دأب العديد من شخصيات المعارضة المعروفة، وقادات “الجيش الحر” سابقاً، و”الجيش الوطني” لاحقاً، على الإشادة بتنظيم “القاعدة في بلاد الشام” بمسمّياته المختلفة- “جبهة النصرة”، “فتح الشام”، “هيئة تحرير الشام”… – وكيل المديح المجاني له في العديد من المناسبات؛ مظهرين عدم الرغبة في انتقاده والوقوف ضده، رغم قذارة كل ما فعله ويفعله بحق السوريين الأحرار. ربما اعتقدوا أن تصريحاتهم المخزية تلك تندرج ضمن باب البراغماتية والمناورة الاستراتيجية، لكننا نعرف بأن ما قاموا به يسمى انبطاحاً وهروباً وجبناً، وصب في صالح أعداء الثورة.. هناك الكثير من هؤلاء، لكنني سأقتصر في هذا المقال على تصريحات أبرز رواد “مسيرة الفخر”؛ التي وثقتها وسائل الإعلام المختلفة.
تبدأ تلك المسيرة من العقيد المنشق عبد الجبار العكيدي – رئيس المجلس العسكري السابق في محافظة حلب – الذي صرح لـ “وكالة فرانس برس” في 11 كانون الأول/ديسمبر 2012، عقب قرار وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إدراج “جبهة النصرة” على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية: “نأسف لهذا القرار. جبهة النصرة لم تقم بأي عمل مدان أو غير قانوني ضد أي دولة أجنبية. إن عناصرها يحاربون حالياً إلى جانبنا”!
مروراً برئيس “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة” الأسبق أحمد معاذ الخطيب، الذي دعا الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في قرارها أثناء انعقاد مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” في مدينة مراكش المغربية، قائلاً إن “القرار باعتبار إحدى الجهات التي تقاتل النظام جهة إرهابية يلزم إعادة النظر فيه”. وأضاف مساوياً بين بندقية الثورة وبنادق التنظيم المأجورة عبر القارات: “قد نختلف مع بعض الجهات في أفكارها ورؤيتها السياسية والفكرية، ولكننا نؤكد أنّ كل بنادق الثوار هدفها إسقاط النظام الطاغوتي المجرم”.
رئيس “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة” الأسبق أحمد معاذ الخطيب، دعا الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في قرارها أثناء انعقاد مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” في مدينة مراكش المغربية، قائلاً إن “القرار باعتبار إحدى الجهات التي تقاتل النظام جهة إرهابية يلزم إعادة النظر فيه”.
هنا لا بد من ذكر حادثة كنت شاهداً عليها أثناء حضوري فعاليات مؤتمر انتخابات مجلسي مدينة ومحافظة حلب الحرّتين في غازي عنتاب بداية آذار 2013. فبعدما وقف الإسلاميون ضد ذهابي للمؤتمر كعضو يستطيع ترشيح نفسه للانتخابات المزمعة، باعتباري أحد مؤسسي “المجلس المدني في مارع”، وشغلت حينها منصب نائب الرئيس فيه؛ حضرت كممثل لجريدة “سورية الحرة”، التي صدرت حينذاك في مناطق الشمال السوري المحررة. في آخر يوم للمؤتمر ألقى معاذ الخطيب خطاباً رناناً، ثم عقد لقاء صحفياً مع وسائل الإعلام الكثيرة الحاضرة لتغطية فعالياته، حاولت فيه عدة مرات أن أسأله عن رأيه بـ “جبهة النصرة”، لكنني لم أستطع؛ لأنني لم أعرف كيف ظهر شاب بجانبي وقدّم نفسه بالعربية المكسّرة على أنه من الأمن التركي؛ وأخذ يمنعني -بطريقة ما- من طرح مثل هذا السؤال المحرج على (السيد) معاذ قدس الله سره!
إلى قائد القطاع الجنوبي للجيش الحر المقدم الركن ياسر العبود، الذي قال لمراسل “وكالة الأناضول للأنباء” في 13 كانون الأول/ديسمبر 2012، إن تصنيف الجماعة كإرهابية هو “مؤشر خطير وغير مقبول”. ووصف عناصر الجبهة بعد ذلك بأنهم “يقاتلون العصابة الحاكمة ببسالة وروح جهادية تستحق الاحترام، وهم في غالبيتهم العظمى من الشباب السوري الملتزم بدينه، وهناك بعض الإخوة العرب الذين لبّوا نداء الواجب لنصرة الشام من اليمن والأردن والجزائر وليبيا والسعودية، لم نرَ منهم غير الأدب والخلق الرفيع والشجاعة النادرة في الميدان، ولم نلاحظ عليهم أي سلوك أو فكر فيه تطرف أو إقصاء، ويقبلون النقد برحابة صدر”!
وهنا استلم عصا “مسيرة الفخر” رئيس “المجلس الوطني السوري المعارض” ونائب رئيس “الائتلاف الوطني” سابقاً جورج صبرة، الذي صرح في حديث مع “شبكة سي إن إن” نهاية عام 2012، بأنه “لا يفهم سبب إدراج أميركا جبهة النصرة على لائحة الإرهاب”؛ وأن “الشعب السوري يعتبر النصرة جزءاً من الثورة؛ وأن “وصف الغرب للجبهة بأنها إرهابية يدعم مزاعم بشار الأسد بأن الحرب الأهلية ليست انتفاضة طبيعية وإنما غزو من قبل القوى الأجنبية.” ثم أعلن في برنامج “مع الحدث”، الذي تبثه قناة “دويتشه فيله” الألمانية (بتاريخ 05.06.2014) أنه “عندما نضطر للصراع مع جبهة النصرة عسكرياً، سنفعل مثلما فعلنا مع “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)”. لكن صبرا تجنب تصنيفها كتنظيم إرهابي، متعمداً التهرب كعادته من إعلان موافقة أو رفض المجلس لتصنيف الجبهة المرتبطة بتنظيم القاعدة، كتنظيم إرهابي!
وهنا نأتي نحو رئيس “هيئة أركان الجيش الحر” سابقاً اللواء سليم إدريس، الذي قبل بصمت الترفيع العسكري من رتبة عميد إلى رتبة لواء؛ لكنه رفض إدانة التنظيم الإرهابي، حينما قال في منتصف عام 2013: “جبهة النصرة موجودة على الأرض السورية بنسبة لا تزيد على 3 % من المقاتلين وما يشاع عنها أنها إرهابية وتكفيرية غير صحيح!”.
وهنا يجب ألا ننسى دور “جماعة الإخوان المسلمين” الاستثنائي في”مسيرة الفخر”؛ حيث أصدرت بياناً في 12 كانون الأول/ديسمبر 2012 انتقدت فيه القرار الأمريكي: “إننا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية نرى في إقدام بعض الدول على تصنيف قوى ثورية على الأرض السورية في عداد المنظمات الإرهابية إجراء متعجلاً وخاطئاً ومستنكَراً، وهو مناقض لدعم مشروع الحرية والكرامة الإنسانية”. ثم رحبت الجماعة في منتصف عام 2016 بقرار الجبهة فك ارتباطها بـ “تنظيم القاعدة”، وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. وقالت في بيان أصدرته بهذه المناسبة: “نرحب بكل خطوة تبديها الفصائل بالعودة إلى حضن الشعب (السوري) وإرادته وأهداف ثورته”. ووصفت القرار بأنه “خطوة أولى نحو محلية الثورة”، مضيفة أن “أهدافها تحتاج المزيد من الالتحام مع الحاضنة الشعبية برد الحقوق والمظالم، وعلى الجميع أن يقوم بمراجعات شاملة تعود بالنفع والخير على الشعب وثورته”.
رحبت جماعة الأخوان المسلمين عام 2016 بقرار الجبهة فك ارتباطها بـ “تنظيم القاعدة”، وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. وقالت في بيان أصدرته: “نرحب بكل خطوة تبديها الفصائل بالعودة إلى حضن الشعب (السوري) وإرادته وأهداف ثورته”. ووصفت القرار بأنه “خطوة أولى نحو محلية الثورة”
وفي استطلاع لآراء قوى سياسية وعسكرية معارضة حول مبايعة جبهة النصرة للظواهري أجرته “جريدة الأهرام” المصرية في عددها 46151 الصادر في نيسان/أبريل 2013، قال محمد سرميني عضو “جماعة الإخوان المسلمين” وعضو اللجنة الإعلامية للائتلاف: “إننا نتفق مع جبهة النصرة في الهدف ونختلف معها في التطبيق”. وفي نفس الاستطلاع صرح محمد فاتح المتحدث باسم “الجيش الحر” بأن “جبهة النصرة فصيل يقاتل على الأرض وقد أعلن أهدافه التي ترتكز على إسقاط النظام كهدف رئيسي وأعلن أكثر من مرة استعداده لتسليم سلاحه للدولة عقب سقوط النظام وقد تعاملنا في الجيش الحر مع هذا الفصيل الذي يشكل السوريون 95 % من تشكيله على أساس اشتراك الرؤى والأهداف”.
وصولاً إلى قائد فرقة “السلطان سليمان شاه” محمد الجاسم (المعروف بـ “أبو عمشة”)، الذي خاطب أمير التنظيم: “ارحل عنا يا جولاني كي ننتصر” في شهر أيلول/سبتمبر 2019؛ ثم ما لبث أن صرح في لقاء مع جريدة “القدس العربي” (7 سبتمبر 2021): “ليس لدينا مشاكل معهم، كما أنه لا توجد علاقات بيننا، ولا ننكر عمل تحرير الشام في القتال ضد النظام، وهم أبناء هذا البلد، وقد صدوا هجمات النظام كثيراً، ونحن مستعدون للتفاهم معهم، ونؤيد الاندماج الكامل لمناطق المعارضة بما فيها مع تحرير الشام التي تغيرت حالياً للأفضل، وندعم توحيد المعارضة سياسياً وعسكرياً، ويمكن أن نذهب للقتال في حال هجم النظام على مناطق إدلب، إلى جنب تحرير الشام، لكن ضمن قيادة ومظلة الجيش الوطني”. مما أدى إلى استياء بعض الكتائب وخروجها من فرقته؛ لكن أبو عمشة سرعان ما انضم إلى “الجبهة السورية للتحرير”، التي تشكلت بإيعاز تركي مؤخراً!
قد يكون موقف الإخوان معروفاً ومفهوماً، باعتبارهم إخوة في المنهج والتقية والأهداف مع “تنظيم القاعدة في بلاد الشام”؛ أضف إلى أن أغلب قادات هذا الأخير قد تتلمذوا على يد شيوخ الإخوان. لكن بالنسبة للقادة المذكورين أعلاه، فالأمر غير مفهوم، لأن من واجبهم أن يكونوا في أول الصفوف الأولى المناهضة للتنظيم الإرهابي، بدلاً من الدفاع عنه وتقديم المسوغات والمبررات والخدمات التي لا تقدر بثمن…
رغم معرفتي الأكيدة بأن هؤلاء جميعاً على دراية جيدة بما قام به “تنظيم القاعدة في بلاد الشام” بكل كياناته المختلفة، حينما قضى بالتدريج على أبرز فصائل “الجيش الحر”؛ لكنني مع ذلك سأحاول أن أذكرهم ثانية بأسماء تلك الفصائل وتواريخ انقضاضه عليها تحت حجج واهية، لعل وعسى يدركون ما يقولون أو يفقهون بما يصرحون:
جبهة ثوار سوريا (تشرين الثاني 2014)، جبهة حق المقاتلة (بالتزامن مع إنهاء “جبهة ثوار سوريا”)، جبهة ثبات المقاتلة (كانون الثاني 2015)، ألوية أبو العلمين (كانون الثاني 2015)، اللواء السابع قوات خاصة (شباط 2015)، حركة حزم (شباط 2015)، الفرقة 30 (تمت مهاجمتها بعد دخولها مباشرة من باب السلامة أواخر تموز 2015)، جيش التحرير المدعوم من غرفة عمليات الموك (تموز 2016)، جيش المجاهدين (23 كانون الثاني 2016)، تجمع فاستقم كما أمرت (تعرض للهجوم من قبل تحالف ثلاثي ضم “فتح الشام” و”حركة نور الدين زنكي” و”كتائب أبو عمارة” في تشرين الثاني 2016)، كتائب ثوار الشام (23 كانون الثاني 2016)… وأخيراً، وليس أخيراً، أنهى التنظيم “حركة “نور الدين الزنكي” بداية عام 2019، بعد اندماجها معه تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”؛ حيث عُرف هذا التشكيل لدى الناشطين بـ “تحالف الموز” بعد انتشار صور لقائد الحركة توفيق شهاب الدين (الشيخ توفيق) وهو يقشر الموز ويضيّفه للمحيسني!
لقد قاتل “تنظيم القاعدة في بلاد الشام” مع أغلب هذه الفصائل، ثم ابتلعها بالتدريج، ليبقى هو القوة الوحيدة المسيطرة في إدلب وريف حلب الغربي.. كذلك قام بتسليم مناطق كاملة دون قتال، تارة للأسد وتارة لداعش.. كذلك عمل على ترسيخ الطائفية من خلال ممارساته الخرقاء التي أضرت بنا، وساعدت على إبعاد الكثير من السوريين عن الالتحاق بركب الثورة.
قاتل “تنظيم القاعدة في بلاد الشام” مع أغلب هذه الفصائل، ثم ابتلعها بالتدريج، ليبقى هو القوة الوحيدة المسيطرة في إدلب وريف حلب الغربي.. كذلك قام بتسليم مناطق كاملة دون قتال، تارة للأسد وتارة لداعش
إضافة إلى ذلك، لاحق التنظيم الثوار واعتقلهم، وحارب كل الشخصيات المعارضة لوجوده ولفكره، وكفرهم ودق الأسافين بينهم وبين حواضنهم الشعبية؛ وطرد كل مفكر ومبدع ووطني مخلص قادر على القيادة والتنظيم والإلهام، لا سيما في مواجهة عدو يفوقهم عدداً وبأساً ومدعوم من قوى إقليمية ودولية كبرى؛ واشتهر بسجونه، مثل سلسلة سجون العقاب؛ واستخدامه لكل أنواع التعذيب والعنف الأسدية من أجل كم الأفواه وفرض الفكر الغيبي الشمولي القروسطي، ومعاملته للناس المدنيين الواقعين تحت سلطته بشكل فج ووقح…
لقد خان التنظيم مصالح السوريين وتقاعس بالدفاع عنهم، رغم تعهده في بيان تأسيسه، الذي صدر في 24 يناير/كانون الثاني 2012، بـ “الثأر للعرض المُنتهك والدم النازف، ورد البسمة للأطفال الرضع والنساء الرُّمل”؛ لكن على أرض الواقع عملوا العكس، محولين ربيع السوريين إلى شتاء جحيمي لا يرحم؛ وخاضعين لإملاءات وأجندة أجنبية غريبة عن كل شيء يهم السوريين الأحرار؛ ورافضين جملة وتفصيلاً أن يكونوا جزءاً من ثورة الحرية والكرامة رغم كل المناشدات والدعوات…
إن صواب القائد السياسي أو العسكري يكمن في صحة استراتيجيته وتكتيكه وليس بالهراء والتطبيل الرخيص، أو عدم إدراك فحوى ما يقوم به وما يترتب عليه من نتائج كارثية على المستقبل القريب والبعيد… للأسف لم يدرك هؤلاء، أصحاب “مسيرة الفخر”، أنه لولا “إخوة المنهج” لانتصرنا على الأسد منذ زمن بعيد، ولم نضطر إلى إضعاف قوانا بالقتال على جبهات مختلفة؛ ولبقي العلم أجمع معنا ومناصراً لثورتنا!
المصدر: أورينت