الموقف الأميركي يربك حسابات الأتراك في إدلب وروسيا تستغله للتصعيد

فراس فحام

قطعت الغارات الروسية اليوم على غربي إدلب حالة الهدوء القصيرة جداً التي عاشتها المنطقة بانتظار انتهاء القمة الرئاسية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

التصعيد الروسي في أعقاب القمة، يشير إلى عدم التجاوب الروسي مع الرغبة التركية بإعادة الهدوء إلى محافظة إدلب، ويؤكد على تمسك موسكو بأن تبادر تركيا لتنفيذ مزيد من الخطوات بما يتعلق بإنشاء الممر الأمني على الطريق الدولي حلب – اللاذقية M4، وتسهيل حركة الطرق التجارية، وفتح معابر بين مناطق الفصائل العسكرية والنظام السوري، دون مقابل من موسكو التي أبدت انفتاحاً على “قسد” بدل أن تضغط عليها بحسب التفاهمات التركية – الروسية السابقة.

التصريحات التي صدرت عن الجانبين التركي والروسي بعد يوم واحد من قمة سوتشي تشير إلى زاويا نظر مختلفة للواقع، فقد طالب الرئيس أردوغان بأن تبادر روسيا إلى الوفاء بتعهداتها الخاصة بإبعاد عناصر وحدات حماية الشعب (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”) من الحدود السورية – التركية، بينما دعا الكرملين الجانب التركي إلى إخراج “الإرهابيين” من إدلب.

روسيا تعول على تفاهمات مع أميركا لمواجهة الموقف التركي

دخل بوتين القمة الرئاسية الأخيرة مع أردوغان متسلحاً بحالة التوتر التي سادت الأجواء بين الرئيس الأميركي جو بايدن وأردوغان، قبل أيام من “سوتشي”، على خلفية عدم استجابة بايدن للرغبة التركية بعقد محادثات على المستوى الرئاسي على هامش لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر شهر أيلول المنصرم، وليس واضحاً بعد ما إذا كان أردوغان وبايدن سيلتقيان على هامش قمة الدول العشرين في روما شهر تشرين الأول الجاري.

التطور الأهم الذي سبق التوترات التركية – الأميركية، هو إجراء حوار إستراتيجي بين المبعوثين الروسي والأميركي المكلفين من قبل الكرملين والبيت الأبيض بمتابعة الملف السوري.

وتعول روسيا على تفاهمات مع واشنطن حول الملف السوري، استكمالاً لما بدأه الجانبان في تموز الفائت، عندما توافقا على تمديد دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى إلى الأراضي السورية.

المحادثات التي تخوضها روسيا مع الولايات المتحدة، تركز على ترسيم حدود النفوذ بين الجانبين في المنطقة ككل، بما فيها ليبيا، وفي حال توصل الطرفان إلى خطة عمل، فإن الضغوطات ستزيد على الجانب التركي، وستصبح روسيا أكثر صلابة في مواجهة موقف أنقرة نتيجة انكشاف ظهرها في سوريا وليبيا، من جراء انعدام القدرة على المناورة بين الموقفين الأميركي والروسي.

ورعى قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، اجتماعاً للفرقاء الليبيين في الـ 29 من أيلول، لمناقشة تحديد جدول زمني لخروج المقاتلين الأجانب من البلاد، وقد أرسلت موسكو رسائل إيجابية لواشنطن، تمثلت بخفض عدد مرتزقة “فاغنر” في منطقة الهلال النفطي شمالي ليبيا، مما يعزز فرص تعزيز التوافقات التي قد تتضمن إطلاق يد روسيا في سوريا.

وسبق أن استفادت روسيا من تقاربها مع الولايات المتحدة الأميركية زمن إدارة “أوباما”، ضمن ما يعرف اتفاق كيري – لافروف، الذي أتاح لموسكو النفوذ الكامل على منطقة غربي الفرات ضمن الأراضي السورية، واقتصار نفوذ واشنطن على شرقه، وكان بمثابة ضوء أخضر لشن حملة عسكرية لإسقاط مدينة حلب.

ومنذ شهر آب الماضي، وحتى نهاية أيلول، تساهلت الولايات المتحدة مع روسيا في سوريا بما يخص تخفيف سطوة العقوبات الاقتصادية، إذ لم تعارض فتح المعبر الحدودي بين سوريا والأردن، وكذلك رحبت بعودة الرحلات الجوية بين عمان ودمشق قبل يومين، ثم تراجعت عن هذا الترحيب دون التلويح بفرض عقوبات على المتساهلين مع نظام الأسد كما فعلت سابقاً مع الإمارات مطلع عام 2020.

ولم تتدخل الولايات المتحدة أو تضغط على تنظيم “قسد” لمنعه من الموافقة على إقامة المزيد من القواعد الروسية في شمال شرقي سوريا خلال الشهرين الماضيين، حيث عززت القوات الروسية من وجودها في كل من تل تمر بريف الحسكة، وعين عيسى بريف الرقة.

روسيا تعمل على عقد محادثات ثلاثية حول سوريا

أكد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، أن اللقاء المحتمل بين سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ونظيريه الأميركي والإسرائيلي قيد الدراسة.

وسبق أن كشفت تسريبات إسرائيلية عن اتصالات تجريها موسكو مع تل أبيب من أجل إقناع واشنطن بعقد محادثات عالية المستوى حول الملف السوري.

وعلى الأرجح فإن روسيا تسعى للحصول على إقرار من واشنطن وتل أبيب بنفوذها على الأراضي السورية، مقابل ضمانة مصالح الطرفين، بما يتعلق في شكل الحكم ومستقبل “الإدارة الذاتية”، ومصير النفوذ الإيراني المقلق بالنسبة لتل أبيب، وفي حال نجحت مساعي موسكو، فتستفيد من هذا الاختراق المهم في تعظيم مكاسبها شمال غربي سوريا في مواجهة الأتراك.

وعلى الأرجح فإن المشهد في شمال غربي سوريا سيبقى يعيش حالة من التأرجح، في ظل استمرار روسيا باستخدام الضغط العسكري، بهدف إجبار أنقرة على تليين موقفها أمام مطالب موسكو، وقد يزداد هذا التصعيد في حال نجحت روسيا في مساعيها السياسية المتعلقة بالتوصل إلى خطة عمل مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول الملف السوري.

بالمقابل فإن تركيا ستعول على انتشارها العسكري على الأراضي السورية، وأوراق ضغط في مناطق أخرى على روسيا، بالإضافة إلى إغراء موسكو بالعمل المشترك ضد النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا، لكن هذا بشرط أن تفشل المساعي الروسية المتعلقة بالتوصل إلى تفاهم مع واشنطن.

المصد: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى