار ممكنا أن يتقدم بطلب يد نادين من والد سما، ساعدته سما بإخبار الوالد الذي رحب بالفكرة ودرس الموضوع من كل الجهات، وحصل زواج مكلل بالحب ناجح. وبعد وقت ظهر الحمل على نادين، الكل ينتظر هل سيكون المولود شبه اباه الاسود ام امه ام يحمل تمازج الالوان.
تستقر حياة الأسرة، زواج ابراهيم ونادين، زوجة الاب الجديدة تتأقلم مع اهل البيت ويظهر عليها الحمل مما يحسن في نفسيتها ونفسية الأب والجميع. إن سما على موعد مع أخ جديد قادم. سما تعيش شبه مستقلة في مرسمها، صار لها لوحات كثيرة وأصبحت مشهورة، قامت معارض كثيرة، في مسقط وفي مدن كثيرة، باعت الكثير من اللوحات، أصبح لها دخل ممتاز من لوحاتها. كانت ممتنة لعمتها التي زرعت في نفسها رفقة الماء، كان استقلالها المادي وشغفها الفني يزيح عن فكرها موضوع الحب والزواج. في اعماقها تحبذ أن تكرر تجربة عمتها في عدم الزواج والتعفف وان تعيش لموهبتها وفنها. لكن ظهر سعد في حياتها وقلبها رأسا على عقب. سعد زميل طفولتها في مدارس مسقط يتذكرها، كان قريبا منها، وكانت داخله حاضرة دوما. لكن انتقاله وعائلته الى مدينة اخرى جعله يعيش حياة اخرى. والده تاجر يعيش حياة موسرة وهو ايضا درس التجارة وتابع العمل التجاري مع والده، عندما كبر زوجه والده من ابنة شريكه في التجارة، وبما أنه كان خالي من اي علاقة او حب، فقد تزوج على رأي والده، كانت حياته عادية وتقليدية، سرعان ما حملت زوجته وانجبت له طفلة، اسمها حلا، تتعلق الطفلة ب في والدها، الى درجة اصبحت تغار الأم منها، لقد استحوذت على والدها تقريبا. حصل متغير في حياة زوجة سعد، لقد تعرفت على مجموعة من جاراتها المتدينات بشكل متزمت جدا، وبدأت تقرأ بكتبهم وتقلد تصرفاتهم، تغير ملبسها لمزيد من التستر، تغير شكلها، لم تعد تعتني بجمالها، ألغت المكياج والتجمل، ولم تعد تتصرف بطريقة تقرب لها زوجها، زاد ذلك مزيد من الأوراد والأذكار، وصلاة الليل والنهار. وبدأت تنتقد تصرفات زوجها، مثل التدخين، وعدم الالتزام الصارم بالصلاة…الخ. وكانت طامة ما فعلته أنها شاركت بعض النساء في تغسيل جارة لهم متوفاة، أثّر ذلك كثيرا على نفسية سعد والمحيطين به، بما في ذلك من مشاعر سلبية وفأل سيء وخوف…. كل ذلك وهي توغل في هذا الطريق، ولا تلاحظ ان الترابط الزوجي بينها وبين زوجها ينهار اول بأول، زاد تسارعه، إهمال ابنتها حلا، وتطاولها على سعد زوجها واتهامه بالكفر لأنه لم يلتزم بما تراه صحيحا في تدينها. مما دفع سعد لأن يطلقها. هذا هو سعد الذي كان قد خرج من معاناته من زوجته وطلاقه لها حديثا، ليكتشف بالصدفة مرسم سما رفيقة طفولته وحبه الذي لم يتمكن من النمو بحكم ابتعادهما عن بعض. ذهب اليها حيث هي في مرسمها، التقى بها تكلم معها مداورة، سعد الشاعر الذي يعتقد أنه يحمل طبعا ناريا، يعشق النار كما تعشق سما الماء. تقرب منها واكتشفت اهتمامه، تقبلت قربه منها بحذر وترقب، وسرعان ما عرفها بنفسه وبأنه هو سعد رفيق طفولتها المدرسية، تذكرته وزادت اواصر علاقتهم. اعترف سعد بحبه لسما وطلب منها الزواج. طبعا بعد ان أخبرها قصة حياته بالتفصيل، وعرفها على ابنته حلا، لكن سما كانت مترددة، وترفض، اعترفت بانها احبته، لكنها خافت ان هما ارتبطا مع بعضهما، أن يتشوه حبهما بحياتهما المشتركة. كان سعد يطاردها دوما بحبه وهي تتهرب منه. حصل ذلك الى ان اختفت سما عن سعد لقد قطعت كل واصل معه. كان لسما حكاية مختلفة، لقد ظهر في جسدها مرض البهاق، (تغير لون الجلد)، ظهر بداية في أصابعها ثم انتقل الى اغلب جسدها، اعتبرته سرها، قهرها نفسيا. تعالجت في اسطنبول ومدن أخرى أيام دراستها. لكن النتائج كانت محدودة التأثير. قررت أن تتقبل حالها وأن تعتبره سرها الذي لن تبوح به لأحد، وكانت دائمة لبس القفازات متعللة من حساسية اصابعها من التعامل مع الألوان. وتعديل وجهها بالمكياج، لكن سرها يكشف من زوجة أبيها عندما ترى جسدها مبقعا صدفة، تخبر والدها، وتبدأ رحلة علاج، يعيد توحيد لون جسدها واصابعها. كان هذا سبب اختفائها. كان سعد قد يئس من الوصول إليها. أخبر والدته بحبه لسما وتعلقه بها. وعدته امه بخطبتها بعد أن اشادت بها وبأهلها. عادت سما من رحلة العلاج، التقت بسعد اخبرته بقصتها. خاف وانفجع لكنه أصرّ على الزواج منها. هنا تنتهي الرواية.
في تحليلها نقول:
هذه الرواية الثانية التي اقرأها عن سلطنة عمان، أرى اننا نحن في بلاد الشام بعيدين عن ذلك البلد العربي على شاطئ بحر العرب. في الرواية يظهر أن هناك هيمنة ذكورية على الحياة العائلية. اعترف انها موجودة في كل بلاد العرب، تختلف بالدرجة فقط. مازالت في عمان شديدة أكثر، واعترف أن العرف الاجتماعي جزء منه يرتبط بفهم خاطئ او منحرف للإسلام، في العلاقة داخل الاسرة المسلمة. العضل ويعني منع زواج الفتاة دون مبرر شرعي أو أخلاقي، هو قتل لروح الحياة في الانسان. كانت ضحيته العمّة في الرواية. وذلك كمثال.
٠ الرواية ممتلئة بروح السرد والحكي، كل شخصياتها ابطال، وضعوا امام منصة البوح، كلهم تكلموا، وارادوا أن يقولوا ما عندهم يبرروا ما سلكوا، يُجمّلوا ايجابياتهم، يُداروا عيوبهم. الرواية تقول ان لكل انسان مبرر ذاتي عنده، لفعل ما فعل، من خير او شر. ويرجعنا ذلك إلى ضرورة الوعي العلمي والديني التنويري للحياة. بحيث لا يكون نساءنا ورجالنا ضحية العرف التقليدي او الفهم الديني المنحرف او الغير عقلاني. زوجة سعد نموذج سلبي لذلك.
٠ الرواية نسوية بامتياز، محورية حضور المرأة وبوحها، المرأة الأم والحبيبة والأخت والزوجة والجدة والطفلة، المرأة جوهر الحياة. أظلم الرواية ان قلت انها لم تعطي للرجال حضورا ايضا. في الرواية يتميز سعد وإبراهيم وآخرين.
٠ أخيرا يسعدني ان اسوح في بلد عربي شقيق عُمان، وان اتعايش مع اهله وناسه. عبر الرواية التي تنقلنا حيث نعجز في كثير من الأحيان عن الانتقال الواقعي إليه.