تصريحات وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان عن قرب عودة ايران الى مفاوضات النووية، والامساك بالملف الذي فتحه سلفه محمد جواد ظريف حول استعداد ايران لتفعيل مسار التفاوض مع واشنطن حول تبادل الاسرى الذي يتولى التفاوض حوله المبعوث الامريكي الخاص لايران روبرت مالي، هذه التصريحات تحمل على الاعتقاد بان النظام الايراني قد تخلى عن كثير من التحفظات التي تمسك بها في جولات التفاوض الستة التي قادها كبير المفاوضين السابقين المعاون السياسي للوزير ظريف.
تأتي مواقف عبداللهيان بعد اربعة اشهر من تعطيل مسار فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي، نتيجة دخول ايران في اجواء الانتخابات الرئاسية وانتظار تشكيل الفريق السياسي للحكومة الجديدة واتضاح ملامح الفريق الذي سيتولى قيادة عملية التفاوض مع الرباعية الدولية (4+1) مباشرة ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. وهي مسوغات تعاملت معها الاطراف الدولية المعنية بالمفاوضات والاتفاق النووي بكثير من التفهم، بالتزامن مع التمسك بدعوة ايران الدائمة للعودة الى التفاوض والاتفاق باسرع وقت ممكن.
ركيزتان اساسيتان وضعتها حكومة الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي كاستراتيجية سياسية للعمل على انقاض مرحلة الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه في التعامل مع الخارج. الركيزة الاولى تقول باعتماد سياسة التوازن والتركيز على الطاقات الاقليمية ودول الجوار، والركيزة الثانية ان تؤدي المفاوضات النووية لتأمين المصالح الوطنية والقومية.
هذه المسلمات او الركائز التي كرسها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، وعبر عنها اكثر من مرة وزير خارجيته، الا انها لا تشكل أرضاً صلبة او تساعد في تقليل الهواجس او المخاوف الايرانية من الضغوط التي تمارس عليها لجرها الى طاولة التفاوض بعيدا عن الشروط التي تضعها من اجل القيام بالخطوة الحاسمة. من هنا فان الاجواء الداخلية وفي اروقة القرار تذهب على العكس مما ذهب اليه عبداللهيان، وتتحدث عن اشهر قد تشارف بدايات الربيع المقبل لانطلاق جولات التفاوض، بحيث تقترب من تقديرات مسؤول السياسات الخارجية للاتحاد الاوروبي جوزب بوريل الذي توقع العودة الى المفاوضات خلال ثلاثة اشهر.
حجم الضغوط الاعلامية الغربية التي تستهدف ايران وتدفع لاجبارها على العودة الى التفاوض، وضعته القيادة الايرانية في اطار الحرب النفسية، وهي ضغوط قد يكون الاعلام الايراني والذي يدور في فلكه في الاقليم عاجزا عن تقديم خطاب معاكس له، وبالتالي قد يضع النظام وقياداته امام مساءلة الراي العام الايراني المطالب بحلول جذرية لازماته الاقتصادية والمعيشية التي تثقل كاهله.
من ناحية اخرى، قد يكون النظام مجبرا على تقديم تفسير واضح ومحدد حول الآليات التي سيتبعها من اجل تطبيق المعادلة التي يحاول تكريسها والتي تقوم على الترحيب بالمفاوضات النووية، ورفضه ان تكون مفاوضات استنزافية او تفاوضاً من اجل التفاوض، في حين يؤكد سعيه لانهاء العقوبات الاقتصادية والحصول على ضمانات من الجانب الامريكي ومن ورائه الاوروبي بعدم العودة لاستخدام سلاح العقوبات وذلك في اطار الالتزام بالقانون الذي اقره البرلمان في تشرين الثاني نوفمبر 2020 تحت عنوان “الحفاظ على حقوق ايران النووية والغاء العقوبات”.
ما تحاوله الحكومة الجديدة وفريقها المفاوض، هو تقديم تجربة جديدة في التفاوض تختلف لغة ومنهجاً عن التجربة السابقة في عهد روحاني. فهي وحسب المنطق الذي تعتمده، لا تريد استعادة او تكرار التجربة المرة السابقة وان تدفع اثماناً كبيرة وكثيرة جاءت على حساب الشعب وبالبلاد من خلال الربط بين الوضعين الاقتصادي والمعيشي بالمفاوضات النووية وتقدمها، لذلك فان تركيز العهد الجديد وضع برنامج تنفيذي يوفر الارضية لفصل الوضع الاقتصادي والسوق الداخلي عن نتائج المفاوضات ومشروطاً بها.
على الرغم من كل هذه الاجواء التي تحمل مؤشرات ايجابية بامكانية الانتقال الى خطوات عملية في ما يتعلق بالمسار التفاوضي، وما يدور خلف الكواليس من هواجس ايرانية حول مسار هذه المفاوضات وما يمكن ان يعترضها من معوقات، تبرز اشكالية اخرى تتعلق بالجانب الايراني، الذي لم يحسم بعد الجهة التي ستكون مخولة بالتفاوض، وهل سيبقى في دائرة صلاحيات وزارة الخارجية وبالتالي في عهدة عبداللهيان ومعاونه السياسي علي باقري كني الذي تولى هذا المنصب خلفا لكبير المفاوضين السابق عباس عراقتشي، ام سينتقل الى دائرة مسؤوليات المجلس الاعلى للامن القومي الذي تولى في المرحلة السابقة مهمة مراقبة حسن تطبيق الاتفاق وانسجامه مع السياسات والمصالح الاستراتيجية والقومية للنظام وقوانين المجلس النواب. وأيا كانت الجهة التي ستتولى هذه المهمة، فان الجميع متفق على احداث تغيير في المنهج، والابتعاد عما تصفه الادارة الجديدة بالسياسات الخاطئة التي اعتمدتها الادارة السابقة، بالاضافة الى ضرورة تفعيل عمل وزارة الخارجية في جميع الاتجاهات، خصوصا تفعيل الدور والعلاقات الاقتصادية مع دول العالم، خصوصا دول الجوار والدول الاسيوية والدول الصديقة البعيدة والقريبة، وعدم حصر دورها فقط في متابعة الملف النووي كما حصل في السابق، وذلك في اطار تحقيق الهدف او التوجه الاستراتيجي بالتعطيل وابطال مفعول العقوبات الاقتصادية حتى اذا تأخر قرار استئناف المفاوضات او اذا وصلت الى طريق مسدود، بحيث لا تكون امام خيار يفرضه الطرف الاخر، وان توضع امام خيار الانصياع الى التوافق كحاجة لمعالجة التراجع والازمات التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع الايرانيين السيئة، وحتى تتخلص من الاثمان الباهضة التي دفعها الشعب والنظام الايراني نتيجة العقوبات النفطية، التي حاول “بوريل” توظيفها في محاولة الضغط على وزير الخارجية عبداللهيان كدافع لطهران للعودة الى طاولة التفاوض.
المصدر: المدن