10 وجوه مغيّبة في سجون الأسد

أحمد إبراهيم

لم يتردد النظام السوري في اعتقال عشرات آلاف السوريين في محاولة يائسة لوأد الثورة السورية التي انطلقت منتصف مارس/آذار 2011، فامتلأت المعتقَلات بالناشطين الثوريين من كل المدن والبلدات السورية، والذين قضى عدد كبير منهم تحت التعذيب، من دون أي تحرك دولي فعال لوضع حد لمأساة آلاف المعتقلين، تؤكد المعطيات أن النظام تخلص من أغلبهم.
ويسابق النظام الزمن لحل “مشكلة” المعتقلين السوريين في سجونه، مفرجاً عن قوائم آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب. وسلّمت الأفرع الأمنية التابعة للنظام دائرة النفوس في ريف دمشق، منذ أيام، قائمة جديدة بأسماء المعتقلين من أبناء مدينة داريا، الذين قُتلوا تحت التعذيب في أقبية الأفرع الأمنية. وكان النظام قد بدأ بتسليم دوائر النفوس في المحافظات السورية أسماء المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب، بعدما كان مصيرهم مجهولاً لسنوات، غير أنه لم يعترف بمقتلهم تحت التعذيب، بل ادعى أنهم توفوا نتيجة أمراض مختلفة من دون تقديم أي أدلة طبية، بما في ذلك جثث المتوفين ليتم عرضها على الطب الشرعي وتأكيد سبب الوفاة.

وقالت مصادر متطابقة من أهالي المعتقلين المتوفين من داريا، لـ”العربي الجديد”، إن “قائمة تضم أسماء ما يُقارب الألف مُعتقل من مدينة داريا بريف دمشق، وصلت من الأفرع الأمنية إلى دوائر النفوس بريف دمشق”، موضحةً أن “دوائر النفوس بدأت بتغيير حالة المعتقلين من حي إلى متوفٍ على أنظمتها الإلكترونية”. ووصلت الدفعة الأولى من أسماء المعتقلين المتوفين تحت التعذيب في محافظة الحسكة في إبريل/نيسان الماضي، تبعتها دفعة أخرى في مدينة المعضمية بريف دمشق، ثم الزبداني وحماة ويبرود وغيرها من المناطق والمدن السورية.

ويُعدّ ملف المعتقلين من أكثر الملفات التي تئن من وطئها الذاكرة السورية التي تحتفظ بآلاف الصور التي سُربت لمعتقلين ماتوا تحت التعذيب في عام 2014، ولكن من دون القيام بإجراءات تضع حداً لإجرام النظام السوري الذي فتك ولا يزال بالسوريين على مرأى ومسمع من العالم. وعمل النظام منذ بدء الثورة على اعتقال الناشطين المدنيين والمعارضين الذين يطالبون بتغيير سياسي سلمي، كي لا يؤدوا دوراً في تحريك الشارع السوري، وأطلق في الوقت نفسه سراح سجناء متطرفين يحملون فكراً جهادياً مناقضاً تماماً لمطالب السوريين بالتغيير، كي يضرب الجوهر المدني والأخلاقي للثورة.

وتُعتبر قضية المعتقلين في سجون النظام من أهم القضايا التي تصر عليها المعارضة في المفاوضات والمحافل الدولية، ولكن النظام يتهرب لأنه يدرك أن فتح هذا الملف سوف يقود رموزه إلى المحاكم الدولية، وهو ما يحاول تجنّبه من خلال الإفراج عن قوائم المعتقلين المتوفين تحت التعذيب بشكل تدريجي في محاولة للتحايل والخداع. ورفض النظام مناقشة هذا الملف في مفاوضات أستانة وجنيف، وهو ما يؤكد قيامه بقتل عدد كبير من المعتقلين تحت التعذيب.

وتُعد معتقلات النظام الأقسى على مستوى العالم، بحسب منظمات دولية أكدت في تقارير لها أنها “مسلخ بشري”. وقالت منظمة العفو الدولية العام الماضي إن حوالي 13 ألف سجين أُعدموا في سجن صيدنايا شمال شرقي دمشق، غالبيتهم من المدنيين المعارضين منذ عام 2011. وأوضحت المنظمة أنها استندت في تقريرها إلى تحقيق معمّق أجرته على مدى سنة من ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى ديسمبر 2016، وتضمّن مقابلات مع 84 شاهداً، بينهم حراس سابقون في السجن، ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، بالإضافة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سورية. واتهمت المنظمة الحقوقية في تقريرها نظام بشار الأسد بانتهاج “سياسة إبادة” من خلال تعذيبه المساجين بصورة متكررة وحرمانهم من الطعام والماء والعناية الطبية”. وأكد التقرير أنه في سجن صيدنايا كان السجناء يتعرضون للاغتصاب أو يتم إجبارهم على اغتصاب بعضهم بعضاً، أما عملية إطعامهم فتتم عبر إلقاء الحراس الطعام على أرض الزنزانة التي غالباً ما تكون متسخة ومغطاة بالدماء. وبحسب التقرير فإن هؤلاء السجناء كان يتم اقتيادهم من زنزاناتهم وإخضاعهم لمحاكمات عشوائية وضربهم ثم شنقهم “في منتصف الليل وفي سرية تامة”.

وإضافة إلى سجن صيدنايا هناك سجون علنية وأخرى سرية، تُمارَس فيها “الإبادة الجماعية”، كما أن مليشيات محلية، وأخرى إيرانية، باتت لها معتقلات خاصة لا تتوفر معلومات كافية عما يجري داخلها. ولا يزال يقبع في سجون النظام ومعتقلاته عدد كبير من رموز الحراك الثوري من مختلف المحافظات. وعلى الرغم من مرور سنوات على اعتقالهم، لا تتوافر معلومات عن مصير هؤلاء، ومنهم محامون، وأطباء وصحافيون وفنانون، وناشطون ثوريون، وحقوقيون، أكانوا رجالاً أو نساء، كانوا يطالبون بتغيير سلمي، وهو ما شكّل خطراً على النظام الذي كان حريصاً على عسكرة الثورة وتطييفها، وأسلمتها من خلال إطلاق سراح متشددين من سجونه، كي يسهل عليه قمعها بوحشية. وفي ما يلي عشرة وجوه من المعتقلين في سجون النظام:


خليل معتوق
اعتُقل المحامي السوري خليل معتوق في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، وهو كان يوصف بأنه “ضمير السوريين”، وكان قد تولى الدفاع عن معتقلي الرأي قبيل الثورة وخلالها. شغل معتوق منصب المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، ورئيس المركز السوري للدفاع عن المعتقلين. ليست هناك معلومات مؤكدة عن مصير معتوق، إذ وردت أنباء أنه في سجن صيدنايا، في حين قال آخرون إنه في سجن درعا، ولكن المؤكد أن صحته تدهورت كثيراً في المعتقلات على مدى سنوات.

عبدالعزيز الخيّر
يُعدّ الطبيب عبدالعزيز الخيّر أشهر المعتقلين في سجون النظام قبيل الثورة وخلالها، فهو كان من أبرز قيادات “رابطة العمل الشيوعي” في سبعينيات القرن الماضي. اضطر للتخفي سنوات طويلة، حتى اعتُقل في العام 1992، وحُكم عليه بالسجن 22 عاماً. خرج من المعتقل في العام 2005. أسهم في تأسيس هيئة التنسيق الوطنية بعد اندلاع الثورة عام 2011، حتى اعتقل مع رفيق له في 21 سبتمبر/أيلول 2012 خارج مطار دمشق الدولي بعد وصوله إثر زيارة إلى الصين.

رجاء الناصر
اعتقلت سلطات النظام أواخر عام 2013، المحامي والقاضي السابق رجاء الناصر، أمين سر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير، في وسط العاصمة دمشق. الناصر هو ابن مدينة حلب، وعُرف بنشاطه السياسي منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، وكان قيادياً في صفوف حزب “الاتحاد الاشتراكي العربي”. الناصر كان من الداعين إلى الحل السياسي للأزمة السورية، ولكن ذلك لم يجنّبه الاعتقال على يد الأجهزة الأمنية للنظام والتغييب طيلة سنوات، فيما لم يُعرف مصيره حتى الآن.

زكي كورديللو
في أغسطس/آب من عام 2012 اعتقلت أجهزة النظام الأمنية الفنان المسرحي زكي كورديللو، وابنه مهيار الذي كان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية إثر مداهمة منزلهما في منطقة دمر قرب دمشق. وكان زكي من أبرز المسرحيين السوريين، وقدّم أكثر من 20 عملاً مسرحياً، تمثيلاً وإخراجاً، فضلاً عن مشاركته في العديد من المسلسلات التلفزيونية السورية، وقد اعتُقل على خلفية موقفه المنحاز للثورة، ولا يزال مغيّباً حتى الآن.

عدنان الزراعي
اعتُقل الكاتب الدرامي المعروف عدنان الزراعي في بداية فبراير/شباط 2012، وجرى نقله بين عدة فروع أمنية، وتعرّض لتعذيب شديد وفق شهادة معتقلين كانوا معه، وبقي مصيره مجهولاً على الرغم من مرور سنوات على اعتقاله. في منتصف العام 2013 قام النظام باعتقال زوجته رهف الكردي لمدة ثم أطلق سراحها. الزراعي من خريجي قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكاتب سيناريو كان معروفاً بمعارضته النظام قبل الثورة وشارك في كتابة الكثير من سيناريوهات مسلسل “بقعة ضوء” الناقد.

طل الملوحي

هي من أشهر وأبرز معارضي النظام، ومعتقلة في سجونه قبيل انطلاق الثورة، إذ اعتُقلت عام 2009 بتهمة “التجسس لصالح دولة أجنبية”، علماً أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ19 عاماً وقت صدور الحكم بحقها. وافقت محكمة الجنايات بحمص في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2013، على إطلاق سراحها. ولكن إدارة سجن عدرا أذعنت لقرار السلطات الأمنية القاضي باستمرار اعتقالها من دون أي مذكرة قضائية. وأكدت مصادر لـ”العربي الجديد” أنها لا تزال موجودة في سجن النساء بمنطقة عدرا شمال شرقي دمشق.

مهند عمر
فلسطيني سوري من مواليد مخيم اليرموك عام 1985، درس مهند عمر الأدب العربي في جامعة البعث في مدينة حمص، بدأ حياته العملية متنقلاً في عمله الصحافي في “مؤسسة القدس الدولية” ثم قناة “العالم” الإخبارية في دمشق، وعمل في صحف عديدة، منها: “قاسيون” و”النهضة” و”بلدنا” و”صوت فلسطين”. في 29 فبراير/شباط من العام 2012، اعتقلت المخابرات التابعة للنظام عمر من مكان عمله داخل مكتب قناة “العالم”، وبقي مغيباً حتى الآن من دون معرفة أي تفاصيل عن مصيره.

فائق المير
اعتقلت مخابرات النظام فائق المير أسعد، عضو الأمانة العامة لحزب “الشعب الديمقراطي السوري”، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2013. وكان المير من أبرز الوجوه التي تطالب بالتغيير السياسي، وهو من المعارضين المعروفين للنظام منذ السبعينيات، إذ اعتقل مرات عدة أيام حكم حافظ الأسد، وقضى سنوات في السجون. أعيد اعتقاله أثناء الثورة على يد أجهزة النظام بسبب استمرار نشاطه السياسي مع الثورة، وهو من المعتقلين الذين لا تتوفر معلومات عن مصيرهم الآن.

رانيا العباسي
في العام 2013 اعتقلت أجهزة النظام الأمنية الطبيبة رانيا العباسي التي كانت بطلة سورية والعرب في الشطرنج، مع زوجها، وأطفالها الستة، بسبب انحيازها للثورة وعملها في المجال الطبي. وذكرت منظمة العفو الدولية أنّ معتقلاً سابقاً في فرع 291 التابع للمخابرات العسكرية قال إنه شاهد العباسي وأطفالها في الفرع بعد نحو ثلاثة أسابيع من القبض عليهم. وأكد المحامي والحقوقي أنور البني لـ”العربي الجديد” أنه لا توجد معلومات عن مصير عباسي وزوجها وأطفالها منذ ذلك الحين.

جهاد محمد
اعتقل النظام السوري الصحافي جهاد محمد الذي كان يشغل منصب مدير تحرير جريدة “قاسيون”، أواخر عام 2012 على خلفية مشاركته في الحراك الثوري بعد أن ترك عمله في الصحيفة التي يملكها رئيس “منصة موسكو” حالياً قدري جميل. لم يُعرف مصير محمد منذ ذلك التاريخ، كما لم يُعرف مصير عدد من الصحافيين والناشطين الإعلاميين الذين كانوا الهدف الأبرز لأجهزة النظام الأمنية، ما دفع أغلب الإعلاميين السوريين إلى مغادرة البلاد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى