هل تستطيع دمشق تنفيذ قرار عزل منطقة «السيدة زينب»؟

هل تستطيع الحكومة السورية تطبيق قرارها عزل «السيدة زينب» تحسباً لتفشي فيروس «كورونا»؟ ماذا تشكل بالنسبة إلى النفوذ الإيراني في سوريا؟ وهل تشبه «الضاحية الجنوبية» معقل «حزب الله» في بيروت؟

كانت الحكومة قد أعلنت ارتفاع العدد المصابين بـ«كورونا» إلى 16 إصابة، توفيت حالتان منها. كما أعلنت التوسع في فرض حظر التجول يومي الجمعة والسبت، ليمتد من الساعة 12 ظهراً حتى السادسة من صباح اليوم التالي، وبقائه من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً في بقية الأيام. وشمل الحظر الكلي منع التجول على الكورنيش البحري في طرطوس، بدءاً من الثانية ظهراً من يوم الخميس حتى إشعار آخر، بينما منعت محافظة حلب التجول في منطقة كورنيش الإذاعة في المدينة.

ومساء الخميس، أعلنت الحكومة: «في إطار الإجراءات المتخذة لتقييد الحركة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، حفاظاً على السلامة العامة، درس الفريق الحكومي المعني باستراتيجية التصدي لوباء كورونا آلية عزل تدريجية لمناطق التجمعات السكانية المكتظة، وتقرر عزل منطقة السيدة زينب»، وذلك بعد يوم واحد من فرضها أول حالة عزل صحي على بلدة منين، الواقعة في ريف دمشق الشمالي الغربي، إثر وفاة امرأة بـ«كورونا».

وقبل بداية الحرب في سوريا التي دخلت عامها العاشر، تتخذ إيران من منطقة «السيدة زينب» معقلاً رئيسياً بسبب وجود مزار «السيدة زينب» الذي يؤمه آلاف الزوار الشيعة من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان.

ومع بداية الحرب، اتخذت إيران من مسألة «الدفاع عن المقام» حجة لجذب المسلحين منها ومن أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن أصبحت تنتشر في سوريا ميليشيات إيرانية ومحلية وأجنبية تابعة لطهران، يزيد عددها على 50 فصيلاً، ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفاً، يعملون تحت قادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران التي قامت بعدة محاولات لمد نفوذها أكثر في ريف دمشق الجنوبي لتشكيل «ضاحية جنوبية» شبيهة بتلك الموجودة في بيروت، لكن روسيا سعت وبكل قوتها إلى عدم السماح بذلك.

ورغم إعلان وزارة الأوقاف في الحكومة السورية سابقاً إغلاق المساجد والكنائس ومزاري «السيدة زينب» و«السيدة رقية» في دمشق اللذين يؤمهما زوار إيرانيون، ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة «كورونا»، فإن مصادر أهلية في «السيدة زينب» أكدت لـ«الشرق الأوسط» تواصل توافد أشخاص إيرانيين وعراقيين ولبنانيين إلى المنطقة بشكل كثيف، وتابعت: «ليس بالضرورة أن يكونوا زواراً، فمن الممكن أن يكونوا مقاتلين، وكثير منهم لم يسبق أن تمت مشاهدتهم في المنطقة».

وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد أوضح أن «السيدة زينب» باتت منطقة معزولة بشكل كامل بسبب «وجود إيرانيين في تلك المنطقة»، وأشار إلى وجود نحو 300 حالة في الحجر الصحي في سوريا، بينها 109 حالات تم تخريجها بعد صدور نتيجة التحليلات الطبية السلبية، بينما هناك 28 حالة مصابة في طرطوس واللاذقية، و7 حالات في حلب وحمص وحماة.

وذكر المرصد أن الحالات المؤكدة المصابة بـ«كورونا» إلى قبل يومين لمواطنين سوريين يبلغ عددها 28 حالة، بينما هناك 29 حالة من الميليشيات الإيرانية والعراقية في مشفى الزهراء بمنطقة الميادين، بريف دير الزور شرق البلاد، وهي لـ16 إيرانياً، و13 عراقياً، من بينهم 5 في ريف حلب الجنوبي.

وبدوره، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في سوريا، نعمة سيد عبد، في حديث لبرنامج «نيوزميكر» على قناة «روسيا اليوم»، قبل إعلان الحكومة السورية عن الحالات الـ6 الجديدة، إنه «تم حتى الآن تسجيل 10 إصابات، بينها حالتا وفاة، جراء عدوى فيروس «كورونا»، في الأراضي السورية بشكل عام».

وأضاف: «مع ذلك، فإن منظمة الصحة العالمية تقيم الوضع في سوريا بأنه خطير لسببين: الأول، يتمثل في طبيعة الإصابات، حيث رصدت كلها تقريباً لدى مواطنين قادمين من الخارج، مما يعني أن عددها قد يكون أكبر. والثاني، أن سوريا تتميز بـخصوصية مهمة جداً، كونها تحتضن مزارين يأتي إليهما عدد كبير من الزوار من دول المنطقة».

وأوضح سيد عبد أن الحديث يدور عن مزاري «السيدة زينب» و«السيدة رقية»، وهما وجهة عدد من الزوار من دول المنطقة التي ظهر فيها الوباء على نطاق واسع، خاصة إيران، وكذلك العراق ولبنان وباكستان «لذلك فدخول الفيروس إلى سوريا وارد جداً، وهذا الأمر حدث فعلاً، وستكون تأثيرات الوباء عالية بالتأكيد، نتيجة للظروف الاستثنائية التي يعاني منها البلد منذ أكثر من 9 سنوات».

ولا تبعد «السيدة زينت» عن دمشق سوى 7 كيلومترات. ويترقب أهالي العاصمة بدقة، وبشكل متواصل، أحدث الأنباء عن الفيروس، وإحصائيات ضحاياه من إصابات ووفيات، إذ سيطرت عليهم حالة كبيرة من الخوف مع إعلان الحكومة عن عزل «السيدة زينب»، لأن المنطقة على «مرمى حجر منهم»، على حد تعبير أحدهم الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «بذلك، بات أيضاً انتشار الفيروس بشكل واسع هنا بدمشق على مرمى حجر»، بينما يصف آخر إعلان الحكومة بـ«المرعب»، لأنه «مقدمة لما هو آتٍ من تزايد للإصابات، واتساع لرقعة الانتشار».

ومن جهته، قال أحد سكان مدينة دمشق القديمة إن عزل «السيدة زينب» يعني أن «عدد الإصابات فيها كبير، وهذه الخطوة لن تمنع انتقال العدوى، لأن الإيرانيين والعراقيين اللبنانيين، سواء كانوا مقاتلين أو مدنيين، يوجد بعضهم في أحياء دمشقية، مثل الأمين والجورة والعمارة، وبعضهم يتوافد إليها يومياً»، ويضيف: «حتى لو تم عزل السيدة زينب، من سيمنع هؤلاء من القدوم إلى دمشق؟ حتما ستكون مع المقاتلين تصاريح بالسماح لهم بالتجول، لذلك العزل لن يحصر الإصابات بالسيدة زينب».

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى